من المتوقع أن يستقيل اليوم وزير الإعلام اللبناني، ومقدم برامج الألعاب سابقاً، جورج قرداحي من منصبه بعدما أشعلت تصريحاته المسربة في أكتوبر أزمة فوق الألف أزمة بين لبنان ودول الخليج.
لا يختلف اثنان أن حرية التعبير تتيح لأي فرد إبداء رأي وموقف سواء كان حول فيروس كورونا أو حرب اليمن أو مونديال 2022 أو فساد حزب الله. الا أنه في لبنان اليوم، انتقاد حزب الله قد يعني الخطف والتهديد وحتى الموت، في حين التمجيد والتطبيل له ولبشار الأسد والحوثيين يوصل شخصاً مثل قرداحي الى الوزارة، حتى لو كان اختصاصه الاستعراض التلفزيوني.
لا يختلف اثنان أيضاً أنه في لعبة الحبال السياسية، يحق لدول وضع شروط وإطار واضح لعلاقتها مع دول أخرى. من حق لبنان مقاطعة إسرائيل، ومن حق إيران الصراخ ليلاً نهارا بأن أميركا هي “الشيطان الأكبر”، كما من حق فرنسا سحب سفيرها من أميركا بعد أزمة الغواصات مع أستراليا، ومن حق السعودية وغيرها سحب سفرائهم من لبنان والاعتراض على موقف قرداحي أو غيره.
المشكلة في ما قاله قرداحي ليست بمعارضته حرب اليمن، بل بالدفاع عن ميليشيا فئوية مسلحة تقتل اليمنيين قبل غيرهم، وتهول بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه الرياض وغيرها.
المشكلة أيضاً هي في الغباء السياسي الذي أحاط كلام قرداحي بعد التسريب بالإشارة مثلاً إلى أن هناك شخصيات أميركية تنتقد حرب اليمن أيضاً. إذا نظر قرداحي في المرآة عن قرب سيكتشف خلال ثوانٍ أنه ليس “سناتورا أميركيا”، وأن ما مِن سيناتور أصلاً بهذه السذاجة ليدافع ويمجد الحوثيين وبشار الأسد. وأدا تمعن بالنظر حوله سيكتشف ان لبنان ليس أميركا ولعبة السياسة تختلف عن المسابقات التلفزيونية.
لبنان “الكرامة والشعب العنيد” تم استبداله اليوم بلبنان “الفساد والحكم الرديء” والذي يمثله قرداحي وباقي المهرجين في السلطة الحالية. فإذا كان قرداحي مؤيداً لهذا الحد لحرية التعبير، لماذا لا يتجرأ للذهاب للضاحية والظهور على قناة المسيرة للحوثيين المتمركزة هناك والكشف عن جرائمهم ضد المدنيين؟ أو لماذا لا يستضيف المعارضة السورية على تلفزيون الأسد؟ أو رشا الأكبر، شقيقة لقمان سليم على قناة المنار؟ ما المانع؟
طبعاً المشكلة بين لبنان والخليج تتخطى بهلوانات قرداحي وتعكس مأساة أكبر لا استقالته قادرة على حلها، ولا بيروت نفسها قادرة على مواجهتها. المشكلة هي في توسع حزب الله الإقليمي من العراق إلى سوريا إلى اليمن إلى خلايا في البحرين والكويت وغيرهم. من الصعب، بل المستحيل على أي حكومة لبنانية مدعومة من حزب الله ان تكون لها علاقات طبيعية مع دول خليجية في وقت يسعى حزب الله الى الامتداد في هذه الدول.
في نفس الوقت من الصعب استنباط حكومة في لبنان تتحدى حزب الله بعد تجارب رفيق الحريري و2007. وبالتالي فإن اللبناني محكوم عليه اليوم بأن يُجلد بسبب ضعف نظامه السياسي، وتوسع حزب الله. وكلما ازدادت الضغوط على حزب الله وراعيته إيران، كلما ازداد الجلد على اللبناني. ففي حين لقمة العيش غير متوفرة لابن عكار وصيدا وبعلبك وجزين، يريد حزب الله خوض معارك في المأرب وبغداد. وفي حين الإعلام اللبناني أعلن حال الافلاس، يريد وزيره (السابق) الظهور على المنابر الخليجية والتصفيق لمن يهدد هذه الدول.
حالة قرداحي من الوصول للوزارة حتى الاستقالة هي نتاج طبيعي لحالة المرض والاضمحلال التي أصابت لبنان والتي ستستمر طالما السقف السياسي والدفاعي يقرره من يقاتل في المأرب وليس من يحكم في بيروت.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت