عاد السجال إلى المكان “الجدلي” الذي ستنعقد فيه اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية”، بعد الدعوة التي وجهها المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، إلى جميع الأطراف، لعقد الجولة التاسعة واسئناف عمل اللجنة المتوقف منذ أكثر من عام ونصف.
الجدل دار حول مدينة جنيف نفسها، التي أصر بيدرسون على كونها المقر الرئيسي لاجتماعات اللجنة الدستورية، مقابل إصرار روسيا على رفض جنيف باعتبارها “خرجت عن الحياد” بعد حرب أوكرانيا.
وكان بيدرسون أعلن أواخر فبراير/ شباط الماضي، أنه وجه دعوات لجميع الأطراف لعقد الجولة التاسعة من “الدستورية” في أبريل/ نيسان المقبل، بمدينة جنيف السويسرية كما جرت العادة.
وحول إصراره على جنيف، أكد بيدرسون في جلسة خاصة بشأن سورية في مجلس الأمن، عدم التوصل لاتفاق بين كافة الأطراف حول مكان جديد يحتضن هذه الاجتماعات، لافتاً إلى أنه قدم عروضاً مختلفة لكن “لم يتم قبولها”.
وأضاف: “جنيف هو الخيار الوحيد حالياً، ويجب البحث عن مكان جديد في المستقبل”.
ولا تزال أعمال “اللجنة الدستورية” معطّلة منذ يونيو/ حزيران 2022، حين انعقدت الجولة الثامنة منها في جنيف، دون نتائج تذكر.
ويأتي ذلك بعد أن أثارت روسيا خلافاً حول مكان انعقاد الاجتماعات، نتيجة العقوبات التي فرضتها عليها الدول الأوروبية ومن بينها سويسرا، على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتقول موسكو إن سويسرا، التي فرضت عقوبات عليها وأغلقت المجال الجوي، “لم تعد محايدة”.
الأمور تسير “نحو الفشل”
يرى محللون أن إصرار الأمم المتحدة على جنيف ورفض روسيا لها، قد يفضي إلى شلل العملية السياسية السورية المتمثلة بـ”اللجنة الدستورية”، طالما لم يتم الاتفاق على مكان جديد للانعقاد.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي المقيم في روسيا، محمود الأفندي، إنه بات “مستحيلاً” الإبقاء على جنيف كمقر لاجتماعات اللجنة الدستورية، لافتاً إلى أنه من وجهة نظر روسيا فإن سويسرا “لم تعد قادرة على استضافة اجتماعات محايدة”.
وأضاف الأفندي في حديثه لـ”السورية نت” أن اجتماعات “اللجنة الدستورية” لا يمكن أن تنعقد دون حضور روسي، وبالتالي فإن حكومة النظام السوري، المدعومة من روسيا، لن تقبل إرسال وفدها إلى جنيف طالما أن روسيا لن تحضر.
وتابع: “روسيا والحكومة السورية لن توافقان على الحضور إلا بشروط، وعلى رأسها فتح المجال الجوي أمام الوفد الروسي، وهذا الأمر مرفوض بالنسبة لسويسرا”.
وأوضح الأفندي أن روسيا طلبت من الحكومة السويسرية فتح الخطوط الجوية أمام الوفد الروسي الذي سينطلق من موسكو إلى جنيف، لكن سويسرا رفضت ذلك، وفق قوله، على اعتبار أن الاتحاد الأوروبي يصر على تطبيق كامل العقوبات على روسيا.
من جانبه، يقول عضو اللجنة الدستورية في وفد المعارضة، بشار الحاج علي، إن الأمور تسير نحو فشل انعقاد الجولة التاسعة في ظل إصرار كلا الطرفين على موقفيهما.
ويضيف في حديثه لـ “السورية نت” أن المبعوث الأممي قد يصر على انعقاد الجولة التاسعة في جنيف، ويبلغ الأطراف السورية المعنية، وهي: وفد المعارضة، وفد النظام، وفد المجتمع المدني.
وعندها يتضح وفق قوله “مَن يلتزم ويتحمل المسؤولية، ويَظهر من يعرقل على الأقل من حيث الشكل”.
لماذا جنيف.. وما الخيارات؟
وبحسب الحاج علي، فإن الإعلان الأساسي حول تشكيل “اللجنة الدستورية السورية” عام 2019، ينص على أن الأمم المتحدة هي الراعي الرئيسي لاجتماعاتها، وبالتالي فإن جنيف هي مقرها الأساسي.
ويضيف أنه “في حال اتفقت الأطراف على مكان آخر فلن تمانع الأمم المتحدة ذلك. لكن حتى الآن لا اتفاق على مكان آخر”.
إلا أن المحلل السياسي، محمود الأفندي، يرى أن الأمم المتحدة مصرة على جنيف كمكان لعقد اللجنة الدستورية “من أجل إعطاء سويسرا قوتها كدولة محايدة”.
موضحاً أن الأمم المتحدة “تريد الحفاظ على جنيف كمحطة محايدة”.
وحول المتوقع بعد هذا الجدل، يتحدث الأفندي عن إمكانية ظهور دول أخرى على الخارطة، مثل أوزبكستان، التي أبدت استعدادها لاستقبال المتفاوضين في “اللجنة الدستورية”.
لكن الأمر يرتبط وفق قوله بـ “موافقة الأمم المتحدة أولاً، وموافقة الدول الضامنة للجنة الدستورية، وهي: روسيا وإيران وتركيا، وأيضاً موافقة النظام والمعارضة”.
وأضاف: “حتى الآن لا توجد أي نتيجة، لكن هناك أصوات بأن دولاً جديدة من آسيا الوسطى أو من الاتحاد السوفييتي السابق قد تدخل على الخط، والتي تصنف على أنها محايدة نسبياً”.
مردفاً: “نحن بانتظار دولة يوافق عليها الأطراف الستة. حتى الآن هذه الدولة غير موجودة، لكن في حال وقع الاختيار على إحدى دول آسيا الوسطى، فمن الممكن استئناف عمل اللجنة”.
واعتبر الأفندي أنه “من المستحيل أن يستأنف عمل اللجنة في إحدى الدول الأوروبية بسبب الرفض الروسي، وكذلك فإن الدول الإفريقية لن تكون خياراً بسبب البعد الجغرافي، ما يجعل دول آسيا الوسطى الخيار الأنسب”.
من جهته، عبّر عضو اللجنة الدستورية في وفد المعارضة، بشار الحاج علي، عن خشيته من أن يُغلق باب المفاوضات في حال أصر الطرفين على موقفيهما، كما حذر من أن “يصبح القرار الدولي 2254 مفرغاً حتى من الخيط البسيط الذي ما زال يربطنا بالأمل”.
استبعاد سلطنة عمان
بالرغم من إعلان الاتفاق رسمياً على انعقاد الجولة التاسعة من “اللجنة الدستورية” في العاصمة العمانية مسقط، كشفت التطورات الأخيرة عن استبعاد مسقط كخيار، والبحث عن دولة جديدة تستضيف هذه العملية، ثم تقرر الإبقاء على جنيف.
إذ أكد بيدرسون في أغسطس/ آب الماضي أنه تم قبول دعوة سلطنة عمان لاستضافة اللجنة الدستورية في مسقط بدلاً من جنيف.
لكنه وجه الدعوات مؤخراً لعقد الاجتماعات في جنيف، دون توضيح الأسباب.
يرى الحاج علي أن المقترحات لانعقاد “اللجنة الدستورية” في عواصم عربية، ومن بينها مسقط، أتت عبر ما يسمى “المبادرة العربية” و”خطوة بخطوة”، والتي تهدف لتأهيل الحل السياسي في سورية.
لكن “لم يحدث ذلك ولم يتقدم النظام في هذا السياق بأي بادرة يمكن البناء عليها”.
أما الأفندي فيقول إن سلطنة عمان قدمت اقتراحاً لاستضافة الاجتماعات، ولاقت موافقة كل الأطراف بالبداية، لكن القيادة السياسية في مسقط تراجعت، وفق قوله، وأرسلت رسالة للأمم المتحدة وروسيا بأنها ليست مستعدة لاحتضان التفاوض.
وبحسب الأفندي فإن تراجع سلطنة عمان سببه أن “القيادة العمانية لا تريد التدخل بالعملية السياسية السورية”.
وكشف المحلل المقيم في روسيا أن العاصمة العراقية بغداد كانت أحد الخيارات المطروحة، وحصلت الحكومة العراقية على موافقة روسيا والنظام، لكن “المعارضة السورية رفضت، على اعتبار أن العراق تحت تأثير إيران”.
هل ينجح بيدرسون بإقصاء روسيا؟
في تقرير لها، قبل أيام، اعتبرت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية أن “موقف بيدرسون الذي ظهر مصمماً ومستعجلاً على المضي في الخيار الأميركي، والدعوة لعقد الجولة المقبلة في جنيف، يبدو أنه لإحراج روسيا وإظهارها بموقف الرافض لإجراء هذه المحادثات”.
وسبق أن تحدثت الصحيفة، في أكتوبر الماضي، عن “مشروع خطير” لبيدرسون، يهدف إلى استبعاد روسيا من مسار “اللجنة الدستورية السورية” لضمان استئناف عملها في جنيف.
ونقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية في جنيف، أن بيدرسون يدرس مشروع إرسال دعوة لوفدي النظام والمعارضة للمشاركة في الجولة التاسعة من “الدستورية”، دون حضور أي دولة أجنبية.
وأضاف المصدر أن هدف المشروع هو “القفز فوق الفيتو الروسي” بسبب رفض موسكو انعقاد الاجتماعات في جنيف.
وتعليقاً على ذلك، قال الكاتب والمحلل حسن النيفي في حديث سابق لـ “السورية نت”، إن بيدرسون يحرص على أن يجمع وفدي النظام والمعارضة فقط، لعله يستطيع تحقيق اختراق ولو جزئي حيال الجمود المسيطر.
مضيفاً أن “من شأن هذا الاختراق الشكلي أن يعطي فرصة ماراتونية أخرى لبيدرسون، كما يعطي فرصة لنظام الأسد لاستثمار المزيد من الوقت وإيهام المجتمع الدولي بأنه يتفاعل مع المسار السياسي”.
ومع ذلك استبعد النيفي إمكانية نجاح بيدرسون بتحقيق ذلك، وإبعاد روسيا عن هذا المسار.
وقال: “لا أعتقد أن بيدرسون سيخرج عن الرؤية الروسية، لا بخصوص المكان ولا بخصوص المخرجات، ذلك لأن مسار اللجنة الدستورية بالأصل هو منتج روسي من مخرجات سوتشي”.
أما عضو اللجنة الدستورية عن وفد المعارضة، حسن الحريري، رأى في حديث سابق لـ”السورية نت” أن نظام الأسد أخرج هذه العملية منذ البداية عن كونها “سورية- سورية”.
وأضاف أنه من المفترض أن تكون روسيا خارج مسار جنيف وخارج العملية الدستورية، “لكن عملياً هي من تقوم بجلب النظام جبراً على مدار الجولات السابقة”.
وختم بالقول إن “العملية منذ الأساس هي عملية جناحها الأول الشعب السوري، والجناح الآخر روسيا وإيران ومن ثم النظام”.