اليونان.. “واجهة الموت” التي يجتازها سوريون للوصول لـ”حلم أوروبا”
رغم المخاطر التي تتربص بهم وتهدد حياتهم على حواف القارة الأوروبية، يستمر اللاجئون السوريون بالمضي في طريقهم نحو “حلم أوروبا”، محاولين تجاهل جميع التقارير التي تتحدث عن مأساة الغرق المتكررة في البحار، وممارسات الأمن اليوناني مع اللاجئين، وتعرضهم للاعتقال والضرب.
وأعادت حادثة الغرق الأخيرة، التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها ثاني أسوأ كارثة في البحر المتوسط منذ عام 2015، إلى الأذهان مأساة اللجوء السوري، كونها أودت بحياة 78 شخصاً وجعلت 500 آخرين بعداد المفقودين.
وعلى مدى الأعوام الـ 12 الماضية، أصبحت اليونان محطة رئيسية لمئات الآلاف من السوريين الذين فروا من سورية، وما زالوا يفرون، بحثاً عن حياة جديدة.
وواجه هؤلاء مصيراً متبايناً، بين الغرق في البحر، أو الاحتجاز والضرب والسرقة داخل الجزر اليونانية، أو الوصول إلى “الحلم المرجو” في إحدى الدول الأوروبية.
وتقع اليونان على خط المواجهة في أزمة الهجرة نحو أوروبا، خاصة عامي 2015 و2016، عندما وصلها مليون لاجئ معظمهم سوريون وعراقيون، عبر تركيا بشكل رئيسي.
وعقب ذلك انخفض عدد الوافدين بشكل حاد، نتيجة اتفاق الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، للحد من تدفق اللاجئين.
لكن الظروف المعيشية السيئة التي تعاني منها معظم المناطق في سورية، ونتيجة الضغوط التي يتعرض لها اللاجئون في تركيا من أجل العودة إلى بلادهم، رفع من وتيرة الهجرة من تركيا نحو اليونان مرة أخرى خلال الأشهر الماضية.
اليونان.. واجهة حوادث الغرق
خلال الأشهر الماضية، شهدت السواحل اليونانية ارتفاعاً بحوادث الغرق في البحر المتوسط، الذي وصفه مدير إدارة الطوارئ لدى المنظمة الدولية للهجرة، فيديريكو سودا، بأنه “طريق الهجرة الأخطر في العالم بسبب ارتفاع معدلات الموت”.
آخر هذه الحوادث كانت قبل أيام عندما هزت كارثة غرق قارب المهاجرين قبالة السواحل اليونانية العالم.
وانقلب قارب صيد محمّل بالمهاجرين وغرق قبالة شبه جزيرة بيلوبونيز اليونانية، يوم الأربعاء الماضي، ما أسفر عن مقتل 78 شخصاً على الأقل، بينهم نساء وأطفال، في حين لا يزال نحو 500 شخص في عداد المفقودين.
وحسب أقارب ونشطاء سوريون أكدوا لوكالة “فرانس برس“، أن 141 سورياً على الأقل كانوا على متن القارب.
واعترفت السلطات اليونانية بأن خفر السواحل لم يطلق عملية إنقاذ واسعة النطاق بذريعة أن المهاجرين على متنه رفضوا المساعدة.
وفي الوقت الذي طالب فيه مسؤولون أمميون بفتح تحقيق حول الحادثة، أطلق سوريون وسَم تحت عنوان “اليونان تقتل اللاجئين”.
وبالرغم من “هول” الحادثة، إلا أنها ليست الأولى من نوعها قبالة السواحل اليونانية، التي شهدت العديد من كوارث الغرق لمراكب المهاجرين، بسبب تحميلها أكثر من طاقتها.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلن خفر السواحل اليوناني غرق قاربين على متنهما عشرات اللاجئين، مشيراً أن نحو 60 شخصاً في عداد المفقودين بالقرب من جزيرة إيبويا وسط بحر إيجه.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لقي 15 مهاجراً حتفهم جراء غرق قاربهم قبالة جزيرة ليسبوس اليونانية في وسط بحر إيجه.
وفي أغسطس/ آب الماضي، غرق قارب كان يقل أكثر من 80 مهاجراً شرق جزيرة كارباثوس اليونانية، وتم إنقاذ 29 آخرين بينما فقد الآخرون.
أما أكبر حوادث الغرق كان في 2016، عندما غرق مركب كان على متنه 700 شخص قبالة جزيرة كريت اليونانية، ما أدى إلى موت وفقدان ما لا يقل عن 320 شخصاً.
وحسب احصائيات مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة فإن 3231 شخصاً لقوا حتفهم أو فقدوا في البحر المتوسط وشمال غرب المحيط الأطلسي عام 2021، و1881 شخصاً عام 2020، و1510 شخصاً عام 2019، وأكثر من 2227 شخصاً عام 2018.
بينما أكدت في تقرير صادر عنها في يونيو/ حزيران 2016 أن أكثر من 10 آلاف شخص غرقوا في البحر المتوسط خلال عامين ونصف.
وكان تحقيق لقناة “الجزيرة” القطرية أظهر عشرات المقاطع التي وثقت قيام ملثمين في قارب تابع للأمن اليوناني بإغراق قارب مطاطي للاجئين ما أدى إلى غرقهم في البحر.
وأطلق التحقيق على الملثمين اسم “جيش الظل” الذي يعمل على إغراق مراكب المهاجرين “تحت إشراف الأمن اليوناني”.
كما صدرت تقارير حقوقية أكدت تعامل القوات اليونانية بـ”عدوانية” مع قوارب مطاطية حملت لاجئين في البحر، عبر استخدام أدوات حادة لإغراقها مع الركاب.
انتهاكات ضد طالبي اللجوء
وثقت تقاير حقوقية قيام قوات الحدود اليونانية باحتجاز طالبي اللجوء وتعنيفهم وسرقتهم وضربهم قبل إعادتهم قسراً إلى تركيا.
وأكدت تلك التقارير “سوء” معاملة قوات الحرس الحدودي اليوناني، والتي وصل بعضها لدرجة “القتل”.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة العثور على 92 شخصاً دون ملابس على الحدود بين اليونان وتركيا، بعضهم مصاب بجروح في جسده.
وقالت الوكالة إن المهاجرين معظمهم من أفغانستان وسورية، وكانوا قد عبروا نهر إيفروس إلى الأراضي اليونانية في قوارب مطاطية من تركيا.
كما عثر في أغسطس/ آب الماضي على نحو 38 سورياً بينهم امرأة حامل في جزيرة صغيرة على طول الحدود التركية- اليونانية، بعدما تقطعت بهم السبل.
وأعلنت الخارجية التركية في فبراير/ شباط العام الماضي أن 19 مهاجراً لقوا مصرعهم جراء البرد، بعد إجبارهم من قبل القوات اليونانية على خلع ملابسهم والعودة إلى تركيا.
وفي أغسطس/ آب الماضي، صدر تقرير عن اللجنة السورية لحقوق الإنسان أكد تعرض اللاجئين السوريين إلى انتهاكات عدة من قبل الأمن اليوناني في أثناء عبورهم من تركيا.
وجاء في التقرير أن “القوات اليونانية تستخدم القوة المفرطة والذخيرة الحية والاحتجاز غير القانوني ضد طالبي اللجوء، وسلب ممتلكاتهم الشخصية، وإجبارهم على العودة إلى تركيا؛ من خلال قذفهم على الحدود بطرق غير إنسانية، وضربهم بشكل مبرح، وتكسير أطرافهم بالعصي والهراوات، واستخدام الكلاب البوليسية لتخويفهم”.
وأعربت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، في 18 فبراير/ شباط 2022، عن قلقها إزاء زيادة وفيات المهاجرين غير الشرعيين على الحدود بين تركيا واليونان، ورفضها إعادتهم قسراً من الحدود اليونانية.
وأفادت المنظمة بحصولها على شهادات تفيد بوجود حالات مثل إبعاد المهاجرين والترحيل الجماعي، واستخدام القوة ضد الذين يريدون عبور حدود اليونان.
أما الذين يصلون إلى اليونان يتم وضعهم في مخيمات تشبه “السجن”، حسب تقرير لوكالة الأناضول في منتصف 2021.
وقالت الوكالة إن آلاف اللاجئين يواجهون صعوبات في الحصول على المواد الغذائية الأساسية والمياه، في الوقت الذي تعمل فيه السلطات اليونانية على بناء أسوار عالية حول مخيمات اللاجئين.