انشغلت أوساط اللاجئين السوريين في تركيا، خلال اليومين الماضيين، بالرسالة النصية التي وصلت للكثيرين منهم، وتخبرهم بتوقيف قيود بطاقة “الحماية المؤقتة” عنهم (الكملك)، بسبب انتهاء الفترة المسموحة لتحديث عناوين سكنهم.
وما تزال الصورة ضبابية حتى الآن، وخاصة من زاوية عما إذا كان ما حصل إلغاءً كاملاً للقيد أم تجميد بصورة مؤقتة فقط، على أن تتم إعادة التفعيل بعد إجراء عملية تحديث بيانات جديدة.
وقال مدير الهجرة التركية، بيرام يالنسو، أمس الخميس، في تصريح لموقع “تلفزيون سوريا” إن الدائرة جمّدت القيود ولم تلغها، وذلك لسببين رئيسيين، إمّا أن اللاجئ لم يحدّث عنوان سكنه، أو أنه حدّث عنوانه لكنه لا يسكن به.
وأضاف المسؤول التركي أن أيّاً من اللاجئين لن يوقف من قبل الشرطة – في حال كانت مشكلته الوحيدة هي عنوان السكن – مؤكداً أن إيقاف القيد لن يؤثر على أولئك المرشحين للحصول على الجنسية التركية.
وبيّن يالنسو أنه يمكن للاجئ الاستفادة من الخدمات الطبية في المشافي خلال فترة انتظار موعد تحديث عنوان سكنه، “وقسم الإسعاف تحديداً سيقبل جميع الحالات المرضية العاجلة”.
“إلغاء أم تجميد”؟
وعلى الرغم من التطمينات التي وردت في حديث مدير الهجرة التركية، إلا أن محامين وحقوقيين سوريين، أكدوا أن ما حصل لا يمكن أن يتبدد، إلا باتباع خطوات إضافية في المرحلة المقبلة.
المحامي عمار عز الدين مدير مكتب “رابطة المحامين السوريين الأحرار” في هاتاي أوضح لموقع “السورية.نت” أنه “لا يمكن اعتبار ما حصل هو تجميد بل الوصف القانوني. نص الرسالة كان واضح بعبارة (تم إلغاء الحماية المؤقتة)، وهذا يعني أن الوضع القانوني هو إلغاء”.
ويقول عز الدين إن تصريح رئيس إدارة الهجرة وإن بعث الطمأنينة في نفوس السوريبن، لكنه “غير كافي”.
ويتابع: “إن لم يتبع بخطوات عملية، مثل قرار من إدارة الهجرة يرسل إلى وزارة الداخلية، لتقوم بدورها بالتعميم على جميع جهات الضابطة العدلية – أي البوليس والجهات الأمنية الأخرى – لمنع توقيف أي لاجئ سوري في حال قيد بطاقة الحماية المؤقتة ملغى”.
ويشير عز الدين إلى أن الوضع القانوني للاجئ السوري بعد إلغاء القيد “سوف يعرضه للترحيل في حال تم توقيفه. كلنا نعلم استقلال عمل الدوائر الحكومية في تركيا، وعدم اتباعها نظام المركزية الإدارية، مما يعني أن تصريح مدير دائرة الهجرة لا أثر قانوني له، مالم يرفق بخطوات عملية”.
ما هي المشكلة؟
ومن شأن “إلغاء قيد الكملك” أن يحرم اللاجئ السوري من حق التنقل، وبالتالي عدم ذهابه للعمل وحق الرعاية الصحية والاستفادة من المعونة المالية المقدمة لبعض السوريين من الاتحاد الأوروبي تحت مسمى (كرت الهلال الأحمر ).
وذلك ما يجعل هذه الأمور “عبء مادي واقتصادي، في ظل ظرف الغلاء والارتفاع الجنوني للأسعار، وأيضاً همّ إضافي يضاف إلى هموم السوريين في تركيا”.
وبالعودة إلى أصل المشكلة، اعتبر المحامي السوري، عمار عز الدين أن “إدارة الهجرة تتحمل هذا الخطأ الفادح لسببين”.
السبب الأول هو أن “عملية التأكد من عناوين السوريين كانت عملية عشوائية، دون مواعيد مسبقة. هنا حصلت كثير من الأخطاء”.
أما السبب الثاني، يتابع عز الدين: “يتلخص بنظام السيستم في إدارة الهجرة. يوجد فيه أخطاء تقنية وبرمجية، تتلخص بالصعوبة في حجز الموعد لتحديث البيانات للاجئ السوري، ومن ثم في حال التحديث يوجد بيانات للاجئين سوريبن لم تظهر على السستم”.
ويوضح المحامي خلال حديثه أن “هذه الأخطاء تسببت في تفاقم المشكلة”، لدرجة أنه “يشك أن تستطيع إدارة الهجرة حلها في وقت قريب، إن لم تلجأ لحلول عملية بعيدة عن البيروقراطية الإدارية وخاصة في ظل الصلاحيات الواسعة الممنوحة لها”.
ما هو التحليل القانوني؟
والعبارة التي قامت بإرسالها إدارة الهجرة (إلغاء الحماية المؤقتة) هو إجراء غير قانوني، بحسب المحامي السوري، كون الحماية المؤقتة تم منحها بموجب قرار رئاسة مجلس الوزراء، ولا يجوز إلغائها بشكل جماعي، إلا بموحب قرار من المجلس، وليس قرار من رئاسة الهجرة.
وبالنسبة لحالات إلغاء “بطاقة الحماية المؤقتة” فقد جاءت بنصوص محددة في نص المادة 8 من التعليمات التنفيذية رقم 6883 لعام 2014.
ويضيف عز الدين: “هل يكون ما حصل هو قرار لتطبيق ذلك؟ لا تستطيع الجزم ولكن حسب التصريحات الرسمية الصادرة حتى الآن هو خطأ تفاقم وأصبح، وتحول من مشكلة إلى معضلة للأسباب”.
وزاد: “لم تستطيع إدارة الهجرة حل هذه المعضلة بسهولة، وسوف تحتاج جهد وعمل كبير، وسيكون لها تأثير سلبي على الاجئين السوريين في كل الأحوال”.
“4 توصيات”
ويجب التفريق بين “الحماية الدولية للاجئين والحماية المؤقتة”، حيث أن الفارق الجوهري يكمن في أن الأساس القانوني للحماية الدولية هو حق اللجوء، أحد حقوق الإنسان الأساسية.
أما “الحماية المؤقتة” فأساسها القانوني، بحسب المحامي السوري، “لا يتعدى كونه قراراً أو قانوناً مؤقتاً سنّ ليحكم حالة طارئة أو استثنائية تتعلق بفئات محددة من الأجانب”.
وقدم عز الدين 4 توصيات قانونية بخصوص ما يجري لقيود الكثير من اللاجئين السوريين.
وأولى التوصيات تنص على أنه يجب “تعديل بنود قانون الحماية المؤقتة إلى بنود تضمن للاجئ مركز قانوني قريب إلى حق اللجوء، وفق قانون الأجانب والحماية الدولية، مع التحفظ على بعض البنود القانونية التي تتعلق بقومية الدولة و مصالحها السياسية الداخلية والخارجية”.
ولا يحمل السوريون في تركيا الصفة القانونية التي تفيدها كلمة لاجى، والتي تفترض مجموعة من الحقوق، كتلك التي تتوفر في حالة لجوء السوريين، مثال إلى دول أوروبية.
لكنهم يندرجون تحت “صفة الحماية المؤقتة”، والتي تم تنظيمها وفق حالة مؤقتة تعتمد في هيكلها على قانون الأجانب والحماية الدولية، ولكن تحرم في مضمونها اللاجئي من العديد من الحقوق.
أما التوصية الثانية فتشير إلى أن قانون الحماية المؤقتة يوفر الحماية من العودة القسرية إلى سورية، وللاجئ كذلك التمتع بحقوقه واحتياجاته الأساسية.
لكن هذه الحماية بدأت تأخذ منحى مختلف بتطبيق الإجراءات التعسفية القسرية بالترحيل تحت مسمى “العودة الطوعية” أو “الترحيل وفق لإجراءات الإدارية”، دون التقيد بنص المادة 54 من قانون الأجانب والحماية الدولية، مما يفقد اللاجئين حق الحماية، وبالتالي يحرمهم من أهم الحقوق التي نص عليها القانون الدولي للاجئين.
وتتعلق التوصية الثالثة بدور الدولة التركية بمؤسساتها التشريعية والقضائية والسياسية وتطويره، ليتناسب مع العدد الكبير من اللاجئين، التي تستقبلهم على أراضيها.
واعتبر المحامي عز الدين: “هو دور غائب أو مغيب إن صح التعبير، في ظل اعتبار الوضع القانوني للاجئين السوريين ضيوف حتى تاريخه، وهذا لا يمكن أن يأتي معه تطور قانوني”.
وطرح المحامي السوري توصية رابعة بأنه يجب “تحييد ملف اللاجئين عموماً من جميع الأطراف السياسية، وعدم استخدامه للمناكفات السياسية بين الأحزاب والتعامل معه من الناحية الإنسانية، وفق لما ينص عليه القانون الدولي والاتفاقيات الدولية”.