“السرطان لا ينتظر” حملة أطلقها ناشطون وعامون في القطاع الصحي في شمال غرب سورية، تحت شعار “أنقذوا مرضى السرطان” لتسليط الضوء على معاناة مئات مرضى السرطان في شمال سورية، والذين يواجهون الموت البطيء، إذ تعذر دخول المئات منهم للعلاج في تركيا خلال الأسابيع الماضية، قبل أن يعلن مكتب التنسيق الطبي في معبر باب الهوى اليوم، البدء بإدخالهم تدريجياً اعتبار من غدٍ الأربعاء.
لكن أزمة دخول مرضى السرطان في شمال غربي سورية للعلاج في تركيا، ورغم انفراجتها، كشفت عن تحديات إضافية تواجه المنظومة الطبية في الشمال السوري، وعدم قدرتها على افتتاح أقسام أو مستشفياتٍ خاصة لبعض علاجات السرطان.
ما الحلول؟
ويعيش في مناطق شمال غربي سورية، نحو خمسة ملايين نسمة، وتتوقع مصادر طبية في هذه المناطق، أن تُسجل كل عام ما بين 2000 إلى 3000 حالة سرطان جديدة، رغم ذلك فإن المنظومة الطبية تفتقر للاستجابة لمرضى السرطان.
وقد دعا العديد من الأطباء إلى حلول متوسطة وطويلة الأمد، بهذا الخصوص.
الطبيب بشير اسماعيل وهو مدير التنسيق الطبّي في معبر باب الهوى، يرى أن الحلول الإسعافية هي إدخال المرضى الذين بحاجة إلى “علاج شعاعي” إلى تركيا كون هذا غير متوفر في المنطقة.
أما الحلول المستدامة للعلاج ضمن الشمال السوري، فهي تأمين إنشاء مركز متكامل للسرطان يتم فيه التشخيص المبكر للمرض، ويتم فيه العلاج بالمراحل الأربعة الجراحي والكيماوي والمناعي والشعاعي.
وأضاف إسماعيل لـ“السورية. نت” أنه يجب تأمين الجرعات الكيماوية والمناعية للمرضى بحيث يكون الجراحي متوفر والمناعي متوفر والكيماوي متوفر.
أما العلاج الشعاعي يتم تحويله لتركيا، وبالتالي يتم تخفيف العبء بحيث 60% من المرضى تتم معالجتهم داخل سورية و40% يتم تحويلهم لتركيا.
ويوجد في شمال غرب سورية مركز الأورام في مشفى إدلب المركزي، الذي تم إنشاؤه عام 2018 من قبل منظمة “سامز”، وهو يقدم العلاج المجاني لمرضى السرطان.
أما طبيب أمراض الدم والأورام في إدلب جميل الدبل، فقد أكد أنه يجب التركيز على “نشر حملات للتوعية من خطر بعض العوامل المسببة للسرطان والمثبتة عالمياً، مثل التدخين و التلوث البيئي و الهوائي و التعامل مع بعض المواد السامة مثل الرصاص الموجود في الفيول كالبنزين و البطاريات و بعض المهن الصناعية التي يعمل فيها الأطفال و غيره”.
كما دعا لضرورة زيادة فحوصات الكشف المبكر عن بعض السرطانات مثل سرطان الثدي وعنق الرحم، في المراكز المنتشرة في الشمال السوري، ما يسهل علاجها مبكراً، ويقلل الحاجة للعلاج المناعي.
وأكد أن الكثير من السرطانات يتم اكتشافها في مراحل متقدمة، ولا يمكن تقديم الكثير من العلاج المُجدي لها.
وحول المطالبة ببناء مشفى خاص لعلاج مرضى السرطان في الشمال السوري، أكد مارتيني أن بناء المشفى يحتاج إلى مواقفه من الأمم المتحدة ويحتاج لوقت 3 سنين.
وقال مارتيني إن المطالبة بجهاز معالجة شعاعية يتوجب موافقات دولية، مضيفاً أن الجهاز الشعاعي والعلاجات الكيماوية تتبع في كل الدول لوزارات الدفاع، لأنها تعتبر من ضمن الأسلحة البيولوجية والكيماوية، مؤكداً صعوبة حصول ذلك في الشمال السوري.
من المسؤول؟
وكان مدير التنسيق الطبّي في معبر باب الهوى الحدودي، الطبيب بشير إسماعيل، قد أكد أن السلطات التركية أوقفت دخول المرضى بعد وقوع الزلزال المدمر في السادس من شباط/فبراير الماضية، نتيجة تضرر مشافي منطقة هاتاي الحدودية مع سورية.
وأعقب ذلك أعلنت تركيا في مايو/ أيار الماضي، استئناف دخول المرضى الذين كانوا يخضعون لعلاج ضمن المشافي التركية، أما الحالات الجديدة التي شخصت بالإصابة بعد الزلزال ويتوجب دخلوها للعلاج فلم تدخل أي حالة منها.
إلا أن المنسق العام لجمعية الأمل لمكافحة السرطان غياث مارتيني، يرى بأنه لا يجب تحميل تركيا المسؤولية الكاملة.
وقال مارتيني لـ”السورية.نت” إن تركيا تعرضت لهزة كبيرة بعد الزلزال الذي ضرب عشر ولايات، ما أدى إلى خروج مشفى الدولة الجديد في أنطاكيا عن الخدمة.
وأضاف أن تركيا أنشأت مراكز طبية مؤقتة لتحويل المرضى إلى الولايات المجاورة، وجمعية الأمل نقلت المرضى من أنطاكيا إلى فرع أضنا.
وأشار إلى أن استجابة الحكومة التركية مرتبطة بقدرة المشافي على استيعاب المرضى.
وأكد أن تركيا لديها أعداد محدودة تريد إدخالها حسب طاقة المشافي، مشدداً على أنه عندما تعلن تركيا إيقاف عبور المرضى من حدودها يعني أن الطاقة الاستيعابية للمشافي انتهت.
وأشار مارتيني إلى أن الحكومة التركية مستجيبة حالياً لمرضى السرطان، لكن المشافي “أتخمت بالمرضى”، متسائلاً “ماذا نستفيد إذا فُتحت المعابر ودخل كل المرضى ولم يكن هناك رعاية للمريض الذي يضطر إلى النوم في الشارع في ظل غياب المنظمات المجهزة لاستيعاب هذه الأعداد الكبيرة”.
وتابع أن المرضى السوريين بحاجة لدعم لوجيستي بعد دخولهم إلى تركيا، والبعض منهم يوجد لديهم أقرباء في تركيا يقيمون لديهم، لكن الأغلبية لا يوجد لديهم مكان إقامة ما يضطرهم للبقاء في ممرات المشافي أو الشوارع.
أرقام وإحصائيات
ويبلغ عدد مرضى السرطان في الشمال السوري قرابة 3 آلاف، بينهم 608 حالات جديدة، تم اكشافها بعد زلزال 6 فبراير/شباط الماضي.
وتشير احصائيات معبر باب الهوى الحدودي، التي حصل عليها فريق “السورية.نت”، إلى أن عدد المرضى الكلي المحولين، للدخول إلى تركيا للعلاج، من 3 مايو/ أيار الماضي، وحتى 7 الشهر الجاري، بلغ 1650 مريض، منهم 867 مريضاً مصاباً بالسرطان سواء حالات جديدة أم قديمة، ومنهم 783 مريضاً مصاباً بجراحة قلبية وأمراض عصية وغيرها.
لكن لم يدخل عبر المعبر خلال المدة الزمنية المذكورة، سوى 323 مريضاً، 259 منهم مصاب بالسرطان وهم 40 طفلاً و114 رجلاً و105 سيدات، وجميعهم حالات سابقة كانت تعالج في تركيا.
أما الحالات الجديدة التي كُشفت إصاباتها بالسرطان وبحاجة للدخول إلى تركيا للعلاج، يبلغ عددها 608 حالة، وهم 91 طفلاً و235 رجلاً و282 انثى، ولم تدخل أي حالة منهم إلى تركيا لتلقي العلاج.
وفيما يخص نوعية الإصابات الجديدة، تشير الاحصائيات إلى 114 إصابة بسرطان الثدي، و83 إصابة وجه وعنق، و66 حالة “لمفوما”، و48 مصاب بسرطان الرئة، و45 مصاباً بسرطان دم، و38 إصابة بسرطانات “ساركوما (الأنسجة)، و35 كولون، و34 ورم سحائي وفقرات.
و32 سرطان مثانة، و20 حالة مصابة بسرطان الرحم، و18 سرطان الدماغ، و18 سرطان الكبد، و13 بسرطان البروستات، و12 بسرطان الكلية، و12 بسرطان الجلد، و11 سرطان مبيض، و5 إصابات بسرطان المعدة، و4 إصابات بسرطان الخصية.
وحول أعداد الإصابات المكتشفة، اعتبر الطبيب المختص بأمراض الدم والأورام في إدلب جميل الدبل، في منشور عبر حسابه في “فيس بوك”، أن الأعداد ليست عالية جداً “كما يصور البعض، حيث أن أعداد مرضى السرطان بشكل تقريبي حوالي 3000 حالة، وهي نسبة ليست عالية” قياساً بعدد السكان.
ووفق تقديرات الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز) فإن 2000 إلى 3000 شخص سيصابون بالسرطان كل عام في شمال غرب سورية.
وتقول المنظمة عبر موقعها الرسمي أنه “من المرجح أن يتم تشخيص مرضى السرطان عندما يصل مرضهم بالفعل إلى مرحلة متقدمة، مما يجعل العلاج أكثر صعوبة ويقلل من فرصهم في البقاء على قيد الحياة”.