أُغلقت جميع المنافذ والحدود بوجهها، ولم يبقَ أمامها سوى خوض غمار رحلة “مركب الموت”، للاجتماع بعريسها المقيم في أوروبا، تلك الرحلة التي أصبحت واحدة من آلاف المآسي التي عاشها ويعايشها السوريون منذ سنوات.
احتفظت سوزان تتلو، الشابة التي تنحدر من حي الصليبة في مدينة اللاذقية، بصورة زفافها ضمن أغراضها التي حملتها إلى المركب، وكأنها كانت على علم أن وصولها “مستحيل”.
غرقت سوزان، وكانت ضمن ضحايا “مركب الموت”، الذي غرق قبالة شواطئ طرطوس قبل أسبوعين، ما أسفر عن وفاة أكثر من 100 شخص كانوا على متنه، باستثناء صورة زفاف سوزان التي وصلت إلى الشاطئ، تاركةً ذكرى مؤلمة في أذهان عائلتها.
قوارب “موت” أم “خلاص”؟
ومثل سوزان، دُفنت أحلام المهندس عبد الله جرجور من مدينة جبلة، وزوجته رغد الحكيم، التي تخرجت قبل أشهر معدودة من جامعة تشرين، ليبدأ الزوجان البحث عن طوق نجاة من خلال هذه الرحلة، بعد أن ضاقت بهما سبل العيش.
حسب ما صرحت به مصادر مقربة من عائلة الشاب جرجور، لـ “السورية نت”، فضّل عبد الله السفر بعد أن أدرك استحالة تأمين مستقبله والارتباط بخطيبته في حال بقي في اللاذقية، فكان الحل الوحيد بالنسبة لهما، الهجرة معاً بعد أيام من حفل زفافهما، وعدم الانتظار لسنوات طويلة للم الشمل بينهما.
وشيعت محافظة اللاذقية أكثر من 34 شاباً وشابة وطفل من أهلها، ممن قضوا في حادثة الغرق الأخيرة، معظمهم في أعمار العشرينات، فيما لايزال مصير 23 شخصاً مجهولاً.
وكان من ضمن الضحايا، الطفل حسن بديوي ( 13 عاماً)، والذي توفي أيضاً مع قريبه الشاب حسن بديوي (21 عاماً) من مدينة جبلة.
أما الشاب علاء، المنحدر من مدينة جبلة، يستعد بعد أيام لخوض تجربة ما يسميه “قارب الخلاص”، رغم علمه بالحادثة الأخيرة المفجعة.
يبرر الشاب العشريني في حديثه لـ “السورية.نت”، قراره بأن أي شاب في اللاذقية يواجه خيارين اثنين، أحدهما “الموت ببطئ” في حال البقاء أو المجازفة بالسفر رغم المخاطر.
مضيفاً أن القارب لا يجب تسميته بـ “مركب الموت” لأنه يحمل “الخلاص” للجميع، سواء في حال الوصول أو حتى في حال الموت، حسب تعبيره.
ويرى علاء أن هذه الرحلات لن تتوقف، لأن جميع الشبان وصلوا لمرحلة اليأس، في ظل قلة فرصة العمل وتدني الأجور وعدم وجود أي فرصة لبناء مستقبل.
هجرة عقول
تشهد مدن وبلدات الساحل السوري خلال الفترة الأخيرة هجرة واسعة للشبان، بعضهم يقصد مصر وإقليم كردستان العراق والخليج، بينما يحاول آخرون الوصول إلى أوروبا عبر طرق مختلفة.
ويلفت الناشط الإعلامي في مدينة جبلة أبو يوسف جبلاوي، في حديث لـ “السورية.نت”، إلى أن “معظم المهاجرين حالياً هم من فئة خريجي الجامعات أو ما يسمى (العقول)، نظراً لصعوبة تأمين فرص عمل لهم وضعف الرواتب ورفضهم الاتجاه للوظفية في دوائر الدولة، وهو عكس ما كان يحصل سابقاً حيث كانت تشكل تلك الوظائف الرغبة الأولى للخريجين”.
ونوّه إلى أن الأنشطة التجارية والصناعية في الساحل السوري ضعيفة جداً، كما أن قطاع الزراعة يشهد انهياراً خلال السنوات الأخيرة، ما خلق أزمة بطالة عالية، لاسيما للشبان الذين قضوا سنوات عمرهم في الدراسة ولم يتعلموا أي مهنة.
ورغم حالة الحزن التي سادت محافظة اللاذقية بعد حادثة المركب، يرى الناشط أن تلك القوارب لن تتوقف في ظل استمرار الأزمات ذاتها.
يشار إلى أن عدة رحلات بحرية خرجت مؤخراً من سواحل بانياس وطرطوس، متجهة إلى جزيرة قبرص اليونانية، حيث نجح بعضها بالوصول، وكذلك تعتبر الطرق البرية نحو مناطق سيطرة المعارضة وتركيا هدفاً أيضاً لرحلات الهجرة من الساحل.