انعكاسات الصراعات الدولية على العملية السياسية في سورية
التحدث عن الصراعات الدولية بين القوى المنخرطة في الصراع السوري، يمكن قراءته على مستويات مختلفة، هذه المستويات تتعلق بأجندات هذه القوى في هذا الصراع، وبالمدى الذي يمكنها تحقيقه في ظل هذا التداخل بالمصالح داخل سورية أو في خارجها.
الصراعات الدولية انكشفت عن عدم وجود ميزان قوى حاسم لأحدها، يستطيع من خلاله أن يدير توزيع الكعكة السورية فيما بينهم، فعلى ما يبدو كل اللاعبين الدوليين والإقليمين المنخرطين بالصراع السوري، جعلوا من هذا الصراع أوراق مساومات مع الآخرين لتحقيق ليس الأجندات وإنما بعضها.
فلو بدأنا بالولايات المتحدة الأمريكية سنجد أنها تعمل خارج استراتيجيات أهدافها بنشر ثقافة حقوق الانسان، وهذا واضح للقاصي والداني، فكيف تتورط دولة عظمى بدعم مليشيات خليطة من حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، والأول موجود على لوائح عقوباتها وحظرها؟
هذا الموقف لا يفسّر نوايا حسنة تدعيها الحكومات الأمريكية منذ أوباما وترامب وحالياً الرئيس جو بايدن، لأنها ببساطة هي لا تنصر حقوق الأكراد السوريين كمكون وطني سوري، بل تعمل على توظيف هذه الميليشيا لإزعاج الدولة التركية الصاعدة على سلم النمو الاقتصادي والسياسي والعسكري، بما يجعل الولايات المتحدة تُحسّ بأنه سيطير مغرداً بقوته خارج هيمنتها المعهودة على دول تدعي أنهم أصدقاؤها.
وحين نعرّج على التدخل الروسي في سورية نصرة لتثبيت نظام استبداد قهري فاسد، فهي عملياً تدافع عن نظامها الشبيه لهذا النظام، وهي تريده مرتكزاً عسكرياً في المياه الدافئة، فموقع سورية المطل على البحر المتوسط يجعل من روسيا ذات مرونة حركة عسكرية في هذا البحر الذي يطل عليه خصومها الغرب الأوربي، والأهم من النقطتين السابقتين هو رعب روسيا إذا ما انتصرت الثورة السورية وبنت دولتها الديمقراطية الجديدة، فسيجعلها نقط جذب وتحول سياسي على المديين المتوسط والبعيد على منطقة الشرق العربي برمته، وهذا يعني تقويض أنظمتها الحالية المطلقة أو المستأجرة طائفياً، بمعنى آخر تبدل مواقع المصالح في هذه المنطقة وأولوياتها.
التدخل الروسي، هذه أبعاده الواقعية، ولا يجب وضع أبعاد تخيلية كالاستفادة من الثروات كالفوسفات أو تشغيل الشركات.
الموقف الإيراني مختلف عن سابقاته كثيراً من الصراع في سورية، فهذا النظام الذي يبني دولة دينية كأنه يريد إعادة الزمن إلى الوراء، منذ قفز الخميني إلى السلطة في طهران حولها إلى سلطة ولي الفقيه، الذي تدعي الأسطورة الفارسية أنه سيعود من سردابه السري ليعيد العدل على الأرض.
بهذه الإيديولوجية ما فوق الفنتازية، والاعتماد على نظرية تصدير الثورة، واستخدام مكونات طائفية في الجوار العربي، كان نظام الملالي يريدها كأذرع لتبيث هيمنته على بلدان الجوار العربي، وذلك لغايات متعددة، منها الهيمنة على ثرواته، ومنها تحويل شعوبها إلى جموع لاطمين، ومنها منع استخدام العقل خارج نسق ولاية فكر الولي الفقيه، وهو بذلك يحول الشعوب إلى قطعان بشرية تأتمر بأمر رجل أحمق لا تاريخي العقل، ومن جهة أخرى يمنعها من النهوض بتنميتها الشاملة العلمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
إذا ما ذهبنا إلى الموقف التركي من الصراع في سورية، يجب أن نقرّ أن الحكومة التركية استوعبت أكثر من ثلاثة مليون سوري هربوا من براميل الأسد وصواريخه، وهي قدمت لهم تسهيلات كانت تتغير بين الفينة والأخرى، وهذا دليل على موقف لا يملك استراتيجية خاصة بهذا الصراع وأثره اللاحق على أمن الدولة التركية سواء لناحية عمليات التخريب من حين إلى آخر تقوم بها جماعة ال PKK بغطاء من حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو أصلاً ليس حزباً وطنيا سورياً، لأن أجندته السياسية هي أجندة الحزب الأم التركي، أي حزب العمال الكردستاني الذي لا يزال زعيمه عبد الله أوجلان سجيناً في أحد سجون تركيا المحصّنة.
الموقف التركي من الصراع السوري اتسم بآنيته وبتغيره في بعض المنعطفات، في وقت كان يلزمه استراتيجية تمنع بشكل نهائي تهديدات قوى معادية له، وفي الوقت ذاته مساعدة قوى الثورة والمعارضة على تطوير نموذج سيطرتها على الأرض ليصير نموذجا قوياً جاذباً للسوريين، وكذلك لتكون هذه المنطقة بوابة علاقات تركية عربية ندية على المستويات الاقتصادية والثقافية وغيرها من أوجه التعاون.
في ظل هذه الحقائق نستنتج أن ملف القضية السورية قيد مدٍّ وجزر محدودين، نتيجة انخراط الدول المنخرطة بالصراع السورية بصراعات أخرى، فالحرب الأذربيجانية الأرمنية كانت فعلياً حرباً غير مباشرة بين الروس والأتراك بما يخص إقليم ناغورني كراباخ، والولايات المتحدة الأمريكية التي تحمل أكثر من بطيخة صراع منها في العراق ومنها الملف النووي الإيراني، أما إيران فوضعها الداخلي منهار اقتصادياً واجتماعياً مما يؤشر على بدء انحلال نظام سياسي ديني ما قبل وطني.
وفي ظل هذه اللوحة هل وضع أحدكم سؤالاً ذا قيمة وأهمية، لماذا لم تستفد قوى الثورة والمعارضة من هذه الصراعات، وكان بإمكان الائتلاف الوطني أن يغيّر جزئياّ من ذلك من التحامه بحاضنتيه الشعبية والثورية؟، الالتحام لا يكون بتقديم تعازٍ أو تبريكات، بل ببناء علاقات ثقة بين الائتلاف باعتباره الممثل السياسي للسوريين وبين حاضنتيه، وهذا يحتاج من كل بد إلى تواجد أعضاء من الهيئة السياسية بين الناس في الداخل المحرر، أم في أماكن لجوء السوريين.
إن الحليف التركي يستطيع ببساطة تحويل الفصائل إلى جيش تقليدي، له مهامه الواضحة، ويرتبط ليس شكلياً بوزارة دفاع لا فعل لها، وكذلك يستطيع المساعدة على تطوير الحكومة المؤقتة لتكون مسؤولة عن تقديم خدماته للشعب في هذا المناطق، فما الذي تفعله حكومة عبد الرحمن مصطفى المقيمة في غازي عنتاب؟ هذا خطأ قاتل، الحكومة مدعوة ليكون مقرها في المحرر، وهذا ما يطالب به السوريون.
إن الخط الإصلاحي الذي نهض به الشيخ سالم المسلط، هو في جوهره خطٌّ يقود إل نسبية في تغيير ميزان القوى، ولكن لا يزال العمل على هذا الخط يرتكز على إبعاد قوى فاشلة وأخرى بلا رصيد سياسي، ولذلك المطلوب وجدياً تغيير قواعد أنساق اتخاذ القرار في الائتلاف ليتسم بمرونة عالية تستقطب فعلياً شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية وإعلامية حقيقية.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت