تتردد إلى الآن أصداء القرار الذي اتخذته حكومة النظام، أمس الثلاثاء، والذي ينص على إلغاء التوقيت الشتوي بشكل نهائي، واعتماد التوقيت الصيفي، في حادثة هي الأولى من نوعها في سورية منذ عقود.
وبين الأبعاد الاقتصادية والآثار الإيجابية والسلبية، اعترفت حكومة النظام أن من شأن ذلك القرار تخفيف الأعباء التي تعاني منها، خاصة على صعيد الطاقة والكهرباء والمحروقات.
لكن هل من شأن هذا القرار تحسين واقع الطاقة في سورية، أم أنه مجرد تفادي للمزيد من الانهيار الحاصل ضمن تلك القطاعات؟
انعكاسات سلبية للقرار
الباحث الاقتصادي في “مركز عمران للدراسات الاستراتييجية”، مناف قومان، يرى أن النظام لم يعد ينظر من بوابة الأثر الإيجابي أو السلبي، خلال اتخاذه أي قرار من شأنه تخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهله، إذ سبق أن رفع الدعم عن بعض المواد الأساسية، خلال الأشهر الماضية، دون حساب لتبعات القرار.
ويضيف قومان في حديثه لـ “السورية.نت”، أن “أي توفير في استهلاك الطاقة، سيوفر بعض المال على ميزانية الحكومة، بغض النظر عن الآثار الاجتماعية المترتبة على هذا القرار”.
وحسب الباحث الاقتصادي، يبلغ العجز السنوي في قطاع الكهرباء في سورية نحو 4.6 ترليون ليرة سورية، وعليه يحاول النظام اللعب على سياسة التقنين، ورفع التعرفة، وتنظيم الدعم في القطاع نفسه، والآن “جاء قرار إلغاء التوقيت الشتوي ضمن ذات الفلسفة”.
من جهته يشير الباحث الاقتصادي يونس الكريم، إلى أن النظام يهدف من هذا القرار إلى “محاولة الاستفادة من ضوء الشمس قدر الإمكان، وتوفير المحروقات والإنارة وخفض تكاليف المؤسسات الحكومية”.
لكن يرى ات المتحدث، أن هذا القرار لن ينعكس إيجابياً على السوريين، كونه “اتُخذ بصورة فجائية وسط انعدام البنية التحيتة التي تساعد الناس على التأقلم معه”.
ويضيف في حديثه لـ “السورية.نت” أن “استيقاظ الناس شتاءً خلال ساعات النهار المبكرة، سوف يؤدي إلى استهلاك المزيد من الكهرباء ويجعل فترات النهار أكثر إطالة، ما يزيد الطلب على الخدمات الأساسية التي ستشهد ضغطاً”.
ولفت إلى أن واقع الكهرباء والطاقة لن يشهد تحسناً خلال الفترة المقبلة، لأنه خلال ساعات النوم يستخدم الشخص الكهرباء والتدفئة بشكل أقل، لكن عندما يبدأ نهاره يزداد استهلاكه للكهرباء والتدفئة، ما يشكل مجهوداً كبيراً على قطاعي المحروقات والكهرباء.
إلى جانب ذلك، سوف يفاقم القرار، بحسب الكريم، من “الأضرار الصحية على الأطفال بسبب الإنهاك والإجهاد الذي سيرافقهم خلال ساعات النهار الطويلة”.
وكذلك فإن اختلاف التوقيت بين سورية والدول المجاورة لها سوف يكون له أثر سلبي، وسينعكس سلباً على حركة الاستيراد والتصدير والتنقل البري، بحسب الكريم، الذي قال إن “مثل هذه القرارات يجب أن تُتخذ بالتنسيق مع الدول المجاورة، لكن يبدو أن النظام اتخذه بشكل أحادي”.
لماذا الآن؟
تعاني حكومة النظام منذ سنوات من أزمات اقتصادية متفاقمة، إلا أنها لم تطرح سابقاً فكرة إلغاء التوقيت الشتوي واعتماد الصيفي بشكل دائم، ما دفع إلى التساؤل حول سبب اتخاذها هذا القرار الآن.
يشير الباحث الاقتصادي في “عمران”، مناف قومان، إلى أن تقادم الأزمات المالية لدى النظام وعدم قدرته على إيجاد حلول مستدامة، خلال الفترة الماضية، قاد إلى اتخاذ هذا القرار، وقد يقود لاحقاً لاتخاذ قرارات أخرى إذا فشلت خطط تأمين الكهرباء من موارد الطاقة البديلة، حسب تعبيره.
وأضاف أن “النظام كان يعول على تأمين مواد نفطية لتشغيل الكهرباء آتية من إيران وروسيا، أو دعم من دول الجوار، أو مثلاً إنتاج كهرباء من الشمس والرياح، لكن عندما فشل في كل هذه الأمور لم يعد أمامه سوى اتخاذ قرار آخر يخفف من الأعباء، لتضاف إلى القرارات الأخرى”.
واعتبر الباحث الاقتصادي أن النظام ينتهج خطوات تدريجية في تخليه عن ساسات الدعم، وتحميل المواطن أعباء مالية أكثر.
وكذلك يرى الباحث الاقتصادي يونس الكريم، أن اتخاذ النظام لهذا القرار بهذا التوقيت، هو بمثابة اعتراف بتردي واقع الطاقة والكهرباء والمحروقات في مناطق سيطرته، وبالتالي إيصال رسالة بأنه لا يوجد تحسن خلال الفترة المقبلة على هذا الصعيد، حسب قوله.
وتعاني مناطق سيطرة النظام من أزمة محروقات منذ سنوات، زادت حدتها خلال الأشهر الأخيرة، حيث يجد المواطنون صعوبة في توفير البنزين والمازوت وغيرها من المشتقات النفطية، إلى جانب انعكاس ذلك على قطاع الكهرباء عبر زيادة ساعات التقنين.
حكومة النظام “متفائلة”
بموازاة ذلك، أعلنت حكومة النظام عن قرار إلغاء التوقيت الشتوي واعتماد التوقيت الصيفي على مدار العام، خلال جلسة لمجلس الوزراء أمس الثلاثاء، دون توضيح لتفاصيل وأبعاد القرار.
وتغيب التفسيرات الرسمية للقرار، باستثناء تصريحات لرئيس “الجمعية الفلكية في سورية”، محمد العصيري، الذي قال إن لهذا القرار فوائد كبيرة من ناحية توفير الطاقة، وتحسين المستوى الاقتصادي، خاصة السياحي.
ونقلت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، عن العصيري قوله إن “الدراسات أثبتت أن اعتماد التوقيت الصيفي يوفر نحو 3.5% من الطاقة، بسبب أنه يتم استثمار أكبر فترة ممكنة من الإضاءة من ضوء الشمس”.
واعتبر أن فوائد التوقيت الصيفي على الصعيد الاقتصادي، تتمثل في إتاحة الفرصة أمام المحلات التجارية والفعاليات السياحية للعمل لساعات أطول، وبالتالي زيارة المواطنين لها لفترة أطول.
وأعلنت وزارة التربية في حكومة النظام عن تغيير أوقات الدوام في المدارس ورياض الأطفال، بناء على قرار إلغاء التوقيت الشتوي وتثبيت التوقيت الصيفي.
وأشارت في بيان لها، اليوم الأربعاء، أنه “يُعتمد بدء الدوام في جميع المدارس ورياض الأطفال العامة والخاصة، وذات الدوام الكامل والدوام النصفي، اعتباراً من الساعة الثامنة صباحاً، ويبقى توزيع ساعات الدوام خلال اليوم وفق ما هو معتمد سابقاً”.
يُشار إلى أن دول أوروبية عدة اعتمدت خلال السنوات الماضية، التوقيت الصيفي على مدار العام، إلى جانب تركيا التي اتخذت هذا القرار عام 2017، بهدف توفير الطاقة والاستفادة من ضوء الشمس قدر الإمكان.