قبل يومين فقط، من توقيع رأس النظام السوري، بشار الأسد، لـ 3 اتفاقيات اقتصادية، خلال زيارته إلى الصين، كان معهد دراسة الحرب الأمريكي (ISW)، يصدر تحديثاً جديداً يتعلّق بالنشاط الإيراني في سوريا، ويخلص فيه إلى أن طهران ستملأ الفراغ الذي سيتركه مقاتلو ميليشيا “فاغنر” على تخوم مصادر الثروة الطبيعية في البادية السورية، وأهمها الفوسفات. تلك الثروة التي شاءت الصُدف، وفي التوقيت نفسه، أن تُسرّب مجموعة إيرانية معارضة، وثيقة جديدة حول خطط إيران بعيدة المدى، لاستثمارها، والرهان على شركات صينية لتطوير صناعتها، على الأراضي الإيرانية والسورية، على حدٍ سواء.
وفيما كانت اتفاقيات “الشراكة الاستراتيجية” التي وقّعها النظام مع الصينيين، غامضة المعالم وفضفاضة العناوين، كان معهد دراسة الحرب يتحدث عن الأثر المرتقب لإخلاء مقاتلي فاغنر لمواقعهم في سوريا، امتثالاً للإنذار الذي وجهته وزارة الدفاع الروسية، قبل نحو شهر. إذ من المرجح أن تتولى إيران السيطرة على بعض مواقعهم، مما سيتيح لها توسيع عملياتها الاقتصادية في البادية السورية، وفق التقرير.
استند “معهد الحرب” إلى معلومات نشرها صحافيون استقصائيون معارضون روس، وكذلك على بعض المصادر الإعلامية السورية المعارضة. إلى جانب تقارير سابقة لوسائل إعلام غربية، كـ وول ستريت جورنال، ونيويورك تايمز. ليخلص إلى قراءة تفيد بأن المسؤولين في “فاغنر” سيفضّلون نقل السيطرة على مواقعهم وأصولهم في سوريا، إلى إيران، بدل وزارة الدفاع الروسية، بعيد مقتل زعيم الميليشيا، يفغيني بريغوجين، في تحطم الطائرة المثير للشبهات، قبل شهر.
وفيما كانت مصادر إعلامية سورية تؤكد أن القوات الروسية تعمل على دعم النظام لإعادة ملء المواقع القريبة من حقول النفط والغاز التي تغادر منها ميليشيا فاغنر، كانت مصادر غربية تشير بدورها إلى أن فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، يتواصل مع قادة في فاغنر، لإقناعهم بالحلول محلهم في مواقعهم ومستودعاتهم، بسوريا.
وخلص تقرير معهد دراسة الحرب إلى أن انسحابات فاغنر من سوريا ستقدم فرصة لإيران لتأمين وجود دائم ومريح لها في منطقة البادية السورية، التي تشكّل طريقاً لنقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى وكلائها في المنطقة، إلى جانب كونها تحتوي على واحدة من أكبر الاحتياطيات المعروفة عالمياً من الفوسفات.
ووفق مصادر روسية معارضة، فإن الإيرانيين اتفقوا بالفعل مع قيادة “فاغنر” في سوريا، على الحلول محلهم في مواقعهم، بعلم نظام الأسد، وبالتنسيق معه، مما يعني تعزيز نفوذ إيران الميداني في البادية السورية، على حساب روسيا.
وكان لافتاً في التقرير ذاته، تلك الإشارة إلى الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها روسيا وإيران بصورة لا تسمح لهما بالمزيد من الاستثمار في إعادة إعمار سوريا، في الوقت الذي تراجع فيه احتمال أن تساهم الدول العربية في ذلك. وفي ظل هذا الواقع، جاءت زيارة الأسد إلى الصين، لمحاولة إقناع بكين بملء هذا الفراغ. لكن هل تستطيع بكين ملأه بصورة مستقلة عن النفوذ الإيراني بالتحديد، أم بصورة متكاملة معه؟
تؤشر معطيات احتواها آخر تسريب لمجموعة “ثورة لإسقاط النظام” الإيرانية المعارضة، إلى إجابة على السؤال السابق. فالإيرانيون الذين يتمتعون بعقد “رسمي” مع النظام، لاستثمار نحو 60% من ثروة الفوسفات، لـ 50 عاماً، قابلة للتمديد، وضعوا خططاً لتطوير عملية إنتاج وتصدير هذه الثروة في سوريا، عبر التفاوض مع شركات إيرانية ولبنانية وصينية، للمساهمة في ذلك. وتكشف الوثيقة أن التفاوض مع بعض تلك الشركات، ما يزال قائماً، فيما وصل مع بعضها الآخر إلى طريق مسدود لأسباب عديدة، أبرزها العقوبات.
ووفق ترجمة واستعراض نشره موقع “تلفزيون سوريا”، لمضمون الوثيقة المسرّبة، فإن إيران تريد بناء معامل لتوليد أسيد الفوسفوريك وكود الفوسفات والمعايرة والتجفيف. بعض تلك المعامل ستكون في إيران نفسها، وبعضها الآخر، في سوريا. وتكشف الوثيقة عن مفاوضات مع شركة صينية لإعادة إعمار معامل معايرة الفوسفات في سوريا.
وفيما كان الأسد في الصين، في زيارة من المفترض أن غايتها الرئيسية، من جانب النظام على الأقل، إقناع القيادة الصينية بتحويل تعهداتها الاقتصادية بدعمه –والتي تعود لسنوات- إلى واقع، كان قائد فيلق “القدس”، اسماعيل قاآني في سوريا، يشرف على مناورات عسكرية مشتركة مع قوات النظام، ويتدارس مع مسؤوليه، “المواجهة المشتركة مع التحديات والانفلات العسكري والأمني في سوريا”، وفق الإعلام الإيراني.
فإن كان هذا “الانفلات” هو العقبة الرئيسية أمام مساهمة الصينيين في إعادة إعمار سوريا، فإن إيران تريد الإيحاء بأنها الطرف الرئيس “القادر” على كبحه. وإن كانت طهران عاجزة عن تحصيل ديونها من سوريا بالصورة المأمولة نتيجة عجزها عن تمويل إعمار ما يتطلب إعماره، فإن الصينيين قد يكونون أفضل شريك في ذلك. هذه هي الخلاصة التي يمكن الخروج بها من جملة المعطيات السابقة. فالنفوذ الاستثماري الصيني في سوريا، إن تحقق، فسيكون مكمّلاً للنفوذ الإيراني، ومتكاملاً معه، لا بديلاً أو منافساً له. ويبقى الشرط لتحقق ذلك، وجود إرادة صينية غير معتادة، للمخاطرة في سوريا، والذهاب بعيداً في الشراكة مع طهران.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت