الضرائب أولاً..ومئات مليارات خزينة النظام من الرسوم القنصلية و”بدل الخدمة”
لم تكن طباعة الأوراق النقدية الجديدة من فئة خمسة آلاف ليرة سورية، وطرحها في الأسواق من قبل “مصرف سورية المركزي”، الشهر الماضي، مفاجئةً لدى فئة من السوريين مع تعدد الأزمات الاقتصادية وحالة التضخم الكبيرة وعجز الموازنة العامة التي تضاعفت العام الحالي، وسط توقعات بطباعة أوراق نقدية جديدة في المستقبل.
فالفئة النقدية الجديدة وهي الأكبر في تاريخ العملة السورية، جاءت حسب محليين اقتصاديين، كنتيجة طبيعية بسبب عجز تمويل الموازنة العامة، على اعتبار أن أي حكومة تتجه إلى طباعة العملة لسببين: الأول من أجل استبدالها بأوراق نقدية مهترئة في الأسواق، وهذا الأمر لا يؤدي إلى زيادة في الكتلة النقدية.
أما السبب الثاني، فإن الحكومة تلجأ إلى طباعة أوراق نقدية، من أجل تمويل الموازنة العامة والأجور، وتكمن خطورة ذلك بأن هذه الطباعة لا يوجد مقابلها أي رصيد أو إنتاج فعلي، ما يؤدي إلى زيادة التضخم وارتفاع الأسعار، وهو ما تشهده الأسواق حالياً في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، بعد أقل من شهر من طرح الورقة الجديدة.
إذ ارتفعت الأسعار بحدود 30% بحسب صحيفة “الوطن” الموالية للنظام، في حين وصل سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار إلى 3400 لأول مرة في تاريخ العملة.
كل ما سبق جاء عقب تضاعف أرقام الموازنة العامة بين عامي 2020 و2021، إذ بلغت العام الماضي أربعة آلاف مليار ليرة سورية، ما يعادل أكثر من تسعة مليارات دولار وفقاً لسعر الصرف الرسمي حينها والبالغ 434 ليرة للدولار الواحد، في حين بلغت الموازنة العام الحالي، حسب ما أعلنت حكومة الأسد، 8500 مليار ليرة سورية، ما يعادل 6.7 مليار دولار وفقاً لسعر الصرف الرسمي حالياً، 1256 ليرة، بزيادة نسبته 113% عن العام الماضي.
وحسب صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، فإن حكومة الأسد قدرت “العجز في الموازنة العامة للدولة لعام 2021 بنحو 3484 مليار ليرة، في مقارنة بالعام 2020 والذي بلغ 1455 مليار ليرة، أي بفارق 1028 مليار ليرة ما يعني زيادة العجز بنسبة 71%”.
وتعليقاً على هذه الأرقام أكد الباحث المساعد في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”، مناف قومان لـ”السورية. نت” أن “التمويل بالعجز صار سنّة حكومة الأسد خلال الحرب عن طريق طباعة الأوراق النقدية”، وسط ترجيحات بطباعة ورقة جديدة من فئة عشرة آلاف ليرة سورية في المستقبل.
الضرائب و بدل الخدمة العسكرية
خلال السنوات الأخيرة، ومع تراجع الإيرادات العامة للخزينة، جراء التدهور الكبير في مختلف القطاعات، وخاصة الصناعية والتجارية، إلى جانب انخفاض الإيرادات النفطية بسبب خروج الآبار عن السيطرة، توجهت حكومة الأسد إلى زيادة في الضرائب والرسوم لسداد النفقات.
وحسب الأرقام الرسمية لموازنة عام 2021، التي نشرت بالتفصيل في الجريدة الرسمية في عددها الصادر بتاريخ 6 يناير/ كانون الثاني الماضي، تظهر اعتماد حكومة الأسد بشكل كبير على تحصيل الضرائب والرسوم لتكون المورد الأكبر للخزينة.
ويتألف النظام الضريبي، حسب مناف قومان، من ضرائب نوعية مباشرة كالضريبة على الدخل ورأس المال وضريبة رؤوس الأموال المتداولة، وضرائب نوعية غير مباشرة على الإنفاق والاستهلاك، إضافة إلى الرسوم.
وقدرت حكومة الأسد الإيرادات من الضرائب والرسوم للعام الحالي، حسب الجدول المنشور في الجريدة الرسمية بـ2540 مليار ليرة، بزيادة قدرها 1728 مليار ليرة سورية عن العام الماضي ما يعادل 29.88% من الموازنة، وأبرز هذه الرسوم وأعلاها كانت الرسوم القنصلية التي تبلغ 440 مليار ليرة سورية.
في حين قدرت الإيرادات من بدلات الخدمات وإيرادات أملاك الدولة واستثماراتها العامة بـ27 مليار و800 مليون ليرة بزيادة قدرها 9 مليارات و900 مليون ليرة عن ميزانية العام الماضي.
أما القسم الثالث فقد كانت، بحسب الجدول، الإيرادات المتنوعة بمقدار أكثر من 939 مليار ليرة سورية، بزيادة عن العام الماضي قدرها أكثر من 338 مليار ليرة سورية.
اللافت في هذا القسم هو ارتفاع قيمة إيرادات البدل النقدي للخدمة الإلزامية، التي حددها رئيس النظام بشار الأسد في مرسوم أصدره في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وشملت حينها من هم داخل البلاد (خدمة ثابتة).
وتوقعت حكومة النظام، أن تكون قيمة الإيرادات منها، 240 مليار ليرة سورية، بزيادة عن العام الماضي بمقدار 170 مليار ليرة، وهذه الإيرادات تشكل نسبة 2.8% من الموازنة العامة.
أما الإيرادات الأخرى، حسب الجدول، كانت من خلال “الفائض المتاح” من الوزارات والمؤسسات، وبلغت قيمتها أكثر من 2509 مليار ليرة، إلى جانب ما أطلقت عليها حكومة الأسد “الإيرادات الاستثنائية” وبلغت 2483 مليار ليرة.
ويقصد بـ”الإيرادات الاستثنائية” القروض والموارد الخارجية للحكومة، إلى جانب “أوراق مالية حكومية” التي تبلغ مقدار خمسة مليارات ليرة سورية، إلى جانب “المأخوذ من الاحتياطي” والتي بلغت قيمته 1982 مليار ليرة.
وتعليقاً على ذلك يقول الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، كرم الشعار، لـ”السورية.نت”. إن” الغالبية الكاسحة من المأخوذ من الاحتياطي هي في الواقع نقود تمت طباعتها للتمويل بالعجز وتشكل 23.3%”.
وأضاف أن “موازنة عام 2021 توضح أن الأوراق المالية الحكومية يتوقع أن ترفد خزينة الدولة بما لا يتجاوز 6%، وهذا المبلغ بغالبيته هو قروض وسندات وأذونات خزينة من البنوك الخاصة”، معتبراً أن “هذه النسبة الضئيلة توضح أن الحديث عن الاقتراض لدى الحكومة السورية كثيراً ما يتم المبالغة به في الإعلام، فيما يبقى مصدر التمويل الأساسي للنفقات التي تزيد عن الإيرادات (العجز) هو طباعة النقد”.
هل سُيرفع الدعم؟
من خلال الأرقام السابقة، يظهر اعتماد حكومة الأسد بشكل كبير على الضرائب والرسوم من أجل سد نفقات الموازنة، حسل الباحث الاقتصادي، مناف قومان.
وأرجع ذات المتحدث، ارتفاع نسب الضرائب في موازنة 2021 إلى العقوبات والتضييق على النظام، قائلاً إن “النظام بعد فرض العقوبات وحجم التضييق عليه، الذي تسبب بانخفاض حجم التهريب والمساعدات وتعاون الشبكات غير الرسمية معه، عاد ليلتفت إلى أوعية داخلية لسداد نفقاته ممثلة بالضرائب والرسوم”.
وحول نجاح حكومة الأسد بسياستها، أضاف قومان “بالواقع في ظل الجفاف المالي الموجود في البلد من استثمارات وتجارة وأعمال، لا أعتقد أن النظام قد يستفيد كثيراً في هذا الجانب (تحصيل الضرائب والرسوم) ولا شك سيستمر التهرب الضريبي في ظل عدم تحسن البيئة الاستثمارية في البلد”.
وخلال الأشهر الماضية اتبعت حكومة الأسد سياسة الحجز على أموال رجال أعمال تحت تهمة التهرب الضريبي، وهي سياسة يتمكن النظام من خلالها “محابة التجار” وفق السياسات الجديدة وحجم التهرب، بحسب قومان، الذي أكد أن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار لأن التاجر لن يدفع الضريبة من جيبته، وإنما سيتم تحميلها على تكاليف الإنتاج.
ويأتي ذلك في ظل احتمالات، تذهب إلى أن حكومة الأسد تحاول التخلص من أعباء دعم بعض المواد الأساسية للمواطنين، خاصة وأن دعم القمح والمشتقات النفطية التهمَ الموازنات السابقة، وهو السبب الرئيسي في زيادة العجز في موازنة 2021، كما يقول بعضُ مسؤولي النظام.
وكانت صحيفة”الوطن”، قالت في تقريرٍ لها، قبل أسابيع، إن “أسباب العجز في موازنة العام 2021 يعود إلى زيادة كتلة الإنفاق العام والتغير في سعر الصرف الذي كان له تأثير كبير في زيادة النفقات لدى الجهات العامة وصعوبة تخفيضها، إضافة إلى عجز شركة المحروقات وزيادة الرواتب والأجور وإضافة إلى العجز التمويني للمؤسسة العامة للحبوب وغيرها”.
في حين قال وزير المالية في حكومة الأسد، كنان ياغي، أمام مجلس الشعب في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إن “زيادة العجز في عدد من القطاعات يعود لارتفاع سعر صرف الليرة، إضافة إلى الحصار والعقوبات، خاصة قانون قيصر”.
وأضاف أن “دعم المشتقات النفطية في موازنة العام الحالي بلغ 3500 مليار ليرة، إضافة إلى 1800 مليار للطاقة الكهربائية، ودعم الدقيق التمويني ارتفع إلى 700 مليار ليرة في الموازنة بعدما كان 337 مليار ليرة في موازنة العام الماضي، كذلك ارتفع دعم الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية إلى 50 مليار ليرة، بعدما كان 15 مليار في موازنة العام الماضي”.
وفي ظل تخوف رفع الدعم قال الشعار إن “الخطط الحكومية وبنود الموازنة لا توضح ما إذا كان هناك توجهًا لرفع الدعم عن السلع الأساسية، غير أن العجز الكبير والمستمر أتوقع أن ينعكس بشكل أكبر على شح الخدمات وليس بالضرورة رفع الدعم عنها. على سبيل المثال، قد لا يتم تخفيض الدعم عن المحروقات وإنما أتوقع أن تكون شحيحة”.
وزارة الدفاع خارج الموازنة
وعلى غرار السنوات الأربع الأخيرة، أخفى نظام الأسد من جدول الموازنة، اعتمادات وزارة الدفاع، على خلاف الوزارات الأخرى التي كُشف عن الأموال المخصصة لها من الموازنة، كما أخفى نظام الأسد اعتمادات مؤسسة معامل الدفاع المدرجة تحت قسم المؤسسات والشركات الاقتصادية.
وعلق الباحث كرم الشعار على إخفاء موازنة وزارة الدفاع بالقول، إن “وزارة المالية تقوم مؤخرًا بطمس معالم الموازنة بشكل متعمد، حتى لا يتم فهم ما يتم توزيعه على الجيش والمؤسسات الأمنية وذلك حفاظاً على السرية”.
في حين قال الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، محسن مصطفى، إن ميزانية وزارة الدفاع كانت قبل سنة 2011، تُقدر بنحو 15% من الموازنة العامة، في حين زادت إلى 20% خلال السنوات الماضية، بسبب زيادة نفقات العمليات العسكرية، مؤكداً أن نظام الأسد منذ 2018 لم يعد يُصرح عن ميزانية وزارة الدفاع.