الحرب السورية، وهي في عامها العاشر اليوم، لم تكن أولوية لا في خوضها ولا في انهائها لإدارة دونالد ترامب التي تمضي أيامها الأخيرة في الحكم، وبوادر فريق الرئيس جوزيف بايدن تعكس انعطافة في الملف السوري ليس باتجاه جعل الحرب أولوية، بل بتغيير واضح في الموقف الأميركي.
بداية، المعضلة الأميركية في سوريا وتخبط الموقف الأميركي بدأ مع باراك أوباما بالتلكؤ دبلوماسيا وميدانيا بتحقيق الأهداف التي وضعتها إدارته. أما ترامب وفريقه فنظرتهم إلى سوريا حددتها القوى الاقليمية الأكبر وبات الوجود الأميركي هناك يرتبط بدحر إيران ومغازلة تركيا ومحاولة استعادة الرهائن الأميركيين من نظام الأسد.
ومن هنا سلم ترامب الشمال السوري لتركيا، أضعف قوات سورية الديمقراطية، وأبقى جنوده في نقاط أساسية لمراقبة التمركز الايراني بينها قاعدة التنف.
أما المعاناة اليومية للسوريين والتفاوض حول تسوية وقبول لاجئين فهي أمور ضربها ترامب بعرض الحائط، لأنها لا تناسب أولوياته الداخلية وبالتالي لم تحرز إدارته خلال أربع سنوات أي تقدم يذكر في المفاوضات. وحتى في أولويتها بالحد من نفوذ إيران في البلاد، فما من مؤشر بأن طهران ستنسحب قريبا أو بأن نفوذها تراجع لصالح قوى أخرى في الحرب.
من هنا يرث بايدن ورقة أميركية ضعيفة في الملف السوري أن من ناحية الوجود العسكري الأميركي، تراجع حلفاء أميركا على الأرض وصعوبة الضغط سياسيا.
المؤشرات الأولى لتوجه بايدن في المعترك السوري توحي بانعطافة عن فريق ترامب في الشكل والمضمون. أول هذه المؤشرات هي في عودة الدبلوماسي والمسؤول السابق في وزارة الدفاع برت ماغورك إلى البيت الأبيض. ماغورك استقال من إدارة ترامب في ديسمبر 2019 بعد اتصال الرئيس برجب طيب إردوغان واتمام صفقة الانسحاب من الشمال.
مصادر غربية تقول اليوم إن ماغورك الذي كان حاضرا في كل اجتماعات بايدن بشأن سوريا وقدم ثلاث إجازات للرئيس المنتخب حول تطورات الحرب، سيعود له القرار الأول بعد بايدن في شكل السياسة الأميركية المرتقبة هناك.
ولعل أبرز المؤشرات على ذلك كان الإعلان المبكر عن خروج المبعوث الحالي جويل رايبرن، الذي تقول المصادر نفسها إنه كان يريد البقاء إنما مواقفه وأولوياته تتضارب مع ما تريده الإدارة. رايبرن هو من الأشخاص الذي أيدوا مواجهة إيران في سوريا خلال إدارة ترامب، وحاول مع جايمس جيفري الضغط لذلك، إنما قوضتهم رغبة ترامب بالانسحاب.
ليس أكيدا اليوم بأن بايدن سيعين مبعوثا لسوريا لا بل الأرجح أن يتولى ماغورك الملف بالكامل من موقعه كمنسق للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي.
ماغورك قد يعين أيضا زهرا بيل كمديرة للملف السوري في مجلس الأمن القومي، وهي تتفق مع رؤيته بتقوية موقع الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية في الشمال والعودة إلى ما قبل مرحلة انسحاب ترامب في 2019. هذا يعني أيضا أن إدارة الملف السوري ستكون من البيت الأبيض وليس الخارجية وهو أمر معهود مع الديمقراطيين.
ماغورك سيكون تركيزه أكبر على تقوية نفوذ واشنطن ومنع عودة داعش من محاربة إيران في سوريا، وهو كان فاوض الايرانيين في العراق قبل أن يتضارب مع نوري المالكي ويسهل خروجه من الحكم في 2014.
التحدي أمام بايدن وإدارته في سوريا سيشمل نفوذ تركيا والذي تضاعف مع ترامب. وفي حين تلوح عودة المفاوضات الأميركية-التركية حول أكثر من ملف بينهم منظومة الأس 400 الروسية، موقع تركيا في حلف الشمال الأطلسي، مقاتلات الأف-35، لن يكون مستبعدا ضم الورقة السورية لهكذا مفاوضات. إنما أي تنازل بشكل يتناسب مع رؤية وماغورك سيعني تقوية حلفاء أميركا في سوريا، والتنسيق مع الأوروبيين لإضعاف الدور التركي شمالا.
لا ضوء في نهاية النفق لتسوية للحرب السورية، إنما مؤشرات أميركية على انعطافة جديدة للبيت الأبيض مع بايدن ترسخ مصالح واشنطن قبل أي طرف آخر، وتفتح باب المقايضات لتحقيق ذلك.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت