تنتظر “وحدات حماية الشعب” بفارغ الصبر تسلم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن لمقاليد الحكم في واشنطن. هي تراهن على تصعيد أميركي تركي وتفاهمات أميركية روسية وإخراج إيران من المشهد وتعاون وتفهم من قبل شركائها في الوطن لإنجاز مشروعها المتفق عليه مع بريت ماكغورك الرئيس المقبل لمكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي، ومنسق خطط الحرب على داعش بين العامي 2015 و2018.
من هو ماكغورك وكيف تستعد له أنقرة؟ ولماذا قرر بايدن إعادة ماكغورك إلى المشهد بمهام أمنية وسياسية إقليمية تتجاوز حدود شرق الفرات؟
من مسؤول ملف التنسيق بين قسد وواشنطن في خطط الحرب على داعش عام 2015 إلى اللاعب الأبرز في الملف الكردي الإقليمي. رجل المهام السرية والصعبة على خط أربيل – قنديل – القامشلي. علاقات شخصية واسعة مع قيادات قسد ومسد وحزب العمال الكردستاني وتوزيع أدوار ومهام مكنت أميركا من تسجيل اختراقها السياسي والميداني في الملف السوري رغما عن تحالف دول الأستانة الثلاث.
ملف إنجازات ماكغورك منذ العام 2005 في خدمة السياسات الأميركية الإقليمية دون تمييز بين ديمقراطيين وجمهوريين يجعله موضع ثقة رغم توتر علاقاته بترامب قبل عامين. تحول بشهادة الكثيرين إلى صانع ألعاب محلية على خط أربيل والقامشلي والحسكة لإنجاز خطط فتح الطريق أمام مشاريع الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية في طرفي الحدود.
مشكلة ماكغورك في العلن ستكون مع تركيا لكن مشكلته لاحقا ستكون مع الشعبين السوري والعراقي عندما يعيد تفعيل مشروعه الانفصالي الكردي وإنجاز مهمة الفدرالية الهزيلة في سوريا لتكون مقدمة لانفصال شمال شرقي البلاد عن الوطن الأم، ثم إعادة تحريك ملف الانفصال في شمال العراق. لكن الحجر الأكبر الذي يريد فريق بايدن إزاحته من الطريق بعد إنجاز تقدم حقيقي على خط القامشلي أربيل هو محاولة إلغاء الحدود السورية العراقية وإنشاء حدود جديدة لدولة كردية موحدة في المثلث المائي النفطي والغذائي الذي يوفر للمشروع أرضيته ومقوماته الاستراتيجية.
يقول وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إننا سنبلغ واشنطن باقتراحنا لإنشاء لجنة عمل مشتركة لبحث ملف صواريخ إس 400، لكنه يذكر أن انقرة لن تتنازل عن حقوقها في برنامج تصنيع المقاتلة إف 35. هذا يعني أن الاتصالات التركية الأميركية لم تبدأ بعد مع فريق بايدن.
فشلت تركيا في إقناع واشنطن بإعطائها ما تريده في موضوع الكيان الموازي وجماعة فتح الله غولان وقبول توصيفات هذه المجموعات بالإرهابية بسبب دورها في المحاولة الانقلابية الفاشلة قبل 4 أعوام. وفشلت في قطع الطريق على مواصلة واشنطن دعم مجموعات قسد السورية وتبني العلاقة بين هذه المجموعات وقوى حزب العمال الكردستاني الناشطة في مثلث جنوب شرقي تركيا وشمال العراق وشرق الفرات.
تمد أنقرة يدها مجددا اليوم نحو القيادة الأميركية الجديدة في البيت الأبيض لكنها تقول أيضا إنها متمسكة بصفقاتها العسكرية والتسلحية مع موسكو في إطار المصالح الوطنية وتأمين احتياجات تركيا الدفاعية. يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إننا لا نعرف بعد كيف سيكون موقف الرئيس الأميركي الجديد من ملفات كثيرة في مسار العلاقات التركية الأميركية لكن الموقف التركي واضح وشفاف ومعلن. لا تراجع عن الصفقات حول إس 400 وتركيا تفاوض موسكو على صفقة جديدة. بعض الأسماء التي اختارها بايدن لتعاونه في مهام إدارة شؤون البلاد في السنوات الأربع المقبلة قد تكون سببا في الرسائل التركية السياسية والعسكرية الأخيرة.
اختيار ماكغورك لهذا المنصب هو ليس عملية رد اعتبار له فقط، بل رسالة من الإدارة الأميركية الجديدة أنها ستواصل مشروعها الذي بدأته قبل سنوات ويعني الكيان الكردي في سوريا والعراق.
بايدن هو الذي قال لنا قبل عامين عندما اغضب ترامب ممثله في الحرب على داعش ماكغورك ودفعه نحو الاستقالة “تركت وحدات الحماية الكردية في سوريا بمفردها في مواجهة تركيا وهذا خطأ لا يغتفر”. هو لن يحاسب ترامب على ما فعله بل يعيد ماكغورك إلى المشهد لتصفية حساباته مع أنقرة ولتمكين الأخير من إنجاز ما بدأه هناك بدور وصلاحيات أوسع وأقوى.
يقول بايدن نعم للتهدئة مع أنقرة إذا ما قررت العودة إلى بيت الطاعة الأميركي كما كانت الأمور قبل عقدين. أردوغان يقول لن يكون سهلا ترك كل هذه الإنجازات الإقليمية التركية وشبكة العلاقات الاستراتيجية الواسعة إرضاء لبايدن وفريق عمله.
أفشلت أنقرة خطط واشنطن وقيادات “الإدارة الذاتية” بتوسيع رقعة السيطرة على الجغرافيا الحدودية في شرق الفرات. وشكلت عملية “نبع السلام” الضربة الموجعة لمشروع ماكغورك “الكردي” في سوريا. الهدف الأميركي الجديد بتوقيع بايدن هو إكمال المخطط الذي توقف لفترة في سوريا والعراق وما ماكغورك سوى المدير التنفيذي فيه.
ترامب مهد للأمر في جنوب سوريا بفتح الطريق أمام اسرائيل هناك، ونجح في تحييد إيران إلى حد كبير بانتظار ما سيقرره بايدن حيالها في المنطقة، ولم يتراجع عن سياسة دعم وتجهيز قسد ومسد لكل الاحتمالات وأطلق يد تركيا في عملية عسكرية محدودة في شمال شرقي البلاد لمنع انتقالها إلى الخندق الروسي بالكامل. أما الذي سيجمع ثمار كل ذلك فقد يكون بايدن وشركائه المحليين في سوريا إذا لم تستعد أنقرة وموسكو لاحتمالات المرحلة الأصعب في المشهد السوري.
ما لا يريد أن يراه بعض المصرين على رمي الكرة في ملعب أنقرة وتحميلها مسؤولية التوتر التركي الأميركي المرتقب هو أن المشروع الأميركي الجديد لا يعني تركيا وحدها بل سيكون على حساب الدولتين السورية والعراقية وضرب بنيتيهما السياسية والدستورية والجغرافية القائمة اليوم. لا يهم ربما بالنسبة لهم حتى ولو كان الثمن إضرام النار في اللحاف لقتل البعوضة كما يقول المثل الشعبي.
تتحدث أنقرة في هذه الآونة عن علاقات إيجابية مع أوروبا بعد كل رسائل التصعيد والتهديد والتحدي. هل من الممكن أن نشاهد ذلك مع إدارة الرئيس بايدن؟
المسألة ليست بمثل هذه البساطة فالرئيس أردوغان يدعو أميركا لقبول حقيقة أنه من حق تركيا الحصول على أسلحة دفاعية دون استئذان أي طرف وأن بلاده ماضية في صفقة جديدة لشراء منظومة “إس- 400 مع روسيا. ما يريده أردوغان هو أكثر من ذلك أن يتحرك الرئيس الجديد لحل مشكلة تسليم مقاتلات أف- 35 التي تحتجزها أميركا رغم أن انقرة دفعت ثمنها. بالمقابل جاءت رسائل بايدن حتى الآن ملغمة حول ما قد يحدث في مسار العلاقات التركية الأميركية. مهمة ماكغورك قد تكون أيضا تأمين منفذ بحري للكيان الكردي السوري على المتوسط. والصفقة قد تتم هنا مع روسيا إذا ما نجح في اقناع موسكو بلعبة مساومات إقليمية متعددة الأهداف والجوانب.
“الحلو مر” يعتبر من أشهر المشروبات السودانية الشعبية الذي يلقى إقبالا مميزا في شهر رمضان. هو مشروب معقد الصنع يجمع الطعم الحلو والمر في الوقت نفسه لكن المواطن السوداني لا يتخلى عنه. في السياسة أيضا ليست العلاقات دائما حلوة أو مرة، أحيانا ينبغي تذوق الطعمين معا في طبخة واحدة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت