تعود محافظة إدلب من جديد لتتصدر المشهد السوري، بعد هدوء حذرٍ استمر لأشهر، بعد طرح موسكو على أنقرة سحب نقاط المراقبة التابعة لها من مناطق سيطرة نظام الأسد، مع رفض الأخيرة ذلك، في خطوةٍ تصب في إطار التمسك ببنود اتفاق “سوتشي”، والموقع بين الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين والتركي، رجب طيب أردوغان.
ويعتبر الطرح الروسي بضرورة سحب نقاط المراقبة، تحركاً لافتاً من جانب موسكو، ولا ينص عليه أيٌ من البنود المتفق عليها في سوتشي، وجاء خلال الاجتماعات التقنية التي جمعت وفود روسية وتركية في العاصمة أنقرة، في اليومين الماضيين، وكان نظام الأسد قد مهد له بمظاهرات خرج بها موالوه قرب النقاط التركية، والواقعة في ريف حماة.
وعلى الرغم من غياب أي إعلان رسمي من الطرفين حول الطرح والرد التركي عليه، إلا أن تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو أكدته بشكل أو بآخر، ولاسيما أنه أشار إلى أن الاجتماعات التي عقدت لم تكن مثمرة، ومؤكداً أن وقف إطلاق النار في سورية يحتاج إلى الاستمرار والتركيز أكثر قليلاً على المفاوضات السياسية”.
وحسب جاويش أوغلو: “يجب أن يسود هدوء نسبي في محافظة إدلب، لأنه إذا استمرت المعارك، فقد تكون العملية السياسية قد انتهت”.
تفاوض على الأرض
لا يقتصر التفاوض بين الروس والأتراك على ماذا سيكون عليه غداً في إدلب على الاجتماعات التقنية فقط، التي يتم عقدها بين الفترة والأخرى، بل ينسحب إلى الميدان، والذي يشهد توتراً عسكرياً، فرضته الطائرات الحربية الروسية من جهة، والقوات التركية وفصائل المعارضة بالرد على الخروقات المتكررة، من جهة أخرى.
وكان الروس قد استبقوا الطرح الذي عرضوه على أنقرة بسحب نقاط المراقبة، بإيقاف تسيير الدوريات المشتركة مع تركيا على الطريق الدولي حلب- اللاذقية (m4)، وبالتصعيد عسكرياً، من خلال غارات جوية متكررة، على مناطق جبل الزاوية في ريف إدلب، وفي مناطق ريف اللاذقية الشمالي.
وعلى الضفة المقابلة، وضمن ما يمكن تأطيره بالتفاوض على الأرض، استمرت الأرتال التركية بالدخول إلى أراضي إدلب، وكان آخرها، مساء أمس الجمعة، وتمركزت بشكل رئيسي في منطقة جبل الزاوية، والتي تعتبر خط الدفاع الأساسي لما تبقى من مناطق سيطرة فصائل المعارضة، بعد الزحف الأخير لقوات الأسد، في الريفين الشرقي والجنوبي لإدلب.
وأمام ما سبق من تطورات ميدانية على الأرض، والتي سبق وأن شهدتها إدلب في الأشهر الماضية، وخاصةً قبل تنفيذ أي بند من الاتفاق المبرم بين موسكو وأنقرة، يشير الواقع المفروض إلى أن موسكو تحاول فرض مرحلة جديدة معدلة عن اتفاق “سوتشي”، وهو ما ترفضه أنقرة، والتي تحاول التمسك بالبنود المنصوص عليه في الاتفاق، الموقع في عام 2018، إلى جانب اتفاقيات “أستانة”، والتي أتاحت لها نشر نقاط المراقبة، بشكل رسمي ومعلن.
وكانت أنقرة قد أبرمت اتفاقاً مع موسكو، في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، يقضي بإنشاء 12 نقطة مراقبة تركية في إدلب، ضمن اتفاق خفض التصعيد، ثم أنشأت تركيا نقاطاً إضافية بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين في موسكو، في 5 مارس/ آذار الماضي.
هل تسحب أنقرة نقاطها؟
في تقرير لـ صحيفة “HABER TURK” التركية، الأسبوع الماضي قالت إن روسيا تمارس ضغوطاً على تركيا، من أجل تقليل عدد نقاط المراقبة في منطقة “خفض التصعيد” شمال غربي سورية.
وأضافت الصحيفة أن تركيا أصرت على موقفها وتمسكها باتفاقي وقف إطلاق النار و”خفض التصعيد”، اللذين نصا على تثبيت نقاط المراقبة التركية في إدلب، مشيرةً إلى أن عدم توصل الوفدين الروسي والتركي لاتفاق خلال الاجتماعات الأخيرة يهدد اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب.
في حديث لـ”السورية.نت” يقول الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، نوار شعبان إن سحب النقاط التركية المتواجدة في مناطق سيطرة نظام الأسد يعتبر موضوعاً “شائكاً”، وعلى الرغم من الضغوط التي تحيط بها، إلا أن المواد اللوجستية ماتزال تصل إليها بشكل دوري، ولا تجرؤ قوات الأسد من الاقتراب منها.
ويضيف شعبان أنه يوجد اتفاق روسي- تركي لبقائها في الفترة الحالية، معتبراً أنه في حال سحبت تركيا نقاطها من محيط إدلب، والواقعة في مناطق سيطرة نظام الأسد، فإن الأمر سينعكس بشكل سلبي على الروس، موضحاً “هذه الخطوة سيقابلها تعزيز تركي في النقاط المرسومة”، ولاسيما في جبل الزاوية، ونقاط التماس في ريف اللاذقية وريف إدلب الشرقي.
ولتركيا عدة نقاط مراقبة محاصرة من جانب قوات الأسد في محيط إدلب، بينها نقطة المراقبة في الصرمان، مورك، معرحطاط، تل الطوقان، محيط مدينة سراقب، العيس، الراشدين.
وحسب الباحث، فإن انسحاب النقاط غير مطروح في الوقت الحالي، على خلاف ما أشيع في الأيام الماضية.
ويشير شعبان إلى أن “نقاط المراقبة التركية لها صلاحية باستهداف أي قوات تتبع لنظام الأسد، في حال تعرضها للخطر، ولديها الأريحية التامة لحماية نفسها”.
لتكريس “سوتشي”
إلى جانب ما سبق يرى المحلل والخبير العسكري، العقيد أحمد حمادة أن نقاط المراقبة التركية، ورغم محاصرتها الكاملة من جانب قوات الأسد، إلا أن أنقرة تريد منها لتأكيد التمسك باتفاق سوتشي، و”أستانة”، والذي شرع لها بإنشاء 12 نقطة على خط التماس.
ويقول حمادة في حديث لـ”السورية.نت” إن استمرار دخول الأرتال التركية إلى إدلب، يعتبر “ضرورة استراتيجية للقوات التركية في الداخل، ولاسيما أنها بحاجة إلى إمداد وصيانة وتبديل ودعم لوجستي بشكل دوري”.
ويستبعد المحلل العسكري إقدام أنقرة على سحب نقاطها من مناطق سيطرة نظام الأسد، وفي حال تم ذلك، فسيكون ضمن إطار اتفاق جديد بين الروس والأتراك، على غرار ما أقدموا عليه، في الأشهر الماضية، وخاصةً فيما يخص حدود السيطرة على جانبي “m4”.
وحتى اليوم لا يلوح في الأفق أي مستقبل واضح لمحافظة إدلب، والحدود الجغرافية التي ستكون عليها مناطق سيطرة فصائل المعارضة، وهو يعجز عن تطبيقه الروس والأتراك، بسبب الملفات الخلافية، التي لا يوجد أي حل لها من قبل الطرفين حتى الآن.
ومن بين الملفات الخلافية “مكافحة الإرهاب”، إذ لم يتوصل الطرفان (أنقرة، موسكو) لآلية حول هذه الملف، وخاصةً في نقطة فصل الفصائل المعتدلة عن “التنظيمات الريديكالية”.
والنقطة الخلافية الأخرى هي ملف عودة اللاجئين، والتي تم طرحها مؤخراً على لسان الرئيسين أردوغان وبوتين، وبينما تطالب أنقرة بعودة النازحين إلى مناطق حدود “سوتشي”، تحاول موسكو عرقلة الأمر، بحجة وجود مجموعات “إرهابية” في المنطقة حتى الآن.
وإلى جانب ما سبق هناك ملفات خلافية ترتبط بالمنطقة الآمنة التي تريدها أنقرة، والمنطقة الأمنية التي تسعى موسكو إلى إنشائها، وإلى جانبها الملفات المرتبطة بفتح الطرقات الدولية أمام حركة التجارة والنقل، ومصير المناطق المحيطة بالطرقات من الناحية الإدارية، والأطراف المسيطرة.