اللجوء الأوكراني يحرج الدنمارك.. سوريون يواجهون “التطفيش” في مراكز الترحيل
أعادت موجة اللجوء الأوكراني نحو أوروبا التذكير بمأساة يعيشها سوريون في مراكز الترحيل بالدنمارك منذ أشهر، بعد إلغاء الحكومة الدنماركية تصاريح الإقامة الممنوحة، بدعوى أنهم ينحدرون من مناطق “آمنة” في سورية،
مراكز مليئة بالنفايات والفئران، حسب المشاهد التي نقلتها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، بعد زيارتها لتلك المراكز، مشيرة إلى أن اللاجئين السوريين يعيشون ظروفاً معيشية سيئة داخل تلك مراكز الاحتجاز، دون اكتراث من قبل الحكومة الدنماركية.
ورغم التعتيم الذي تمارسه السلطات الدنماركية على هذا الملف، أصبح ظاهراً للعلن أن عشرات السوريين في مراكز الاحتجاز ينتظرون مستقبلاً مجهولاً، وسط عدم قدرة الحكومة على ترحيلهم إلى سورية، كونها لم تعيد علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد من جهة، وخوفاً من ردود فعل دولية وحقوقية في حال أقدمت على خطوة كهذه.
“تطفيش” بدلاً من الترحيل
يقول مدير “المنظمة العربية لحقوق الإنسان”، محمد كاظم هنداوي، إن عشرات السوريين يعيشون ظروفاً “سيئة جداً” في مراكز الاحتجاز بالدنمارك، وسط افتقار أدنى مقومات الحياة، وحرمانهم من خق العمل والتعليم، فضلاً عن التقييد المشدد على تحركاتهم خارج المراكز.
ووصف هنداوي في حديثه لموقع “السورية نت”، تلك المراكز بأنها “مراكز تطفيش” وليست مراكز احتجاز أو ترحيل، كون السلطات لم تبت بأمرهم منذ أشهر، إذ مضى على وجود بعضهم ستة أشهر دون اتخاذ أي إجراء بحقهم، سواء بالترحيل أو منح الإقامات.
واعتبر أنه بتلك التصرفات فإن “السلطات الدنماركية تقول للسوريين إنه لا يوجد إمكانية لترحيلكم، فإما أن تعيشوا بهذه المراكز على مساوئها، وإما أن تجدوا طريقة للهجرة خارج الدنمارك”.
وأوضح هنداوي أنه لا توجد أرقام رسمية لعدد السوريين المحتجزين، إذ تتحفظ الحكومة الدنماركية على توفير أي معلومات حول عدد ووضع هؤلاء اللاجئين، مؤكداً أن عددهم يزداد باستمرار بعد وجدت الحكومة أن لا أحد يدافع عنهم.
وأضاف أن التوقعات تشير إلى أن ما بين 15 إلى 20 ألف لاجئ سوري في الدنمارك مهددين بإلغاء إقاماتهم، وسط مساعيهم المستمرة لمغادرة الأراضي الدنماركية نحو دول أوروبية، لكن دون جدوى.
سوريون يروون أوجاعهم بعد إصرار الدنمارك على ترحيلهم بذريعة “غير مستحقين”
وتحدث مدير “المنظمة العربية لحقوق الإنسان”، عن تجاهل الإعلام الدنماركي لما يعيشه السوريون من ظروف سيئة في مراكز الاحتجاز، مرجعاً الأمر إلى سببين: إما تقاعس من الإعلام نفسه عن تغطية أوضاعهم، أو عدم السماح له بالوصول لتلك المراكز.
وأضاف: “يوجد ضعف في إيصال الصورة ونقلها للمجتمع الدنماركي والضغط عليه لتغيير مصير هؤلاء اللاجئين”، متحدثاً في الوقت ذاته عن عدم توحد السوريين أنفسهم في إيصال صوتهم للمجتمع الدنماركي والأوروبي.
وحول مصير المحتجزين، رأى هنداوي أن الحكومة الدنماركية عاجزة عن اتخاذ قرار بترحيلهم إلى سورية، خاصة أن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ترى أن سورية “ليست آمنة” بعد لعودة اللاجئين إليها.
بعد اللجوء الأوكراني.. الدنمارك تكيل بمكيالين
مع بدء تدفق اللاجئين الأوكرانيين نحو الأراضي الأوروبية، رصدت تقارير إعلامية وحقوقية فروقات في التعامل الأوروبي بين اللاجئين من سورية وأولئك القادمين من أوكرانيا.
إذ قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها، اليوم الأربعاء، إن دائرة الهجرة الدنماركية طلبت من 98 بلدية تقييم قدرتها على استقبال لاجئين من أوكرانيا، فيما جردّت البلديات نفسها لاجئين سوريين من تصاريح الإقامة، لإجبارهم على العودة لسورية.
وبحسب التقرير، فإن الدنمارك أعفت اللاجئين الأوكرانيين من “قانون المجوهرات”، وهو قانون يسمح لسلطات البلاد بمصادرة أموال ومجوهرات طالبي اللجوء، لتمويل إقامتهم في البلاد، فيما لا يزال القانون يطبق على اللاجئين السوريين.
Denmark’s Mismatched Treatment of Syrian and Ukrainian Refugees https://t.co/x5OoRVGO2m
— Human Rights Watch (@hrw) March 16, 2022
وبررت الدنمارك سياسة “الباب المفتوح” مع الأوكرانيين بأن أوكرانيا “جار أوروبي” يواجه خطر الحرب.
إذ قال وزير الهجرة والتكامل الدنماركي، ماتياس تسفاي، “عندما تكون هناك حرب في أوروبا ويكون الجار الأوروبي معرضاً لما نراه في أوكرانيا، فلا يوجد لدي أدنى شك في أننا يجب أن نساعد قدر المستطاع، من خلال استقبال الأوكرانيين على الأراضي الدنماركية”.
إلا أن منظمة “هيومن رايتس ووتش” اعتبرت أن القوات الروسية التي تسببت بلجوء وتهجير الأوكرانيين، هي نفسها المسؤولة عن تهجير السوريين إلى البلدان الأوروبية.
وجاء في تقرير “رايتس ووتش” أن “السياسة الأوكرانية في قضية اللاجئين الأوكرانيين جديرة بالثناء، إلا أن التذرع بالتضامن الأوروبي لا يبرر المعاملة غير المتطابقة للاجئين السوريين، الذين جُرّد بعضهم من حقوقهم الأساسية وأجبروا على البقاء في مراكز الترحيل، حيث تُركوا في مأزق العيش محرومين من حق العمل والحصول على التعليم، أو العودة إلى سوريا الأسد”.
ودعا الدنمارك إلى استغلال هذه اللحظة لكبح بعض سياساتها الخاصة باللجوء، وإعادة الحماية المؤقتة لجميع اللاجئين السوريين، وتوسيع احتضانها للاجئين الأوكرانيين ليشمل آخرين أيضاً، معتبراً أن “أي شيء أقل من ذلك سينتج عنه نظام ذو مستويين يميز بين اللاجئين دون سبب موضوعي”.
يرى مدير “المنظمة العربية لحقوق الإنسان”، محمد كاظم هنداوي، أن الأحداث الأخيرة أدت إلى التشكيك بمصداقية القانون الدنماركي، الذي يرحب تارة بطالبي اللجوء، ثم يجد الذرائع لإلغاء طلبات لجوئهم.
وأضاف أن الأوكرانيين في الدنمارك يعاملون معاملة الأوروبيين، وبالتالي تختلف طريقة التعاطي معهم، مشيراً إلى أن الترحيب بهم قد يطول لكن لن يدوم، خاصة أن الشعبوية بالتعامل مع ملف اللاجئين قد تعرض الأوكرانيين لمواقف مماثلة.
وأوضح أن “الإعلام الدنماركي سوف يسلط الضوء على جميع الحوادث المتعلقة باللاجئين الأوكرانيين مستقبلاً، كما حدث مع السوريين، وقد تزيد التعبئة ضدهم مع الأيام، وبالتالي سيُنظر لهم على أنهم لاجئون بغض النظر عن جنسيتهم وقوميتهم وعرقهم”.
مستقبل مجهول للآلاف
بدأت المساعي الدنماركية لترحيل اللاجئين السوريين، قبل عامين تقريباً، متجاهلة كافة الأصوات المحذرة من العودة لمناطق سيطرة النظام السوري، موثقةً تعرض العائدين لانتهاكات “خطيرة”.
واستندت الحكومة الحكومة الدنماركية في قراراتها إلى بحث شامل وموثق، توصلت خلاله إلى أن دمشق وريفها “آمنة” ولا يستحق قاطنوها الحصول على اللجوء، كما رصدت سفر لاجئين سوريين مقيمين في الدنمارك إلى سورية وعودتهم للدنمارك دون تعرضهم للخطر.
وبحسب تقرير لمنظمة “العفو الدولية” في أبريل/ نيسان الماضي، فإن الدنمارك رفضت تجديد إقامات قرابة 380 لاجئاً سورياً على أراضيها، بين عامي 2020 و2021، ووضعت 39 منهم في وضع الترحيل إلى سورية.
فيما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لها إنه منذ أن اعتبرت دوائر الهجرة الدنماركية في عام 2019 دمشق والمناطق المحيطة بها آمنة، فقد راجعت تصاريح إقامة 1250 سورياً.
والدنمارك هي أول دولة في الاتحاد الأوروبي تحرم السوريين من وضع اللجوء في وقت تصنف فيه معظم مناطق سورية على أنها غير آمنة من قبل الأمم المتحدة.
ويعيش نحو ٣٥ ألفاً من اللاجئين السوريين في الدنمارك “على أعصابهم” في الوقت الذي تصر فيه حكومة كوبنهاغن على ضرورة عودتهم إلى سورية وبالأخص العاصمة دمشق.