بعدما تركت تركيا انتخاباتها “التاريخية” من المتوقع أن تواصل حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان سياستها الخارجية المستقلة مع السعي إلى تقليل المواجهات.
وحددت مصادر متعددة نقل عنها موقع “ميدل إيست آي” أهداف أردوغان للمستقبل، وهي “تنويع حلفاء البلاد”، “منع الأزمات الدبلوماسية الكبيرة”.
بالإضافة إلى “الإسراع بجهود المصالحة مع سورية ومصر ودول الخليج”، وفوق كل شيء “التمسك بالاستقلالية”.
ويقول مراد يشيلتاش، رئيس أبحاث السياسة الخارجية في مركز “سيتا” إن الاتجاه المقبل ينظر إليه “من حرب أوكرانيا إلى الجماعات الكردية السورية إلى شرق البحر المتوسط، وهو نهج وضع تركيا أحياناً في مواجهة قوى إقليمية ودولية مختلفة”.
ورغم أن العقد الماضي كان تصادمياً في كثير من الأحيان، إلا أن هناك شعوراً عاماً من المسؤولين الأتراك بأنه تم الوصول الآن إلى العديد من المنافسين الإقليميين، وسيتم بذل الجهود لتجنب المواجهات المباشرة.
“الاقتصاد في المقدمة”
وصرح مصدر بوزارة الخارجية التركية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بأن “الاقتصاد سيلعب دوراً حاسماً في تشكيل السياسة الخارجية لتركيا في السنوات الخمس المقبلة”.
ومع ذلك، فمن المتوقع أن تواجه تركيا “مجموعة من التحديات والمخاوف”.
ويوضح جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي الخاص السابق للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الأسبوع الماضي إن “تركيا ستنتهج سياسة خارجية مستقلة”.
ويتجلى هذا الاستقلال عن الغرب في ثلاثة مجالات رئيسية.
وتشير القراءة الأولى إلى أن تركيا تطالب بثبات بتسليم العديد من المواطنين الأتراك من السويد بتهم الإرهاب مقابل قبول الدولة الاسكندنافية في الناتو.
في غضون ذلك تحث أنقرة باستمرار الولايات المتحدة على وقف دعمها لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي”، الجماعة التي تسيطر على شمال شرق سورية، والتي تعتبرها تركيا الفرع السوري لـ”حزب العمال الكردستاني”، المصنف على قوائم الإرهاب.
والمجال الثالث يرتبط بأردوغان وحفاظه على علاقة شخصية وثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما يرفض الانضمام إلى العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب غزو أوكرانيا.
ورداً على ذلك، أجّلت الولايات المتحدة بيع طائرات حربية من طراز F-16 لتركيا.
ووفقاً لصحيفة “حرييت” في محادثة هاتفية أجريت مؤخراً بين أردوغان والرئيس الأمريكي جو بايدن، أعرب الأخير عن رغبته في دفع صفقة F-16.
ومع ذلك، أشار بايدن إلى أن التصديق على انضمام السويد إلى الناتو كان “شرطاً مسبقاً”.
وقال بايدن للصحفيين في وقت لاحق “أخبرته أننا نريد صفقة مع السويد، لذلك “دعونا ننجز ذلك”.
وفي المقابل، قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير إن تصديق السويد ليس شرطاً لبيع الطائرات الحربية.
ووفق الباحث يشيلتاش فإن العقبة الرئيسية أمام تحقيق انفراج كامل في العلاقات التركية الأمريكية هي دعم الولايات المتحدة للجناح العسكري لـ”الاتحاد الديمقراطي” وهو “وحدات حماية الشعب”.
ويعتقد أن الولايات المتحدة مستعدة لمواصلة العمل مع تركيا طالما أن أنقرة تسعى لإصلاح العلاقات.
ماذا عن أوروبا؟
فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، تظل القضايا الرئيسية في المقدمة، مثل عرض الناتو السويدي، واتفاق اللاجئين لعام 2016، والمأزق طويل الأمد بين تركيا واليونان بشأن الحدود البحرية.
وهنأ العديد من القادة الأوروبيين أردوغان على الفور بفوزه في الانتخابات، مؤكدين على أهمية الحفاظ على التعاون مع تركيا للحفاظ على صفقة اللاجئين والاستقرار في البحر الأبيض المتوسط، مع الإعراب عن توقعاتهم لمصادقة السويد.
ومن المتوقع أن يعطي أردوغان الأولوية للحفاظ على علاقات مستقرة مع الاتحاد الأوروبي، والتمسك بالاتفاق الذي يهدف إلى منع اللاجئين من الوصول إلى أوروبا.
وفي مقابل الدعم المالي والسفر بدون تأشيرة للمواطنين الأتراك إلى منطقة شنغن الخالية من الحدود في الاتحاد الأوروبي، نجحت تركيا في كبح تدفق المهاجرين إلى أراضي الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، لم يتم الوفاء بالوعد بالسفر بدون تأشيرة بسبب الخلاف حول قانون مكافحة الإرهاب في تركيا.
واتهم أردوغان الاتحاد الأوروبي مؤخراً باستخدام إصدار التأشيرات كوسيلة للابتزاز ضد تركيا.
وتواجه تركيا حالياً أكبر عدد من حالات رفض التأشيرات بين الدول التي تسعى إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ويشير يشيلتاش إلى أن “هناك احتمال أن تصدق تركيا على محاولة انضمام السويد خلال قمة الناتو في يوليو”.
ومع ذلك يتوقع الباحث التركي أيضاً أن تتخذ السويد إجراءات لمنع المظاهرات المناهضة لتركيا من قبل أنصار “حزب العمال الكردستاني”.
وبالإضافة إلى ذلك، يعتقد يشيلتاش أن تركيا ستطلب من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تبسيط إجراءات طلب التأشيرة.
أما في شرق البحر الأبيض المتوسط، هناك احتمال لفترة انفراج مع اليونان حيث تركز تركيا جهودها على استكشاف موارد الطاقة في البحر الأسود وجبل جبار في جنوب شرق تركيا.
“روسيا وأوكرانيا”
اتبعت تركيا نهجاً متوازناً فيما يتعلق بالغزو الروسي لأوكرانيا منذ البداية.
وبينما باعت أنقرة طائرات مسيرة مسلحة لأوكرانيا، امتنعت عن فرض أي عقوبات على روسيا.
بالإضافة إلى ذلك، عزز الاتفاق الذي توسطت فيه تركيا والأمم المتحدة للسماح بالتصدير الآمن للحبوب من موانئ البحر الأسود الأوكرانية، موقف أنقرة.
وأشار المسؤولون الأتراك لموقع “ميدل إيست آي” إلى أن بعض دول الاتحاد الأوروبي تؤيد استمرار تركيا في هذه السياسة، لأنها تمكنهم من الدخول في مناقشات مع موسكو عبر تركيا كوسيط.
من ناحية أخرى، افتتح أردوغان محطة أكويو للطاقة النووية، التي شيدتها روسيا، قبل الانتخابات مباشرة، وحضر بوتين عبر خدمة الفيديو.
ويمتد مشروع “أوكويو” إلى ما هو أبعد من مجرد مسعى البناء، لأنه يسهل تبادل المعرفة والتكنولوجيا بين البلدين.
ومن حيث الجوهر، لعبت روسيا دوراً مهماً في دخول تركيا مجال الطاقة النووية.
ومع ذلك، تجد أنقرة وموسكو نفسيهما على خلاف حول العديد من القضايا، بما في ذلك ناغورنو كاراباخ وسورية وليبيا.
“الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”
وكانت تركيا من أشد المؤيدين للانتفاضات الشعبية في المنطقة، حيث قدمت دعمها للحكومات في ليبيا وتونس ومصر التي أعقبت الربيع العربي.
ونتيجة لذلك، أدى ذلك إلى مواجهة بين أنقرة والعديد من دول الخليج التي كانت داعمة لمختلف الثورات المضادة.
ومع ذلك، بدأ أردوغان عدة عمليات مصالحة مع دول مثل مصر وسورية والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
ومع أبو ظبي والرياض، تضمن ذلك توقيع اتفاقيات اقتصادية كبيرة بمليارات الدولارات، بالإضافة إلى تأمين وديعة بقيمة 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي.
وبحسب يشيلتاش، فإن إعادة العلاقات الوثيقة مع دول الخليج ليست مفيدة فقط لتركيا ولكن أيضاً للإمارات والسعودية.
ويجادل الباحث بأن “تركيا تدخل الآن مرحلة يكون فيها للاقتصاد الجغرافي الأسبقية على الجغرافيا السياسية”.
ويعتقد في ذات السياق أن الإمارات والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى، بما في ذلك مصر، لم تعد ترغب في مواصلة المواجهات العسكرية في ليبيا، وبدلاً من ذلك تدرك قيمة خبرة تركيا ومعرفتها في صناعة وتكنولوجيا الدفاع.
علاوة على ذلك، قال الباحث إن التقارب مع دول الخليج ومصر لا يعني أن تركيا ستتخلى عن نفوذها العسكري في دول مثل ليبيا أو الصومال.
كما عقدت تركيا اجتماعاً مع النظام السوري في موسكو في مايو/أيار، بعد عقد من قطع العلاقات وإعلان دعمها للمعارضة السورية.
ومع ذلك، فإن النتائج الإيجابية الفورية لهذه المصالحة غير مرجحة، حيث أن كلا الجانبين لديه مطالب تبدو غير مجدية.
وبينما يصر النظام السوري على انسحاب تركيا لقواتها من شمال البلاد، تعتقد أنقرة أن مثل هذا الانسحاب سيعزز قوة “حزب الاتحاد الديمقراطي”.