موقفٌ لافت وفي ذات الوقت اعتبرته أطياف المعارضة السورية “صادمٌ ومفاجئ”، لا سيما أنه خرج من قاعات “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة، وتردد صداه في الأيام الثلاثة الماضية ليصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وإلى سورية حيث استغله نظام الأسد، وكأن هديةً وصلته على طبقٍ من ذهب.
تعود التفاصيل إلى 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، حين دعت “خبيرة حقوق الإنسان المستقلة في الأمم المتحدة”، ألينا دوهان، الولايات المتحدة، إلى رفع العقوبات المفروضة على نظام الأسد، من بوابة أنها “قد تعرقل جهود إعادة بناء البنية التحتية المدنية التي دمرتها الحرب”.
وقالت الخبيرة التي تنحدر من بيلاروسيا: “عندما أُعلنَ عن العقوبات الأولى بموجب قانون (قيصر) في حزيران 2020، قالت الولايات المتحدة إنها لا تنوي إلحاق الأذى بالسوريين”، مضيفةً: “ومع ذلك، قد يؤدي تطبيق القانون إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، ما يحرم الشعب السوري من فرصة إعادة الإعمار”.
ولا تُعتبر قرارات مجلس حقوق الإنسان ملزمة للولايات المتحدة، وإنما هي بمثابة ضغط، وتسجيل لمواقف الدول حيال القضية.
وعلى الرغم من ذلك إلا أنها دفعت الأخيرة لإصدار بيانٍ رفضت فيه ما طرحته الخبيرة في مجلس حقوق الإنسان، معتبرةً أن محاولة المقرر الخاص للأمم المتحدة إلقاء اللوم على العقوبات الأمريكية في الأزمة الاقتصادية السورية هي محاولة “مضللة وباطلة”.
ومع ما سبق كان لنظام الأسد فرصة للعب على الوتر الذي أتاحه موقف الخبيرة في المجلس، ليحمّل واشنطن من جديد مسؤولية ما يعيشه المدنيون في سورية، مشيراً إلى أن “عقوبات “قيصر تحرم السوريين من توفير متطلبات العيش والحياة الكريمة”.
ما هو مجلس حقوق الإنسان؟
“مجلس حقوق الإنسان” الذي تأسس في 2006 بجنيف، يعتبر مسؤول عن تدعيم تعزيز جميع حقوق الإنسان، وحمايتها في جميع أرجاء العالم، وعن تناول حالات انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم توصيات بشأنها.
ورغم أن قرارات المجلس غير ملزمة للأمم المتحدة، إلا أن لديه القدرة على مناقشة جميع القضايا والحالات والمواضيع المرتبطة بحقوق الإنسان، التي تتطلب اهتمامه طوال العام.
ويعقد المجلس اجتماعاته في مكتب الأمم المتحدة في جنيف، وهو مؤلف من 47 دولة عضواً في الأمم المتحدة، تنتخبها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان قد حلّ “مجلس حقوق الإنسان” محل “لجنة الأمم المتحدة” السابقة لحقوق الإنسان.
إشكاليات وانتقادات
على مدار السنوات الماضية، وبالأخص في عام 2020 كان المجلس قد أدان نظام الأسد بتصويته على ثلاثة قرارات، بسبب ارتكابه انتهاكات بحق السوريين، وبذلك ترتفع قرارات الإدانة في المجلس المذكور منذ عام 2011 إلى 35 قراراً.
وعلى اعتبار أن موقف الخبيرة في المجلس صبّ في صالح نظام الأسد، واُعتبر موقفاً لافتاً، إلا أن هذه الإشكالية ليست الوحيدة التي تخرج من المجلس المختص بحقوق الإنسان، بل سبق وأن أثار انتقادات واسعة في الأشهر الماضية، وقبلها بسنوات، حين فازت روسيا والصين بعضويته.
ولم تنحصر حدود الانتقادات في شخصيات وأفراد، بل انسحبت إلى عدد من المنظمات المدنية والمدافعة عن حقوق الإنسان، بينها منظمة “العفو الدولية” التي اعتبرت روسيا “مرشحاً إشكالياً”، نظراً إلى “سلسلة جرائم الحرب التي ارتكبتها في الصراع المسلح في سورية”.
كما وصفت “العفو الدولية” كلاً من الصين والسعودية، بأنهما “من أكثر الحكومات في العالم انتهاكاً لحقوق الإنسان”، وذلك تعليقاً على ترشحهما لنيل عضوية “مجلس حقوق الإنسان”.
جهاز سياسي لتسجيل المواقف
المحامي لدى مركز “جيرنيكا 37” للعدالة الدولية، إبراهيم العلبي، يرى أن “مجلس حقوق الإنسان” قادرٌ على إنشاء آليات بتصويت غالبية أعضائه، بالإضافة إلى إنشاء مجموعات عمل للبت في عدة قرارات.
ويقول العلبي لـ”السورية.نت”: “يجب الإشارة إلى أن مجلس حقوق الإنسان هو الجهاز السياسي للأمم المتحدة الذي تجتمع فيه الدول، وليس الجهاز التنفيذي، بمعنى أنه الجهاز الذي يصنع الأجسام التنفيذية فقط، مثل المقرر الخاص بالتعذيب، ولجنة تقصي الحقائق في سورية”.
ويشير الخبير القانوني إلى دولٍ لها عضوية في المجلس، كانت ترغب في الفترة الأخيرة بإنشاء مقررٍ خاص بالعقوبات أحادية الجانب أو المفروضة على نظام الأسد، على عكس مواقف الدول الغربية، التي كانت تؤيد العقوبات المفروضة، وتسعى إلى زيادة حدتها.
وإلى جانب ما سبق عملت دول أخرى إلى تشكيل خبراء حقوقيين، كما هو الحال في الخبيرة الحقوقية، ألينا دوهان، والتي ركّزت على جانب معين دون عرض الجوانب الأخرى، الأمر الذي أخرج الموضوع من سياقه كاملاً، وصب في إطار اجتزاء الحقيقة، وحسب العلبي فإن ذلك يرتبط بالدولة التي تنحدر منها، والمحسوبة على الحلف الشرقي والشيوعي، أي القريبة من روسيا.
السياسة تدخل فيه
والخبيرة ألينا دوهان هي مستقلة في “مجلس حقوق الإنسان”، وعّينت مقررة خاصة معنية بالتأثير السلبي للإجراءات القسرية الانفرادية على التمتع بحقوق الإنسان، وفق ما يقوله الدبلوماسي السوري السابق، بشار علي الحاج علي.
ويضيف الحاج علي في تصريحات لـ”السورية.نت”: “ما سبق يعني أن دوهان تستند في تصريحاتها ومواقفها إلى تلك المرجعية أولاً، وفيما يتعلق بحديثها عن العقوبات المطبقة من دولة وهي أمريكا فهذا الأمر يندرج تحت الإجراءات الانفرادية ضمن اختصاصها”.
ولا يعني تصريح خبيرة حقوق الإنسان أن ذلك موقف “مجلس حقوق الإنسان”، والقضية أيضاً غير خاضعة للتصويت، ويشير الدبلوماسي السوري السابق إلى أن المجلس هو عبارة عن مجلس تمثيلي للدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، وبذلك فهو يخضع للدعم المتبادل في الترشيحات وفي العضوية وهذا يعني تدخل السياسة فيه.
ويتابع الحاج علي، أنه لا يمكن الجزم بعزل المسار السياسي عن الإنساني في هيئات ووكالات الأمم المتحدة.
“اللعب على وتر الإنسانية”
وضمن التعريف الذي تتيح الأمم المتحدة لمجلس حقوق الإنسان، فإنه يتولى من خلال آلياته مهمة الفحص والرصد وتقديم المشورة والتبليغ عن أوضاع حقوق الإنسان في بلدان أو أراضٍ محددة، وعن ظواهر رئيسية عن انتهاكات تتعرض لها حقوق الإنسان في العالم.
وبعد سنة من عقد اجتماعه الأول يوم 18 يونيو/حزيران 2007، كان المجلس قد أنشأ مؤسساته التي يطلق عليها اسم “الإجراءات الخاصة”، ويتولى هذه الولايات شخص يطلق عليه اسم المقرر الخاص أو الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة أو الخبير المستقل، كما يمكن أن يتولاها فريق يتلقى المعلومات عن تجاوزات أو انتهاكات لحقوق الإنسان.
وفي أثناء حديثه أشار الدبلوماسي السوري السابق إلى أن “المشكلة في تأثير العقوبات على حقوق الإنسان، وعلى الوضع الإنساني يعود أولاً لاستغلال سلطات الأمر الواقع، وما يسمى النظام السوري للحالة الإنسانية للإفلات من العقوبات”.
ويتابع الحاج علي: “علماً أن الحاجات الإنسانية الدوائية والطبية مستثناة بنص قانون قيصر الذي جاءت على ذكره (…) الحالة السورية الإنسانية هي نتيجة عجز المجتمع الدولي والمنظومة الدولية عن الحل العادل للقضية السورية”.
من هي ألينا دوهان؟
ويعرّف مجلس حقوق الإنسان الخبيرة فيه ألينا دوهان، بأنها المقررة الخاصة المعنية بالآثار السلبية للتدابير القسرية الانفرادية والمتخذة من جانب واحد.
وتنحدر دوهان من بيلاروسيا، وكانت قد تولت مهامها في 25 آذار / مارس 2020، وهي أستاذة في القانون الدولي في جامعة بيلاروسيا الحكومية (بيلاروسيا) ومدير مركز أبحاث السلام.
عملت دوهان في مكتب الأمم المتحدة في مينسك (2001-2005)، والمحكمة الاقتصادية لكومنولث الدول المستقلة (2006-2008)، وتتركز اهتماماتها التعليمية والبحثية في مجالات القانون الدولي والعقوبات وقانون حقوق الإنسان وقانون الأمن الدولي وقانون المنظمات الدولية وتسوية المنازعات الدولية والقانون البيئي.
ومنذ عام 2013 تعمل دوهان كخبيرة في فريق المناقشة في العديد من حلقات النقاش حول التأثير السلبي للتدابير القسرية الانفرادية على التمتع بحقوق الإنسان، التي ينظمها مجلس حقوق الإنسان وجهات فاعلة أخرى.
وهي أيضاً عضو في عدد من المنظمات الأكاديمية والخبيرة، بما في ذلك لجنة استخدام القوة التابعة لرابطة القانون الدولي.
وموقفها ضد واشنطن بخصوص عقوبات “قيصر” ليس الوحيد، بل كان قد سبقته مواقف مشابهة، في آب/أغسطس 2020، واعتبرت في ذلك الوقت أن “العقوبات تجلب المعاناة والموت في دول مثل كوبا وإيران والسودان وسورية وفنزويلا واليمن”.
وأضافت: “لضمان حقوق الإنسان والتضامن خلال جائحة كورونا، ينبغي تقديم أذونات لإيصال المساعدات الإنسانية بأسهل طريقة – ويفضل أن يكون ذلك تلقائياً عند الطلب”.