يصرّ بشار الأسد، في حديثه لقناة سكاي نيوز عربية، على أن سورية لا تزال في حالة حرب. وما يؤكّد كلامه، على ما يبدو، العملية الإرهابية التي تبنّاها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في يوم بث المقابلة الأربعاء الماضي، وأسفر عن مقتل ما يزيد عن 30 جندياً، على طريق دير الزور- حمص.
اللافت أنّ عملياتٍ كهذه تتكرّر مع كل حاجة لتأكيد أن جيش النظام لا يزال غارقاً في معركته مع الإرهابيين، ما يقتضي أن يصمت الداخل السوري عن أي مطالب حياتية، سواء كان من يطالب بها صناعة محلية، أو كانوا مدفوعين من جهاتٍ خارجية. ولعل ذلك هو بمثابة جواب واضح ومباشر على حركة “10 آب” التي نظّمت صفوفها محلياً، وبمطالب تحت درجة معارضة، وفوق مستوى الصمت المهين على واقع شعبٍ يرزح تحت ثلاث معضلاتٍ كبرى، أمنية واقتصادية واجتماعية.
وحسب تعريف الأسد المعارضة التي يعترف بها، تقع تلك الحركة، حسب بياناتها مجهولة النسب، ضمن ما يمكن وصفها “المصنّعة محلياً”، حيث تعرّف نفسها بأنها من شابّات الداخل السوري وشبابه، ومهمتها إنهاء معاناة الشعب من سوء إدارة شؤون البلاد، وتجاهل الدولة مستقبل الشعب، مؤكّدين أنهم ليسوا دعاة فتنة، ورافضين الوصاية من أي طرفٍ خارجي، وكذلك حمل السلاح، أي أنّها على مقاس المعترضين على الأداء الحكومي، لم تتعدً مطالبها ما يمكن أن يُنشر في أي صحيفة محلية، تملك الحد الأدنى من حرية التعبير، ضمن المساحات المسموحة في بلادٍ تحكمها الديكتاتوريات، فهل يمكن للأسد التعاطي مع متطلبّاتها البسيطة، والمحدّدة بمجرّد وعود زمنية تعيش على أمل تنفيذها من حكومة النظام؟
يمكن لبعضنا من معارضي حكم الأسد أن يتهم الحركة بأنها مجرّد عمل مخابراتي، أو أنها ضمناً، حسب مؤيدين، تتبع جهة خارجية ما، كعادتنا نحن السوريين، ولكنها حتى لو كانت كذلك، أو بفعل “نكايات” بين قوى أمنية سورية، فإنّ التأكيد على المطالب الحياتية المحقّة حق مشروع لأي انسان، فكيف إذا كان جل ما طلبته حركة 10 آب مجرّد برنامج زمني تعيش على وقع حلم بتنفيذه، تبيّن لهم أنه لن يمر إلى جدول أعمال الحكومة التي يناشدونها، ما يتطلّب الانتقال إلى حراك سلمي يتنقل بين المحافظات.
السؤال الأهم، كيف يكون الحراك السلمي في ظل قوى أمنية تتعامل معه بالرصاص الحي على أنه عدو إرهابي والنصر عليه قضية وطنية؟ لتذكير تلك الحركة، وعلى خلاف ما ذكره الأسد في حديثه، كان الحراك في درعا الذي بدأ في 18 مارس/ آذار 2011 سلميا، وأن ما قاله الأسد سابقاً إنه حراك سلمي كان تماشياً مع رغبة “الجمهور” الذي كان مقتنعاً بأن التظاهرات في سورية كانت سلمية ومطلبية. وللعلم، كانت مطالبهم على غرار أو حتى أقل تكلفة من مطالب هذه الحركة، وأن تطوّر الحراك السلمي إلى حمل السلاح كان بدفعٍ من النظام ذاته، ليتسنّى له وسمُه بالإرهابي، حتى قبل أن تتدخّل الدول، ويتحوّل السلاح من فردي إلى فصائلي، وتتداخل عوالم الثورات المطلبية مع السياسية، وصولاً إلى المسلّحة المنظّمة، والمدعومة دولياً وإقليمياً وعربياً. أي أن من زرع البذرة الأولى هو من حصد نتاجها، وهو من لديه الخبرة والمعرفة بتحويل الحراكات السلمية إلى مجرّد عصابات إرهابية، حيث تقتضي الوطنية الحرب عليها، لا تنفيذ مطالبها.
برّأ الأسد جيشه وأجهزته الأمنية من واقع الدمار للبنية التحتية، على الرغم من أنه قصفها بطيرانه وسلاحه، بالتعاون مع حلفائه الروس جواً وإيران برّاً، تحت عيون كاميرات الإعلام، وها هو يحمّل الدول مسؤولية تدميرها، وبالتالي، لا منّة لهم إذا عملوا على إعادة إعمارها، وهذا شرطه الواضح لأي عملية تسوية تخصّ عودة اللاجئين السوريين. وما لم تجنح الدول العربية إلى الالتفات إلى هذه المتطلبات، فستبقى العلاقات معها شكلية، ما يعني أن ناتج التطبيع العربي ما لم يصبّ في خانة مصلحة النظام السوري، سيبقى “ناتجا صفريا”، وهذا يمكن تعميمه على أي عملية تسوية مع تركيا أو الولايات المتحدة.
ما أراده رأس النظام السوري من الحديث التلفزيوني، وعبر قناة خليجية، تأكيد انتصاره على الشعب السوري ومن سانده، ووضع شروط التقارب معه، وهي رسالة إلى الداخل السوري الذي يطبخ تحت نار الغلاء، وفقدان أدنى شروط الحياة، التي أعاقت رجوع اللاجئين المشرّدين في الخيام، لأن سورية لا تزال تعيش فصول الحرب، ولا مكان للتبجّح بالمطالب الحياتية، حتى عندما تكون بياناتٍ وحراكا سلميا.
لم ينس الأسد أن يعود بالزمن إلى الوراء كثيراً، ليؤكّد فردانيته بالسلطة التي استلمها بناء على مكانته في حزب البعث الحاكم، وليست وراثة عن أبيه حافظ الأسد، ما ينفي شراكة إخوته في الإرث، ويغلق آخر ملفّ في الشراكة العائلية، سواء مع أخواله أو أعمامه أو شعبه. ولربما كانت هذه الرسالة تخص أسرته الصغيرة جداً، وتحقّق طموحاتها في انفصالها عن الماضي، الذي يحمّلها عبء توزيع الثروة والسلطة معاً عائلياً.
لم يعطِ الأسد أي بارقة أمل لأنصاره بتحسين ظروف المعيشة، بل أوضح لهم أن ما يعانونه من شظف العيش مستمرّ وباق، وربما إلى الأسوأ، فالبلاد ماضيةٌ في حربها إلى آخر جندي تخسره سورية، أو حتى تفتح دول الخليج أبواب خزائنها، أيهما يصل أولاً يبقى هو المجهول الذي لا رهان عليه؟
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت