يذكّر اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زاده في طهران اليوم، بسلسلة اغتيالات نفذها جهاز الموساد بين عامي 2010 و2012. كما أن توقيت الاغتيال لافت، إذ يأتي بعد الافراج عن إيرانيين اتُهموا بالتورط في رد انتقامي فاشل على اسرائيل في تايلند عام 2012.
بالإمكان تسجيل ملاحظات على الاغتيال، على المستويين الأمني والسياسي.
أولاً، في الأمن، وقوع الاغتيال في طهران يدل على مستوى الاختراق الإسرائيلي في إيران، إذ يملك هذا الجهاز قدرات تنفيذية عالية داخل الأراضي الإيرانية، دون امتلاك طهران قدرة على ردع مثل هذه الاعتداءات. كما أن من الاستنتاجات الأولية للاغتيال، أن إسرائيل التي نفذت عمليات عالية الدقة بين عامي 2010 و 2012، قادرة على مواصلة ذلك اليوم. خلال تلك الأعوام، قتل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي علماء إيرانيين أمام منازلهم وقرب أماكن عملهم في العاصمة الإيرانية وفي وضح النهار.
في المقابل، لا تملك ايران القدرة على الرد بالأسلوب ذاته، بل كان فشلها لافتاً على مستويين. أولاً، لم تكن ايران قادرة على تنفيذ رد في الداخل الإسرائيلي، وبأي شكل حتى لو من خلال وكلاء أو حلفاء. وهذا ضعف بنيوي ليس فقط في القدرات الإيرانية، بل أيضاً يشمل شبكتها الاقليمية. لهذا كان على ايران تنفيذ الاعتداء في بلد ثالث، وهو أمرٌ مُحرجٌ للايرانيين ويزيد من عزلتهم الدولية وتصنيفهم كدولة ارهابية. ثانياً، ورغم اختيار بلد ثالث، فشلت الاستخبارات الإيرانية في تنفيذ عمليات دقيقة، بل كانت الاعتداءات غبية لدرجة أنها أصابت المنفذين وحدهم بأذى، وفضحت تورط ايران. بيد أن هذه الاعتداءات تضع ايران في مصاف تنظيمات موسومة بالإرهاب مثل تنظيم “القاعدة” و”داعش”، ناهيك عن انعدام الردع. عملياً، فشلت ايران على مستويين، ما يدفع للتساؤل عمّا إذا كان هذا الفشل ينسحب أيضاً على القدرات العسكرية الإيرانية، رغم محاولات الترويج لها وللقدرة على الردع.
ثانياً، في السياسة. يأتي الاغتيال قبل شهرين فحسب من تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، وتنحي خلفه دونالد ترامب. واختيار التوقيت ليس اعتباطياً، إذ أن إيران اليوم في موقف دقيق قبل تغير الإدارة الأميركية المقبلة. في حال اختار الرئيس بايدن العودة الى الاتفاق ورفع حزمة من العقوبات الأميركية المفروضة على الجانب الإيراني، وسط ترحيب وتعاون أوروبي في هذا المجال، من المتوقع أن تشهد العلاقة بين طهران وواشنطن وبقية العواصم الغربية، انفراجة.
مثل هذه الانفراجة تُضيّق الخيارات الأمنية والعسكرية لدى الجانب الإسرائيلي وتضعه في عين المجهر. هل تريد ايران المخاطرة برد غبي وفاشل على الموساد؟ الأرجح أن الإجابة هي لا.
لكن ماذا لو واصلت إسرائيل اغتيالاتها وأصابت القدرات والمعنويات الإيرانية في مقتل، ومن ثم أبرزت إدارة بايدن شروطاً للعودة الى الاتفاق النووي ورفع العقوبات (وهو أمر محتمل جداً)؟ ستكون ايران حينها في موقف محرج وضعيف للغاية. حينها، لا أمل بعودة غير مشروطة لإيران، وبلباس المنتصر، الى المجتمع الدولي. لكن في المقابل، سيخسر النظام في ايران ماء وجهه وقدرته الضعيفة أصلاً على ردع أعدائه.
بعد دفن العالم الإيراني الذي قُتل وهو إلى جانب مرافقي الحماية، في طهران، سيكون أمام المسؤولين الإيرانيين خيارات أقلها مُرّ، وحيرة في صنع السياسة قد تتحول إلى فشل مريع في ظل انعدام كفاءات الأمن والعسكر الإيراني. وقد يكون الخيار الوحيد والأنفع أمام المسؤولين في طهران هو ممارسة اليوغا.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت