الرواتب في سورية..سياسة النظام لعسكرة المجتمع وطرد الكفاءات
كشفت ورقة بحثية لـ”مركز عمران”، عن أن سياسات نظام الأسد برواتب موظفي الدولة، تبدو “دافعة لعسكرة المجتمع”، ودفع شريحة الشباب للتطوع في قوات الأسد والميلشيات التابعة لها، عبر زيادة رواتب العسكريين، التي تفوق رواتب الوظائف الحكومية المدنية.
وتوضح الورقة البحثية التي اطّلع عليها فريق “السورية.نت”، وستصدر اليوم عن “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، أن جداول الرواتب تمنح أصغر رتبة عسكرية للمتطوعين بأدنى الشهادات الدراسية، راتباً يفوق ما يتقاضاه موظف الدولة الحاصل حديثاً على شهادات مثل الماجستير والدكتوراه.
رواتب “الميليشيات أعلى من الجيش”
وتحدثت الورقة التي أعدها الباحث المساعد في “عمران” محسن المصطفى، عن توجه نظام الأسد منذ عام 2018، إلى زيادة رواتب العسكريين مرات عدة، دون غيرهم من موظفي القطاع العام، حتى غلبت رواتب العسكريين على المدنيين.
وقارنت الورقة بين زيادة الرواتب في القطاع العام والعسكري خلال فترتين، الأولى ما قبل الثورة السورية 2011، إذ صدر 7 مراسيم تشريعية خاصة بالرواتب، بعضها كان يشمل قطاع العاملين بالدولة كافة، وبعضها كان خاصاً بالعسكريين (زيادة غير صريحة) كأن يتم تعديل جدول رواتبهم، أو حالة خاصة كإعادة العمل برتبة مرشح ومرشح أول.
أما الفترة التانية، ما بعد 2011، فقد صدر عددأكبر من المراسيم التشريعية الخاصة بالرواتب، إذ تم إصدار 14 مرسوماً تشريعياً منذ مارس/ آذار عام 2011 شمل بعضها زيادات خاصة بالعسكريين فقط.
لكن منذ 2018 جرى تغييرٌ في توازنات الزيادة على الرواتب “فقد صدر أول مرسوم تشريعي يتضمن زيادة صريحة لرواتب عسكريي الجيش فقط دون غيرهم من موظفي القطاع العام بما فيهم قوى الأمن الداخلي”.
واعتبرت الورقة أن “هذه الزيادة تأتي كمكافأة لما قدمه عناصر الجيش في منع سقوط نظام الحُكم أمام الثورة السورية، كما جاءت لمعادلة رواتب الجيش لتكون قريبة من قيمة الرواتب التي تمنحها الميليشيات لعناصرها”.
وأصبحت “المفاضلة بين الرواتب والامتيازات تدفع المجتمع نحو العسكرة باتجاه الانضمام إلى الميليشيات أو للمؤسسة العسكرية بحسب نتائج المفاضلة”.
كما اعتبرت أن “الرواتب الممنوحة من قبل الميليشيات أكبر من تلك الممنوحة رسمياً في المؤسسة العسكرية، ورواتب هذه الأخيرة أكبر من رواتب القطاع المدني”.
وقارنت الورقة بين الراتب المقطوع لكل من حامل شهادة الدكتوراه والجندي في الجيش عند بدء التعيين، مع اقتطاع ضريبة الدخل.
ووجدت أن راتب الجندي الفعلي أكبر من راتب حامل شهادة الدكتوراه، إذ يبلغ راتب الجندي حالياً 110,020 ليرة سورية، في حين يبلغ راتب حامل الدكتوراه حديثاً 108,950 ليرة سورية بعد اقتطاع ضريبة الدخل.
وخلصت الورقة البحثية إلى أن سياسة النظام فيما يتعلق بالرواتب، هي “سياسة دافعة نحو عسكرة المجتمع وتحويل العسكرة لمهنة كبقية المهن، وهو ما تم فعلاً من خلال التعاقد معهم كمرتزقة ضمن الميليشيات أو إرسال المرتزقة إلى مناطق نزاع مسلح تحت إشراف روسي”.
بيئة طاردة للكفاءات
إضافة إلى “خلق بيئة طاردة” في المجتمع، أي “سياسة دافعة نحو الهجرة وخاصة أصحاب الشهادات العلمية، وإرسال الشباب نحو الخارج من أجل قيامهم لاحقاً بإرسال الحوالات لذويهم، وبالتالي الاستفادة من القطع الأجنبي المحول لمناطق سيطرته”.
كما يقوم الشباب السوري المقيم خارج البلد، بدفع مبالغ مالية طائلة بين 5 إلى 10 آلاف دولارات كرسوم الإعفاء من الخدمة العسكرية أو الاحتياطية.
وحسب الورقة فإن سياسية النظام تعد إنذاراً للدول الحاضنة للاجئين، باعتبار أن “إعادتهم إلى كنف النظام مع وضع سلامتهم بعين الاعتبار، سيكون مصير القسم الأعظم منهم التطوع في المؤسسة العسكرية أو الالتحاق بالميليشيات المسلحة”.
إلى جانب ذلك تحدثت الورقة عن ارتفاع تكليف المعيشة في سورية، إذ أن رواتب الموظفين في القطاع العام، لا تكاد يكفي لمصاريف ثلاثة أيام من الشهر.
واعتبرت أن “مؤشر تكلفة المعيشة في شهر أيلول لعام 2022 لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، بلغ 3,6 مليون ليرة سورية، وهو ارتفاع غير مسبوق خلال فترة قياسية يهدّد ملايين السوريين”.