لا يرى خبراء أي مؤشرات في الأفق القريب على إحراز تقدم ضمن مسار العلاقات العربية مع نظام الأسد، والتي تصر خلالها الدول العربية على حل 3 ملفات “مقلقة” مع النظام، تتعلق بمكافحة المخدرات وعودة اللاجئين والحل السياسي للملف السوري.
ورغم مرور ثلاثة أشهر على إعادة النظام للساحة العربية، يستمر الأسد بتعنّته حيال تلك الملفات، حيث يرمي الكرة بملعب الدول العربية، متنصلاً من كافة الملفات التي تطالبه تلك الدول بحلّها.
بدا ذلك التعنت واضحاً من خلال ظهورين “مفصليين” للأسد، الأول حين حاضَرَ في جامعة الدول العربية، خلال قمة جدة في مايو/ أيار الماضي.
والثاني حين أطلّ بحواره “الهجومي” الأول على شاشة عربية، أمس الأربعاء، وهي قناة “سكاي نيوز عربية”.
لكن بين هذين الخطابين، كيف يمكن للأسد أن يستجيب للمطالب العربية، رغم أن تصريحاته العلنية تشير لتشبث واضح بالعقلية القديمة ذاتها؟
“إهانة ناعمة” للعرب في جدة
رغم أنه عاد من مسافة 12 عاماً لأحضان الجامعة العربية، تخلل خطاب الأسد الأول في “قمة جدة” انتقاداً خفيّاً للدول العربية، حين تحدث عن “الأحضان والانتماء”.
كما وجه عدة رسائل للدول العربية، في الخطاب ذاته، خاصة فيما يتعلق بتدخلها بشؤون الدول، حسب تعبيره.
وقال الأسد إن “الأهم هو ترك القضايا الداخلية لشعوبها، فهي قادرة على تدبير شؤونها وما علينا إلا أن نمنع التدخلات الخارجية في بلدانها ونساعدها عند الطلب حصراً”.
واعتبر المحلل السياسي سامر خليوي في حديث سابق لـ”السورية نت”، أن حديث الأسد هو “صفعة بوجه من طبع معه من الدول العربية، ومن صرح بأن عودته للجامعة هو للمساهمة بحل القضية السورية “.
كما تحدث الأسد عن الانتماء العربي، بقوله إن “سورية ماضيها وحاضرها ومستقبلها هو العروبة”.
“لكنها عروبة الانتماء لا عروبة الأحضان، فالأحضان عابرة أما الانتماء فدائم”، وفق تعبيره.
وتابع: “ربما ينتقل الإنسان من حضن إلى آخر لسبب ما، لكنه لا يغير انتماءه، أما من يغيره فهو من دون انتماء من الأساس”.
وبحسب المحلل السياسي، حسن النيفي، فإن حديث الأسد عن مفهوم العروبة في القمة، يحمل “إهانة غير مباشرة للرؤساء العرب، بأنهم عرب بالحضنن وليس بالانتماء الحقيقي”.
في حين يرى الباحث في مركز عمران، معن طلاع، أن الأسد أراد توجيه “رسالة بعودته للتمسك بالعروبة بعد ما هاجمها في بداية الثورة”.
كما أراد التأكيد على أن “عودة سورية للمحور العربي، لا تتنافى مع تموضعه في عدة محاور أخرى متمسكاً بمحوره الإيراني”.
وأكد طلاع في حديث سابق لـ”السورية نت” أن نظام الأسد “يبتز الدول العربية في عدد من القضايا، مثل قضية اللاجئين والكبتاغون”.
مضيفاً أن تعنت الأسد هو “انعكاس حقيقي لنجاح استراتيجية النظام كدولة مارقة بالضغط على الدول الأخرى دون تقديم تنازلات”.
نبرة أعلى في الخطاب الثاني
أجرت قناة “سكاي نيوز” العربية أمس الأربعاء، مقابلة مع الأسد، هي الأولى له على قناة عربية منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.
ولم يخلو حوار الأسد من هجوم متعدد المحاور، طال الجامعة العربية والدول الأعضاء فيها.
إذ اعتبر الأسد أن العودة إلى الجامعة العربية “شكلية” في حال عدم وجود حلول للمشاكل.
وهاجم الجامعة بقوله إنها “لم تتحول إلى مؤسسة بالمعنى الحقيقي”، وإن العلاقات عبر الجامعة “ضعيفة”.
لكن اللافت في حواره أنه رمى الكرة بملعب الدول العربية في ملفات عدة، من بينها مكافحة تهريب المخدرات وعودة اللاجئين والحل السياسي.
وتعول دول عربية على نظام الأسد لتقديم تسهيلات ضمن ملفات تقلقها، أبرزها اللاجئين والمخدرات والعملية السياسية، مقابل إعادة تأهيله على الساحة العربية.
إذ وجه الأسد رسالة مبطنة بأن من يتحمل مسؤولية تهريب المخدرات هي الدول التي ساهمت في خلق الفوضى، على حد تعبيره.
وقال إن “تجارة المخدرات كعبور وكاستيطان هي موجودة لم تتوقف، هذه حقيقة، ولكن عندما يكون هناك حرب وضعف للدولة، فلا بد أن تزدهر هذه التجارة”.
وأضاف “من يتحمل المسؤولية في هذه الحالة هي الدول التي ساهمت في خلق الفوضى في سورية وليست الدولة السورية”.
أما فيما يتعلق بعودة اللاجئين، ربط الأسد بين عودتهم وبين إعادة الإعمار.
معتبراً أن كثيراً من اللاجئين يريدون العودة لكن تدمير البنى التحتية يمنعهم من ذلك، حسب وصفه.
وأضاف “كيف يمكن للاجئ أن يعود دون ماء ولا كهرباء ولا مدارس لأبنائه ولا صحة للعلاج، هذه أساسيات الحياة”.
وفيما يتعلق بالعملية السياسية، رفض الأسد الاعتراف بالمعارضة السورية، بقوله إن المعارضة التي يعترف بها “هي المعارضة المصنعة محلياً وليس خارجياً”.
ومنذ ثلاثة أشهر يقود الأردن، إلى جانب السعودية ومصر وعدد من الدول، مبادرة عربية لحل الملف السوري وفق مبدأ “خطوة مقابل خطوة”.
ومن ضمن الخطوات التي يجب على النظام القيام بها محاربة الكبتاغون والعمل على عودة اللاجئين واستئناف اجتماعات اللجنة الدستورية.
إلا أن مؤشرات ظهرت خلال الأيام الماضية أعطت انطباعاً بأن المبادرة العربية لحل الملف السوري “تعثرت”.
تركيا على لسانَي الأسد
بين “قمة جدة” وحوار “سكاي نيوز”، وجه رئيس النظام السوري، بشار الأسد، انتقادات “لاذعة” لتركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، في ظل المساعي الروسية لترتيب لقاء بين الأسد وأردوغان.
“الفكر العثماني التوسعي” كان أبرز ما ورد على لسان الأسد خلال خطابه الأول أمام العرب في قمة جدة، بعد قطيعة سنوات.
إذ اعتبر أن تركيا تحاول استعادة الإمبراطورية العثمانية، عبر دعم “الإخوان المسلمين”.
وبحسب المحلل السياسي، حسن النيفي، فإن الأسد يريد من خلال الحديث عن “الفكر العثماني”، مزيداً من التصعيد مع تركيا.
وأشار النيفي في حديث سابق لـ”السورية. نت”، أن الأسد أراد من خلال كلمته، تعزيز مطالبه بانسحاب القوات التركية من الشمال السوري.
وهو شرط وضعه سابقاً للتطبيع مع أنقرة.
وأعاد الأسد حديثه عن ذات الشروط خلال لقاء “سكاي نيوز”، بقوله إنه يرفض لقاء أردوغان “دون شروط مسبقة”.
وأضاف أن “كلمة من دون شروط مسبقة للقاء يعني من دون جدول أعمال، من دون جدول أعمال يعني من دون تحضير، من دون تحضير يعني من دون نتائج”.
وحدد الأسد شرطاً للقاء وهو الانسحاب من الأراضي السورية، معتبراً أن “هدف أردوغان هو شرعنة وجود الاحتلال التركي في سورية”.
وأكد أنه “لا يمكن أن يتم اللقاء تحت شروط أردوغان”.
عقلية النظام و”عدم التنازل”
رغم ما شهدته الساحة السورية من متغيرات على مدى 12 عاماً، لا زالت بنية النظام وعقليته ثابتة في تناول الملفات داخلياً وخارجياً، تحت قاعدة “عدم التنازل”.
ويقول خبراء حاورهم فريق “السورية.نت”، إن نظام الأسد يعجز أساساً عن اتباع سلوك مرنٍ مُغاير لتصلبه منذ عام 2011.
وذلك لعلمهِ أنه وفي حال تقديم أي تنازلات سياسية أو بنيوية، سيلقى مصيراً مشابهاً للأنظمة التي سقطت في بعض الدول العربية، رغم اختلاف ظروف وتفاصيل كل بلد.
ويبدو أن النظام يميل في المرحلة المقبلة إلى “سياسيات ما بعد الحرب”، وتتمثل حسب الباحث معن طلّاع “في مواجهة الحرب الاقتصادية إن صح التعبير كما يسميها”.
وبهذا السياق “سيبقى ضاغطاً على الداخل والفاعلين الخارجيين، كي لا يقدم أي تنازل في هذا المستوى، حتى لو وصل التأزم الاقتصادي لديه إلى حد المجاعة”.
عشر سنوات من الثورة السورية..ماذا تغيّر في بنية وعقلية النظام؟
ويعتبر ذات المتحدث أن “عنوان المرحلة المقبلة سيكون محاولة الالتفاف على العقوبات الموجودة، تارة عبر لبنان والعراق، وتارة عبر إنتاج شبكات اقتصادية جديدة ومنظمات مجتمع مدني جديدة”.
معولاً بذلك على موسكو التي تحاول طرح صفقات عديدة، سواء عودة اللاجئين مقابل إعادة الإعمار أو ما شابهها، بحسب طلاع.
ويستبعد الباحث أن يكون هناك تغيّرات خارجة من داخل النظام نفسه في هذا السياق.
إذ “نجد أن النظام يعود إلى مرحلة ما بعد الثمانيات في مرحلة موت السياسة وتأليه الحاكم، وضبط حركة المجتمعات المدنية والمحلية وفق بوصلة الأمن. إذاً هو يحاول إغلاق كافة المنافذ على أي حراك حقيقي، حتى لو اكتسى صفة النقد الذاتي وما دون ذلك”.