العوائد الاقتصادية للنظام من مسار “التقارب العربي”

حمَلت مشاركة بشار الأسد في “القمة العربية” بمدينة جدة السعودية في 19 أيار/مايو 2023، دلالات سياسية واقتصادية.

إذ وإن عدّت انعطافة للجامعة العربية بشأن النظام، وبناءً على محادثات سابقة في عمّان وفق مقاربة “خطوة مقابل خطوة”، فقد اعتبرها الأسد من جانبه “نصراً” بعد أكثر من عقد على القطيعة العربية، وتأجيلاً للاستحقاقات السياسية مع المعارضة، على الجهة المقابلة طالبت الدول العربية من النظام تقديم خطوات إيجابية ثمناً لهذه العودة وعلى رأسها؛ ملف المخدرات، والعودة الآمنة لملايين اللاجئين إلى سورية، والتوصل إلى تسوية سياسية بالتوافق مع المعارضة.

بالنسبة للنظام تمثل عودته للجامعة العربية في هذه الظروف فرصة للخروج من الأزمات الاقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية للسكان، بعد ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الليرة بنحو 99.45 % وبلوغ نحو 85% من السكان تحت خط الفقر.

إلا أن هذه الفرصة لا تبدو سهلة المنال وسط استمرار العقوبات الغربية والأمريكية على أكثر من مستوى، واشتراط إعادة الإعمار بعملية سياسية تُفضي إلى حل سياسي في سورية، واستمرار التمترس العسكري مع عدم خروج الجيش الأمريكي والتركي على المدى المنظور. لذا ستتركز محاولات النظام للاستفادة من التقارب العربي بما يلي:

  • إعادة تفعيل الاتفاقات الاقتصادية براً وجواً وبحراً وعودة التمثيل الدبلوماسي.
  • دعم البنك المركزي بالودائع والعودة للمنظومة المالية الدولية.
  • المساهمة في التعافي الاقتصادي المبكر.

في ظل مطالب الدول العربية من النظام إيقاف تجارة وإنتاج المخدرات، التي قدّرت قيمتها نحو 5.7 مليار دولار في 2021 بحسب خبراء، والتضييق المالي على النظام جراء الأزمة المصرفية في لبنان التي كانت نافذة سورية لخرق العقوبات، وشُح المساعدات الإنسانية الدولية على سورية بعدما استغلها النظام للحصول على النقد الأجنبي، إضافة إلى العقوبات الغربية وقانون “قيصر”، سيعمد البنك المركزي السوري لتطبيق خطوات ثنائية الجانب مع البنوك الرديفة بهدف تشبيك العلاقات وفتح خطوط ائتمان وزيادة التبادل النقدي، وتأمين الوصول إلى شبكة التمويل الدولية لتنفيذ الصفقات التجارية، بالشكل الذي يعود بالنفع على حركة النقد الأجنبي لدى المركزي السوري ويزيد من قدرته على استيراد السلع والدفع بالعملة الصعبة، فضلاً عن استقرار سعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية.

وتُدرك حكومة النظام أن تحسين معيشة السكان يبدأ بخفض الأسعار وزيادة الرواتب والأجور للعاملين في القطاع العام البالغ عددهم زهاء 2.5 مليون شخص، وهذا لا يكون إلا من خلال تحسين ملاءة الليرة وقدرتها على الصمود ضد الصدمات والأزمات، وعليه لابد من توفر عدة أمور بينها:

موارد طبيعية (نفط وغاز ومعادن..) تسهم في خفض تكاليف الطاقة والحصول على عملة صعبة من التصدير، عودة الصناعات الإنتاجية القابلة للتصدير والاستثمارات الأجنبية والسياح بما يسهم في تدفق العملة الصعبة على البنك المركزي.

وأمام عدم تغير الخارطة العسكرية على الأرض، تبقى الموارد الطبيعية خارج حسابات النظام، وستغيب الصناعة والسياحة والاستثمارات مع عدم حصول أي تقدم في الملف السياسي واستمرار الغارات الإسرائيلية والأوضاع الأمنية المضطربة، وتعاظم أدوار الروس والإيرانيين عسكرياً واقتصادياً بالأخص في المدن الكبرى؛ دمشق وحمص وحلب ودير الزور.

لذا ووفقاً لما سبق؛ من المتوقع أن تصب مساعدة الدول العربية للنظام على تقديم حزم مالية للبنك المركزي، وتوريد سلع أساسية وخدمات تحت بند المساعدات الإنسانية، وفتح اعتمادات وتقديم ودائع بالعملة الأجنبية، وتسهيلات ائتمانية تساعد في إنعاش الليرة السورية على أقل تقدير.

من جهة أخرى، سيدفع النظام لتفعيل دور سورية المحوري في الشبكات التجارية البرية من خلال الطرقات الدولية والمعابر البرية وتشجيع التجارة البينية، وإعادة تفعيل المجال الجوي السوري أمام شركات الطيران والمشاركة في المعارض والفعاليات المحلية، بالشكل الذي يعود بالفائدة المالية على خزائن المركزي.

وعلى الطرف المقابل سيدفع باتجاه دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتوقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات اقتصادية لتعزيز الإنتاج في القطاع الزراعة والصناعة، كما حصل مؤخراً مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية “يونيدو”، التي وقعت مذكرة تفاهم مع النظام لتطوير منتجات سواء في القطاع العام أو الخاص، وفي القطاع الصناعي والزراعي، وهو أول مشروع تنموي منذ العام 2011 بعدما انحسرت المشاريع السابقة في الإغاثة والاستجابة الطارئة.

أما فيما يتعلق بأزمة الكهرباء حيث وصل عدد ساعات التقنين وقطع التيار لأكثر من 20 ساعة يومياً في بعض المحافظات، ويبلغ الطلب على الكهرباء حالياً بين 6 و7 آلاف ميغا واط في حين لا يتجاوز المتاح 2200 ميغا، يبدو النظام مكبّلاً عن حل الأزمة أمام فقدان حوامل الطاقة؛ النفط والغاز.

لذا قد تتركز مساعي النظام والدول العربية إلى إعادة تفعيل خط الغاز العربي وعقد اتفاقيات لصيانة شبكات الكهرباء وضخ استثمارات في مصادر الطاقة البديلة. ويضغط غياب التيار الكهربائي على القطاع الإنتاجي وتحميل زيادة التكاليف على السلع النهائية، لذا من شأن تحسين التغذية الكهربائية إنعاش بعض المصانع وعودتها للعمل والإنتاج وهو ما يقود إلى خفض في الأسعار وتحسين مستويات المعيشية.

قد لا تشكل عودة سورية للجامعة العربية ما يتمناه النظام لتكون بوابةً لحل الأزمات المالية والانفتاح الاقتصادي ودخول الاستثمارات والسيّاح، ففوائد هذه العودة لابد أن تكون مربوطة بالحل السياسي وفق القرارت الدولية، والذي سيُفضي لدخول النفط والغاز والمعادن إلى الموازنة وتبدأ مرحلة إعادة الإعمار والاستثمار في كافة القطاعات، ومن جهة أخرى القضاء على تجارة المخدرات وعودة اللاجئين بشكل طوعي وآمن، في ذلك الوقت ستتحسن الأوضاع المعيشية ويستقر سعر صرف الليرة الذي لامس 9100 أمام الدولار وينخفض المعدل العام للأسعار في السوق بعدما وصل إلى 600% في منتصف 2022 مقارنة مع 2019 في الوقت الذي يبلغ الحد الأدنى للرواتب 92 ألف ليرة (10 دولار).

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا