في وقت تراجعت معدلات الإصابة بفيروس “كورونا” في كثيرٍ من دول العالم، التي تعيش حالياً انفراجة نسبية على مستوى الإجراءات الاحترازية وإجراءات الحظر، لا تزال مناطق شمال غرب سورية، ضمن دائرة الخطر، حين سجّل مستويات “غير مسبوقة” بمعدل الإصابات خلال الأيام القليلة الماضية.
تحذيرات صحية أطلقتها المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري، مؤخراً، بعد تخطي عدد الإصابات اليومي حاجز 1200 إصابة، ليصل إجمالي الحالات إلى 56 ألفاً و228، والوفيات إلى 885، وسط توقعات تشير إلى أن الأعداد الحقيقية للإصابات أعلى من ذلك، ولكنها لم تسجل ضمن الاحصائيات اليومية، لعدم اجراء كافة المصابين اختبار الـ”بي سي آر” الخاصة بالفيروس.
أسباب وراء “انفجار” الإصابات
الخطر الأبرز الذي يحيط بالشمال السوري حالياً هو إشغال كافة أسرّة العناية المركزة وأسرّة الأجنحة في المراكز المخصصة لـ “كورونا”، بحسب “مديرية صحة إدلب”، التي وصفت الوضع بـ “الانفجار”، في منطقة تضم أكثر من 4 ملايين نسمة.
وعن الأسباب التي تقف وراء هذا “الانفجار”، قال مسؤول ملف “كوفيد- 19” في مديرية صحة إدلب، الدكتور حسام قرة محمد، إن السبب الرئيسي هو وصول المتحور الجديد من “كورونا” إلى مناطق الشمال السوري، المعروف باسم “دلتا”، مشيراً إلى أن هذا المتحور سريع الانتشار وأكثر إمراضية على مستوى الأطفال.
وأضاف قرة محمد في حديثه لـ”السورية نت”، أن دخول اللاجئين السوريين من تركيا إلى الشمال السوري خلال زيارة العيد، أسهم في انتشار الإصابات بشكل أكبر، كما أن فترة الصيف وما تشهده من تجمعات وزيارات، أدت لارتفاع معدل إصابات “كورونا” في عموم الشمال.
من جانبه، أكد عضو شبكة الإنذار المبكر في “وحدة تنسيق الدعم”، الدكتور محمد سالم، أن ارتفاع معدل الإصابات بدأ منذ منتصف أغسطس/ آب الماضي، مع اكتشاف أول حالة لمتحور “دلتا” شمال غربي سورية.
وأضاف في حديثه لـ”السورية نت”، أنه “رغم ارتفاع وتيرة التحذيرات حينها، لم تكن هناك استجابة فعلية من السكان بضرورة وضع الكمامات وتجنب التجمعات والأماكن المكتظة، وتلقي لقاح كورونا”، مشيراً إلى أنه من الطبيعي الوصول لهذه النقطة “غير المضبوطة” في ظل غياب الإجراءات الاحترازية.
إقبال خجول على مراكز اللقاح
في حين أكدت معظم الدول التأثير “الفعّال” للقاح “كورونا”، ودوره في ضبط عدّاد الحالات اليومية بشكل نسبي، سادت توقعات بأن يكون له نفس التأثير في مناطق الشمال السوري، مع وصول ثلاث دفعات من اللقاح لتلك المناطق، دفعتان من لقاح “استرازينيكا” ودفعة من لقاح “سينوفاك” الصيني.
عضو شبكة الإنذار المبكر في “وحدة تنسيق الدعم”، الدكتور محمد سالم، أوضح أن نسبة الملقحين من السكان في شمال غربي سورية لم تتخطَ 2% فقط، حتى تاريخ أمس الأربعاء.
واعتبر أن هذه النسبة قليلة جداً ولا يمكنها أن توقف سريان الفيروس في المجتمع، وبالتالي سيستمر الضغط على القطاع الصحي ما لم يزيد عدد متلقي اللقاح.
وبحسب سالم، فإن تلقي لقاح “كورونا” يمكن أن يُسهم بتقليل المخاطر وتجنيب الملقحين دخول العناية المركزة، مشيراً إلى أن عدد الملقحين يجب أن يزيد بشكل كبير حتى يتحقق الفارق بمعدل الإصابات اليومي، بما يخفف الضغط على المنشآت الصحية.
من جانبه، اعتبر مسؤول ملف “كوفيد- 19” في مديرية صحة إدلب، الدكتور حسام قرة محمد، أن لقاح “كورونا” هو السلاح الوحيد لضبط عدّاد الإصابات الذي يشهد ارتفاعاً كبيراً في عموم مناطق الشمال السوري.
وأضاف لـ”السورية نت” أن الأشخاص الملقحين “هم أكثر حصانة ومناعة ضد الإصابة”، مشيراً إلى أن “الأشخاص الذي خرجوا من العناية المركزة في الشمال كان أغلبهم ملقحون، والذين توفوا جراء الإصابة لم يكونوا قد تلقوا لقاح كورونا”.
يُشار إلى أن معدّل الإصابات اليومي قبيل وصول اللقاح للشمال السوري كان يتراوح بين 25 و30 إصابة يومياً، في حين ارتفع العدد مؤخراً إلى 1200 إصابة يومية، مع وصول متحور “دلتا” سريع الانتشار للمنطقة، بحسب إحصائيات شبكة الإنذار المبكر.
إشاعات تراود الأهالي
ككثيرٍ من شرائح المجتمع في دول كثيرة، سادت مخاوف لدى سكان الشمال السوري من تلقي لقاح “كورونا” في بداية وصوله للمنطقة، بحسب الدكتور محمد سالم، مشيراً إلى أنه مع انتشار متحور “دلتا” قبل شهر، زاد إقبال الأهالي على مراكز التطعيم، إلا أن الإقبال عاد للتراجع في الأيام الماضية.
وتابع أن “الإشاعات تؤثر بشكل كبير على الناس في الشمال السوري، وتراودهم مخاوف حول أضرار اللقاح ونظرية المؤامرة. لكن هذا الكلام لا ثمرة منه”، داعياً الأهالي إلى تلقي جرعتين من اللقاح بأسرع وقت لضبط الوضع.
ويوجد في مناطق شمال غربي سورية حوالي 24 مركزاً للقاح “كورونا”، بإشراف “مديرية صحة إدلب” و”فريق لقاح سورية”.
وكانت “صحة إدلب” تسلمت مطلع الشهر الجاري أضخم دفعة لقاحات مضادة لـ”كورونا”، يبلغ تعدادها 358800 جرعة من لقاح “سينوفاك” الصيني المنشأ.
وتعتبر دفعة اللقاحات الصينية، هي الأولى بعد دفعتي لقاح وصلت إلى المنطقة وهي من “أسترازينيكا” بريطاني المنشأ .
وسبق أن حذرت 22 منظمة طبية وإنسانية في شمالي غربي سورية عبر بيان مشترك، من تفشّي فيروس “كورونا” في المنطقة، وشددت على ضرورة الالتزام بالإجراءات الوقائية.
وأوضح البيان الصادر في 6 سبتمبر/ أيلول الجاري، أنّ منطقة شمالي غربي سورية تشهد ارتفاعاً غير مسبوق بأعداد الإصابات، وسط ظهور متحوّرات جديدة أشد خطورة من الفيروس الأصلي.
وأمام الحاجة إلى مراكز طبية ومستشفيات متخصصة بـ”كورونا” جاء في البيان: “وصلنا إلى مرحلة إشغال تام لكافة أسرّة العناية المركزة في مشافي كوفيد وأسرة مراكز العلاج المجتمعي”.