اللاذقية.. نساء عاملات يردمن “فجوة” هجرة الشباب
بين مجموعة من الرجال الذين ينادون على خضراوتهم، تقف أم أيمن (43 عاماً) بعد أن اعتادت على أجواء عملها في سوق مدينة جبلة، ورغم أنها لا تجاريهم في الصياح إلا أنها استطاعت جذب الزبائن من خلال ترتيبها للبضائع بطريقة مميزة.
حتى فترة غير بعيدة، كان من غير المألوف رؤية امراة تدير متجراً للخضار في هذا المكان، وغيره من أسواق الخضار السورية، لكن السنوات الأخيرة غيّرت الكثير من المفاهيم في مدن الساحل السوري، مع تصاعد هجرة الشبان وكثرة الوفيات في الحرب.
توفي زوج أم أيمن، الذي كان يدير ذلك المتجر قبل 6 سنوات، وترك لها ثلاثة أبناء أصغرهم الصبي الذي لم يتجاوز 12 عاماً، ما اضطرها لأخذ دوره وإعالة عائلتها عبر عملها ببيع الخضراوات في هذا المحل.
قصة أم أيمن، التي روتها مصادر محلية في مدينة جبلة لـ “السورية نت”، لم تعد غريبة في الساحل السوري، حيث يلحظ من يتجول في الأسواق والشوارع العامة ازدحامها بالعاملات النساء، بدءاً من محلات الألبسة مروراً بالمطاعم والمقاهي، وصولاً إلى محلات البقالة.
تقول زينب، خريجة قسم لغة عربية وتقيم في مدينة جبلة، إنها تعمل حالياً في محل لبيع المعجنات، مشيرة إلى أنها لم تكن “مخيرة في مسألة الالتحاق بسوق العمل وإنما مجبرة”، من أجل مساعدة زوجها في تأمين أساسيات المعيشة ودفع إيجار المنزل.
وتضيف زينب (27 عاماً) لـ “السورية نت”، أنها تعمل يومياً لمدة 10 ساعات، بينها ساعة واحدة استراحة، وبالكاد ترى ولدها الذي يبلغ من العمر 8 أعوام.
ولا تجد الشابة أي حرج في عملها الذي اعتادت عليه، كما تقول، وتضيف “قبل سنوات كان يبدو الأمرغريباً على المجتمع، أما اليوم فالكثير من العاملين في الأسواق هم من النساء، والأمر بات عادياً”.
مجالات جديدة
ومع كثرة الشواغر التي عزف عنها شبان الساحل السوري بسبب تفكيرهم بالهجرة، اخترقت النساء خلال الآونة الأخيرة مجالات عمل كانت محظورة من قبل، مثل حال أم وسيم، التي تعمل على سيارة أجرة في مدينة جبلة.
يلقى عمل أم وسيم في المدينة ترحيباً وإعجاباً في أوساط نساء المدينة، نظراً لأوضاع المدينة الأمنية التي كثرت فيها حوادث الخطف والتحرش مؤخراً.
وتقول آسيا (37 عاماً) إن حالة أم وسيم دفعت نساء جدد لخوض التجربة التي تصفها بـ “المفيدة”، وتضيف: “لا ينقص النساء المهارة أو الإرادة لخوض مثل هذه التجارب، اليوم بات سوق العمل مفتوحاً للجميع في ظل ما نعانيه، والمرأة يمكنها التعامل مع مثيلاتها من النساء بشكل أفضل”.
خاضت منى (27 عاماً) تجربة أخرى مغايرة وهي العمل في متجر لصيانة الهواتف الجوالة، بعد أن خضعت لدورة تأهيل استطاعت من خلالها تعلم المهنة والعمل في محل بمدينة جبلة.
أبدت الشابة العشرينية في حديثها لـ “السورية نت” رغبتها المستقبلية بأن تفتتح متجراً خاصاً بها لصيانة الجوالات، وترى أن المجتمع المحلي تجاوز اليوم مسألة عمل المرأة، وباتت الظروف الاقتصادية “الضاغطة” على الجميع هي الهم الأكبر، بحسب تعبيرها.
“استغلال” في الرواتب
من جانب آخر، يرى الناشط الإعلامي في مدينة جبلة أبو يوسف جبلاوي، أن مجالات العمل باتت تشهد إقبالاً كثيفاً من قبل النساء مقابل تقليل الاعتماد على الرجال، لأسباب عديدة أبرزها قبول النساء برواتب أقل، وتوجه معظم الشبان للهجرة أو العسكرة، ما فتح المجال واسعاً للاعتماد على النساء.
وقال جبلاوي في حديث لـ”السورية نت”، إن الكثير من متاجر الأغذية والبقاليات تديرها نساء في المدينة بعد هجرة أزواجهم أو اقتيادهم للخدمة الاحتياطية، كما تنشط نساء المدينة بشكل كبير بأعمال المونة والخياطة والوظائف الحكومية والبيع في الأسواق.
وختم الناشط أن “معظم العاملات يتم استغلالهم لناحية الراتب، حيث يحصلون على عائدات أقل من حقوقهم، وذلك بسبب كثرة الطلب على العمل وقلة الفرص المتوفرة”.
وتنشط هجرة الشباب بشكل كبيرمن مناطق الساحل السوري مؤخراً، نحو وجهات متعددة وبُطرق وأساليب متنوعة، ولأسبابٍ على رأسها تدهور الوضع الإقتصادي والخدمي. ومع انعدام آمال الكثيرين بحدوث تحسنٍ في المدى المنظور، فإن هدفهم الأكبر بات الوصول إلى “خارج مناطق النظام وحدود البلاد”.