ألقى الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وما تبعه من عودة سريعة لحركة طالبان وسيطرتها على مقاليد الحكم في كابول من جديد، ظلالاً كثيفة على مجمل الأوضاع والملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط، وطُرحت تحليلات وتكهنات حول إمكانية تكرار الحدث الأفغاني في كل من العراق وسوريا في حال انسحاب مماثل للقوات الأميركية من كلا البلدين، وذهب بعض المتابعين والمحللين إلى وضع سيناريوهات لما سيحدث في المناطق التي ستسحب منها تلك القوات في سوريا، فيما ذهب آخرون إلى تخيّل إمكانية أن تسحب روسيا قواتها من سوريا أيضاً، نظراً لاعتبارات وحيثيات بدت لهم مشابهة.
وتابع سوريون كثر الحدث الأفغاني باهتمام كبير، وتفاعلوا مع مختلف تداعياته ومخرجاته، وأبدوا ردود فعل متباينة، بل ومتناقضة حيالها، حيث سارع بعضهم إلى التعبير عن شماتته بما اعتبرها هزيمة الولايات المتحدة الأميركية وإخفاق مشروعها الاحتلالي والتوسعي، ولم يخفِ آخرون فرحتهم بانتصار طالبان واعتبروه نصراً عالمياً، فيما وقف بعضهم الآخر مذهولاً أمام الانسحاب الأميركي المتسرع، الذي أفضى إلى انهيار كارثي لقوات الحكومة الأفغانية وجيشها وأجهزة أمنها، والتي أشرفت على تسليحها وتدريبها إدارات أميركية متعاقبة، وصرفت عليها مليارات الدولارات.
وليس مفاجئاً أن يحظى الحدث الأفغاني باهتمام السوريين بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم، سواء في الداخل السوري أم في بلدات الشتات والمهجر، ذلك أن بلادهم وأوضاعهم ليست بمنأى عن التأثر بما حدث في أفغانستان وبتداعياته وإرهاصاته، خاصة أن هناك تقاطعات كثيرة معه، حيث تقبع بلادهم تحت نفوذ وسيطرة احتلالات عديدة، فضلاً عن قوى الأمر الواقع التي تدين بسطوتها وسلطاتها لقوى الاحتلال، لذلك سارعت معظم هذه القوى إلى إصدار بيانات وإطلاق تصريحات تعبر عن مواقفها وانفعالاتها.
ولم ينتظر نظام الأسد طويلاً كي يعبر عن موقفه حيال الانسحاب الأميركي من أفغانستان، بل سارعت وسائل إعلامه عن التعبير عن فرحتها بهزيمة الولايات المتحدة، وعن شماتتها بانهيار النظام الذي كانت تحميه، وراحت تتحدث عن الدرس الذي يجب أن يتعلمه “عملاء” الولايات المتحدة، وذلك تناغماً مع موقف نظام الأسد الذي عبّر عن نائب وزير الخارجية والمغتربين، بشار الجعفري، بالقول إن “ما فعله الأميركيون في أفغانستان فعلوه في أكثر من بلد، لذلك فإن ما جرى في أفغانستان هو درس لجميع شعوب المنطقة والعالم”، وبالتالي على جميع الأطراف “التي لا تزال تعوّل على الأميركي حتى الآن الاستفادة من الدرس”، وليس خافياً أنه يقصد الأطراف الكردية ممثلة بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا وقوات سوريا الديمقراطية وسواها. وفي ذات السياق ذهب وزير إعلام النظام الأسبق، مهدي دخل الله، إلى التبجح والحديث عن الدرس الوحيد المتمثل بتخلي الولايات المتحدة “عن عملائها بكل بساطة، من دون رحمة أو شفقة”، وبالتالي يجب على قوات سوريا الديمقراطية أن تتعلم الدرس لأن الدور سيأتي عليها، ولم يطرح مسؤولو نظام الأسد السؤال عما سيحلّ بهم وبنظامهم في حال انسحاب الروس والإيرانيين من سوريا.
ولا شك في أن الطرف المتضرر الأكبر من انسحاب القوات الأميركية من سوريا هو حزب الاتحاد الديمقراطي ومخرجاته العسكرية والمدنية المسيطرة على مناطق في الجزيرة السورية أو ما يسمى مناطق شرقي الفرات، لذلك سارعت قيادات عسكرية وسياسية في الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية إلى إرسال إشارات بأن ذلك سيفضي إلى عودة سريعة لتنظيم الدولة “داعش”، حيث عبّرت الرئيسة المشتركة لما يسمى مجلس سوريا الديمقراطية، إلهام أحمد، عن زيادة مخاوف القوى السياسية والعسكرية المسيطرة على مناطق في شرقي الفرات بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، في وقت كانت تأمل فيه الإدارة الذاتية في تلك المنطقة التوصل إلى توافقات مع نظام الأسد، وباتت تتخوف من أن أحداث أفغانستان ستدفعه إلى إدارة ظهره لها وتركها تواجه مصيرها.
وعلى الطرف الآخر، أشادت معظم الفصائل والتنظيمات الإسلامية بما اعتبرته انتصار حركة طالبان، حيث سارعت “هيئة تحرير الشام” إلى إرسال مباركتها لحركة طالبان، وإلى “أهلنا في أفغانستان على هذا الفتح المبين”، كما أن المجلس الإسلامي السوري أرسل تهنئة للشعب الأفغاني بطرد المحتل، وبارك انتصار الشعب الأفغاني ممثلاً بحركة طالبان على المستعمر وأعوانه. وبدورها لم تتأخر كثيراً حركة الإخوان المسلمين في سوريا في التعبير عن سعادتها وفرحتها من عودة طالبان بعد “عشرين عاماً من احتلال دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة”، لذلك يستحق الشعب الأفغاني التهنئة على هذه “النعمة”، وعلى “النصر الذي حققته طالبان”.
واللافت هو أن الحدث الأفغاني أثار مواقف متقاربة بين نظام الأسد ومعه محور الممانعة وتنظيمات وفصائل إسلامية عديدة، هللت لهزيمة الولايات المتحدة مع الشماتة بعملائها والمتعاونين معها. لكن الحديث عن انتصار طالبان بوصفه انتصاراً للشعب الأفغاني، بدا حديثاً واهياً ومخادعاً مع انتشار صور الخوف والهروب للأفغان، وتوجهم إلى مطار كابول ومشاهدة أجسادهم المكدسة داخل الطائرات، وانتشارهم فوق مدرّجات المطار، وتعلقهم بأجسام الطائرات المغادرة، وتمسك بعضهم بها حتى سقوطه من الجو. كل ذلك يجعل الحديث عن “الانتصار” و”فتوحات أهلنا في أفغانستان”، لا يستحق سوى السخرية المرّة.
ولا شك في أن مواقف عامة السوريين من الحدث الأفغاني كانت مدفوعة بالغضب من تعامل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من قضيتهم، إلا أن منطق الانتصار الإيديولوجي الإسلامي هو الذي ساد، إلى جانب مواقف مدفوعة بالعداء لسياسات الولايات المتحدة وبمشاعر الخذلان من عدم الوقوف إلى جانبهم ضد بطش نظام الأسد، ذلك أن بقاء هذا النظام بالرغم من جرائمه، مدعوماً من طرف روسيا والميليشيات الإيرانية، ولد شعوراً بإحباط عميق لدى عامة السوريين، وجعل مواقفه تتمزق بتمزق بلادهم التي تتقاذفها قوى احتلال متعددة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت