دينامية جديدة تعيشها منطقة الشرق الأوسط على إيقاع متسارع، هنالك توتر بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا يهدف إلى إعادة عقد لقاءات مباشرة والتفاهم حول نقاط كثيرة، إضافة إلى المفاوضات الإيرانية الأميركية المستمرة، ولقاءات ومفاوضات إيرانية سعودية، وإيرانية مصرية، لا يمكن إغفال دور العراق الأساسي فيها، خصوصاً أن العراق هو الدولة التي تمثل الفصل الحدودي بين إيران والسعودية، وتتمتع بعلاقات مع الدولتين خصوصاً بعد زيارة أجراها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى البلدين. يمثل اللقاء السعودي الإيراني أهمية استثنائية للمرحلة المقبلة لا بد أن يكون لها انعكاس على الوضع في المنطقة، بدءاً من العراق واليمن، وصولاً إلى ملفات أخرى كسوريا ولبنان وإن بدرجة أقل أو بمرتبة أدنى في سلّم الأولويات.
لا تنفصل المحادثات الإيرانية السعودية عن مسار التفاوض الإيراني الأميركي، خصوصاً أن دول الخليج ومصر تريد المشاركة في أي مفاوضات بين واشنطن وطهران، وإن لم تكن هذه المشاركة مرتبطة بشكل مباشر بالملف النووي الإيراني، إنما بما سيأتي بعدها من محادثات حول نفوذ إيران الإقليمي مع ميليشياتها وحلفائها، ودورها في كل من الخليج والعراق، واليمن وسوريا ولبنان.
في موازاة ذلك، لا بد من رصد العلاقات الأميركية الروسية، فكلا الطرفين يحاولان استقطاب مجموعة قوى وأوراق في المنطقة. في العلاقة الكلاسيكية بين واشنطن وموسكو يبقى التنافس والتصارع هو السمة الأساسية، مع استثناءين حصلا أيام باراك أوباما ودونالد ترامب، بمنح روسيا أدواراً متعددة أبرزها في سوريا.
حالياً ووفق صورة مبسطة لما يجري، فهناك تسابق بين التفاهم الروسي الأميركي على مستوى استراتيجي، والاتفاق النووي بين الإيرانيين والأميركيين وتوابعه إقليمياً ودولياً. في ظل هذا التسابق تسعى كل القوى الدولية إلى تعزيز أوراقها وترتيب أولوياتها في نسج مزيد من العلاقات على مشارف أي اتفاق يقترب من التبلور.
بين روسيا وأميركا سيؤدي كل هذا التصعيد إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، فالتواصل الروسي الأميركي مستمر، والهدف هو الذهاب إلى الاتفاق على عقد قمّة بين الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين، وقد يعقد الاجتماع مجدداً في فنلندا، في هلسنكي، أي المكان نفسه الذي اجتمع فيه دونالد ترامب مع بوتين.
في موازاة هذه التطورات، والكلام الإيراني السعودي، لا يمكن إغفال استمرار المحادثات الخليجية الإسرائيلية. وكأن كل هذه المحادثات تنطوي على تسابق حول من يعقد التفاهم في البداية أو من يعزز شروطه وأوراقه ليكن متمكناً أكثر لدى لحظة الجلوس على الطاولة. ما لا شك فيه هو أن واشنطن وموسكو تريدان التوصل إلى تفاهم حول الوضع في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الواقع في شرق أوروبا. أما إيران فتريد الاتفاق مع واشنطن في سبيل تسوية وضعها الداخلي والإفراج عن الأموال المحجوزة بموجب العقوبات، وتخفيف حدّة العقوبات وصولاً إلى رفعها وفي الأساس قد بدأت إيران باستعادة بعض الأموال التي كانت محتجزة لدى كوريا والعراق. بالإضافة إلى ترتيب وضعها الإقليمي في مختلف دول المنطقة، بشكل تحتفظ فيه بمناطق النفوذ.
لا بد لأي مفاوضات بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا من أن تنعكس على الوضع في سوريا حتماً. ستجري الانتخابات السورية، ويعاد انتخاب بشار الأسد، لكن ذلك لن يؤدي إلى حلّ الأزمة التي يرتكز الدخول إليها إلى عاملين أساسيين، وهما وجود تفاهم عريض يعيد إحياء مبدأ التسوية السياسية في سوريا، بشكل يبقي النظام بناء على الشرط الروسي وبعض الدول العربية، بينما الأهم هو أن النظام لا يرتبط مصيره بمصير شخص، وهذا ما يفترض أن يحدده مساره أستانة ومسار اللجنة الدستورية، والذهاب إلى تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات موسعة. أي تفاهم روسي أميركي حول الوضع في سوريا، لا بد له أن يلحظ مسألة العقوبات، ومستقبل النظام، والعلاقة بين الأكراد والنظام السوري، وهذا الأمر يطرح سؤالاً حول ما يمكن أن يحصل مع الوجود الإيراني في سوريا.
في ظل هذا التسابق بين التفاهم الأميركي الإيراني أو الأميركي الروسي وانعكاسه المباشر على الوضع في سوريا، لا بد من توجيه سؤال أساسي عن موقف إسرائيل، التي لطالما يؤكد مسؤولوها أنهم لن يسمحوا لإيران بالوجود في سوريا وباستنساخ حزب الله في الجنوب السوري، إسرائيل أكثر المتضررين من أي تفاهم إيراني أميركي في المنطقة، وهي حتماً تفضل الروس على الإيرانيين في سوريا نظراً للعلاقة بينهما وللاتفاقيات المعقودة والتي تتضمن في أحد جوانبها ضرب المواقع الإيرانية المتقدمة والتي تشكل خطراً على إسرائيل.
في ظل هذه المعادلة، قد تخوض إسرائيل المعركة وحيدة ضد إيران وضد السياسة الأميركية المنتهجة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت