بسيارةٍ تحمل لوحتان الأولى تحمل اسم مدينة إدلب والأخرى لريف حلب يتنقل التاجر “محمد أيوب” (35 عاماً) بين المنطقتين بشكل أسبوعي، وكأنه يسلك الطريق من “دولة إلى دولة”، بحسب وصفه، فالمعابر والبطاقات الشخصية المختلفة بين المنطقتين، ومؤخراً لوحات السيارات، جميعها رسمت حدوداً داخلية بشكل أو بآخر في الشمال السوري، الخاضع لفصائل المعارضة.
يقول “أيوب” لـ”السورية.نت” إنه اضطر، في الأيام الماضية، وبعد منعه على عدة مرات من دخول ريف حلب لاستخراج لوحة معدنية جديدة تخص دوائر المنطقة، وذلك على الرغم من وجود لوحة حديثة صادرة من دائرة المواصلات التابعة لـ”حكومة الإنقاذ السورية” في إدلب.
وحسب التاجر، فإن “التنقل بين ريف حلب وإدلب لم يعد بالأمر السهل (…) عليك أن تثبّت لوحتان الأولى لمواصلات إدلب والأخرى لمواصلات ريف حلب، وفي كلا الطرفين لا مهرب من دفع الرسوم، سواء الخاصة بمعاينة السيارة أو تجديد أوراقها”.
وكانت دوائر المواصلات في مدن ريف حلب وفي مدينة إدلب أيضاً قد اتجهت، على مدار العامين الماضيين، إلى إجبار المدنيين القاطنين في الشمال السوري لتلويح السيارات (تنميرها)، وذلك في خطوة تنظيمية لسوق المواصلات من جهة، ولضبط أمن المنطقة بعد عشرات السيارات المفخخة من جهة أخرى.
لكن العمليات التنظيمية في إدلب وريف حلب، ورغم أنها تصب في صالح استقرار مناطق الشمال السوري، لكنها وعلى خلفية قرارات صدرت مؤخراً أدت إلى مشاكل وعراقيل كان المدنيون المستهدفون الوحيدون منها.
ومن بين القرارات الأخيرة تلك التي أصدرتها “الشرطة الوطنية” في مدينة اعزاز بريف حلب، والتي قضت بحظر دخول السيارات التي لا تحمل لوحات معدنية إلى المنطقة، حيث توعدت المخالفين باتخاذ إجراءات قانونية بحقهم والحجز على آلياتهم.
وعقب القرار سجل ناشطون وشبكات محلية من ريف إدلب عدة حوادث لمنع دخول السيارات التي تحمل لوحات إدلب من دخول مناطق ريف حلب، سواء اعزاز أو غيرها من عفرين والباب ومارع، وهو أمر لم يلق أي تعليق رسمي سواء من قبل “الحكومة السورية المؤقتة” التي تدير جميع المجالس المحلية في ريف حلب أو “حكومة الإنقاذ” التي تتولى المهام الإدارية في مدينة إدلب.
“أزمة اعتراف”
لا يقتصر منع دخول السيارات التي تحمل لوحات مدينة إدلب على مدينة اعزاز بريف حلب فقط، بل ينسحب الأمر إلى باقي مدن الريف الحلبي، وكان المجلس المحلي في مدينة عفرين، قد أقدم على هذه الخطوة، العام الماضي، لكنه أعطى تسهيلات للمدنيين بالحصول على لوحة مؤقتة يتم وضعها فقط في أثناء الدخول لعفرين، على أن تسلّم في حين المغادرة من المنطقة.
ورغم عدم وضوح الأسباب الرئيسية لما يشهده قطاع المواصلات بين ريف حلب ومدينة إدلب، إلا أنه وبحسب الواقع المفروض على الأرض، ترتبط الأسباب باختلاف الأطراف الإدارية والعسكرية المسيطرة، فبينما تمسك “الحكومة السورية المؤقتة” بمجالس ريف حلب، تهيمن “حكومة الإنقاذ” المتهمة بتبعيتها لـ”هيئة تحرير الشام” على إدارة مدينة إدلب وريفها بشكل كامل.
ولا تعترف “الحكومة المؤقتة” بـ”حكومة الإنقاذ” وبالعكس، الأمر الذي أدى بدوره إلى رسم حدود على الأرض بين مناطق الطرفين، وانسحب الأمر إلى حدودٍ بالبطاقات الشخصية للمواطنين والمعاملات اليومية والخدمية التي تهم المواطن، من بينها المعاملات الخاصة بدوائر المواصلات، من لوحات وشهادات تعريفية للسيارات وغيرها.
في حديث لـ”السورية.نت” يقول مدير النقل والمواصلات في إدلب محمد بيلساني: “كان هناك منذ مدة اتفاق شفهي بيننا ( مع مواصلات ريف حلب) للسماح لسياراتهم بالمرور في مناطقنا، دون التعرض لها وكذلك بالنسبة لهم”.
ويتابع بيلساني: “لكن في الفترة الأخيرة نقضوا الاتفاق، والسبب هو قرار الترسيم المجاني، إذ تحول قسم كبير من السيارات إلى مديرية إدلب للتسجيل الأمر الذي أزعجهم”.
ويوضح مدير النقل أن “مواصلات إدلب” ماتزال تتبع “أسلوب السياسة” مع مواصلات ريف حلب، مشيرأً إلى أنهم يعترفون باللوحات الصادرة عن ريف حلب.
وحسب بيلساني، فإن عدد السيارات المسجلة في “مواصلات إدلب” بلغ وحتى الآن 25000 سيارة موزعة على الشكل التالي: إدلب بحدود (12500)، وحلب (8500)، بالإضافة إلى حارم(4000 سيارة).
“قرار سياسي”
في الانتقال من إدلب إلى ريف حلب لا مبررات واضحة ودقيقة لدى “الحكومة السورية المؤقتة” والمجالس المحلية التابعة لها، حول القرارات التنظيمية، والقاضية بمنع دخول السيارات التي تحمل لوحات مدينة إدلب، سوى أن الأمر يصب في نواحٍٍ أمنية وعسكرية، على خلفية السيارات المففخة الأخيرة التي ضربت المنطقة، وأدت إلى مقتل عشرات المدنيين.
تحدثت “السورية.نت” مع المكتب الإعلامي في المجلس المحلي لمدينة اعزاز، ولم يقدم الأسباب الرئيسية حول قرار منع دخول السيارات، التي تحمل لوحات إدلب إلى المدينة.
ويقول المكتب الإعلامي إن قرار تنظيم سوق المواصلات في المنطقة يعود بشكل أو بآخر للجانب التركي، والذي كان قد أسس شبكة مركزية، ربط بموجبها جميع دوائر المواصلات في ريف حلب.
ويضيف المكتب: “العمل لدينا مبني على قاعدة بيانات متصلة بين جميع مناطق درع الفرات وغصن الزيتون بسستم موحد يتصل بقاعدة البيانات في تركيا”، مشيراً “يوجد رسوم للتلويح وبشكل تقريبي فإن المنطقة تم تلويح جميع آلياتها”.
من جانبه قال مسؤول في المجالس المحلية بريف حلب لـ”السورية.نت” إن قرار منع دخول آليات إدلب مصدره الجانب التركي، كون لا يوجد أي اعتراف أو تواصل مع “حكومة الإنقاذ السورية”.
وأضاف المسؤول (طلب عدم ذكر اسمه): “في حال السماح الدخول للآليات الملوّحة بإدلب والاعتراف بها، فإن المجالس المحلية ستكون في موضع الاعتراف بحكومة الإنقاذ بشكل كامل وجميع الإجراءات التي تتخذها”.
أربع لوحات في خريطة
على طرقات سورية باختلاف مناطق النفوذ والسيطرة فيها تسير السيارات والدراجات النارية أيضاً بأربع أنواع من اللوحات المعدنية (النمر)، ويختلف كل نوع منها عن الآخر بحسب أطراف النفوذ المسيطرة على الأرض.
في محافظة إدلب كانت “حكومة الإنقاذ” قد بدأت مشروع تلويح السيارات، في عام 2018، وذلك بعد إمساكها بخريطة السيطرة الإدارية لإدلب بشكل كامل.
وعزت “حكومة الإنقاذ” البدء بتلويح السيارات، من أجل الحفاظ على أمن المنطقة، ولتنظيم سوق المواصلات بشكل كامل.
وبالتوازي مع إدلب اتجهت المجالس المحلية في ريف حلب من الباب إلى عفرين، في ذات التوقيت أيضاً إلى تلويح السيارات وتسجيلها، لكن بطرق مختلفة عن إدلب، وبتقنيات متطورة تم العمل عليها بالتعاون مع الحكومة التركية.
في حين أقرت “الإدارة الذاتية” شمال شرق سورية، عام 2016 إجراءات فرضت من خلالها على السيارات التي تدخل إلى مناطق سيطرتها في سورية حمل لوحات تسجيل خاصة بها تحمل اللون الأصفر.
وتضمن القرار الذي أصدرته، حينها، إلزام أصحاب السيارات والشاحنات الكبيرة، التجارية أو الخاصة، بتغيير لوحاتها الخاصة، مع تهديد بمصادرة المركبات إلى حين استيفاء شروط دخول مناطقها.
أما نظام الأسد فقد أعلن، في كانون الثاني 2018، عن توريد معمل حديث بخط إنتاج جديد للوحات السيارات، “وفق تصميم حديث يلبي الحاجة المتزايدة والتي تبلغ اليوم مليونين ونصف المليون سيارة”.
وفي تصريحات نقلتها وكالة “سانا”، 14 من كانون الثاني 2019، عن حسنين محمد علي، مدير المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي، قال إنه من المتوقع طرح اللوحات الحديثة للسيارات خلال عام 2019.
وأضاف أن التصميم الجديد الذي أعدته المؤسسة بالتعاون مع وزارتي النقل والداخلية يتألف من خمسة أرقام على الجانب اليميني للوحة ورقمين على الجانب اليساري وفي الوسط صورة العلم السوري وكلمة سوريا، و”يمتلك العديد من الميزات والعلامات السرية التي تسهم بمنع تزوير اللوحات وسرقتها”.