بعد عام على توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قانون “قيصر”، وفي ظل عرقلة نظام الأسد أي خطوة جادة نحو الحل السياسي، تستمر الولايات المتحدة الأمريكية باتباع استراتيجية “الضغط الاقتصادي” على النظام وداعميه، عبر فرض عقوبات على شخصيات وكيانات اقتصادية، إذ تعتبر واشنطن أن هذه الخطوات تكرس عزلة النظام، وتدفعه لتقديم” تنازلات”.
وعلى الرغم من فرض واشنطن عقوبات على أكثر من 100 شخصية وكيان اقتصادي تابع للنظام، خلال الأشهر الستة الماضية، إلا أن ما جديد العقوبات الأخيرة التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية، في 22 من نوفمبر/ كانون الأول، هو إدراج “المصرف المركزي” على لائحة العقوبات، ما فتح باب التحليلات والتساؤلات حول الأثار المترتبة على النظام المصرفي والمالي داخل سورية، وتعامل المصارف الأجنبية معه، الأمر الذي يجعله في عزلة مالية وبالتالي زيادة في “التضييق والخنق الاقتصادي”، كما قال لـ”السورية.نت” محللون اقتصاديون.
وبحسب البيان الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية فإن “مصرف سوريا المركزي يشرف على السياسة النقدية في سورية، وتتمثل إحدى وظائفه الرئيسية بإصدار العملة الوطنية، ويمارس المصرف هذه الوظيفة منفرداً بالنيابة عن الحكومة السورية”.
وأكد البيان أن “مصرف سورية المركزي ينظم عمليات مصارف القطاع الخاص وشركات الخدمات النقدية في الأسواق، ويعمل بمثابة وكيل المالية والإيداعات للحكومة السورية، كما تجمع مصرف سورية المركزي صلات مصرفية وثيقة بإيران، وهي أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم”.
من جهته وصف المبعوث الأمريكي إلى سورية جويل رايبرن، في مؤتمر صحفي افتراضي الثلاثاء الماضي، إضافة “مصرف سورية المركزي” رسمياً إلى القائمة، بأنه “خطوة مهمة جداً”، مؤكداً بأنه”المصرف سيكون محظوراً بشكل كامل”.
أثار العقوبات بين الأهمية والرمزية
وعلى الرغم من تقليل بعض المحللين الاقتصاديين أهمية العقوبات على المصرف، اعتبرها آخرون بأنها ستؤدي إلى “شلل اقتصادي”.
إذ قال الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، كرم الشعار، في حديثه لـ”السورية. نت”، إن “العقوبات على المصرف رمزية وأثرها شبه معدوم كونه مدرج سابقاً من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على قائمة العقوبات وبالتالي التأثير سيكون محدوداً”.
واعتبر الباحث الاقتصادي، مناف قومان، أن “العقوبات على المصرف هي استمرار بالتضييق على مداخل ومخارج تمويل النظام لاحتياجاته، وبنفس الوقت ستساهم في اعتماد النظام أكثر على شبكات غير رسمية للتهرب من العقوبات”، مشيراً إلى أن “العقوبات السابقة والحالية على المصرف أصبح شبه مكبل ولم يبق له أي دور”.
أما الخبير الاقتصادي والمصرفي، مهند علوان، كان له رأي آخر، إذ اعتبر أن العقوبات على المصرف المركزي ستترك آثاراً ستة، وهي “شلل المركزي وعدم قدرته على تغطية التحويلات الخارجية وخاصة لقطاعي الطاقة والصناعة، وهجرة رؤوس الأموال، وإغلاق عدد من المصانع التي تعاني لأعوام، وارتفاع أسعار المواد الأولية اللازمة للصناعة، إلى جانب ارتفاع متزايد لسعر الدولار أمام الليرة السورية”.
وقال علوان لـ”السورية. نت”، إن العقوبات على المصرف المركزي سوف تؤثر على عمل المصارف الخاصة ولجوئها إلى إجراءات احترازية لتغطية أي تحويل مرتبط بالنظام أو الجهات المشمولة بقانون قيصر.
في المقابل ظهرت آثار العقوبات بشكل سريع على سعر صرف الليرة السورية، الذي ارتفع بحدود 80 ليرة للدولار الواحد خلال ساعات، عقب فرض العقوبات ليصل إلى 2950 ليرة.
من جانبها التزمت حكومة الأسد الصمت حول العقوبات، ولم يصدر أي تصريح من قبل “مصرف سورية المركزي” أو حاكمه حازم قرفول، حول الآثار المترتبة، في حين تناقلت وسائل إعلام محلية وموالية للنظام رأي الاقتصادي، عامر شهدا، بأن “العقوبات الأميركية المفروضة على المركزي السوري تعقّد عمليات تحويل الأموال وتزيد كلفة المستوردات”.
بدء انسحاب البنوك اللبنانية
أثار العقوبات لن تطال المصرف المركزي فحسب، وإنما سيصل إلى مصارف دول أخرى وخاصة في لبنان، وإيران الداعمة للنظام، في حال التعامل بشكل رسمي مع المصرف لمذكور، وهو ما أكد عليه علوان بأن “مصرف لبنان المركزي سيواجه خطر التعامل مع المصارف العامة أو الخاصة بسورية وسيتجنب تغطية أي تحويلات من الممكن أن تعرضه للعقوبات”.
وعقب إدراج المصرف المركزي على قائمة العقوبات أعلن “بنك عودة- لبنان” انسحابه من سورية وبيع حصته لبنك بيمو السعودي- الفرنسي، ما عزاه محللون إلى بدء خروج المصارف والبنوك الأجنبية من السوق السورية خوفاً من العقوبات.
وأعلن بنك “بيمو السعودي- الفرنسي” عن شرائه 49% من أسهم بنك “عودة” في سورية، بعد موافقة من “مصرف سورية المركزي”، وأصدر البنك بياناً، نشره “سوق دمشق للأوراق المالية”، الخميس الماضي، قال فيه إن “مجلس إدارة بنك بيمو السعودي الفرنسي يتشرف بالإفصاح عن شرائه كامل حصة مجموعة عودة- لبنان، والتي توازي تقريباً 47% من مجموع أسهم بنك عودة- سورية، و2% من شخص طبيعي”.
وبحسب وسائل إعلام لبنانية فإن 41% من أسهم بنك عودة تعود إلى بنك “عودة سردار اللبنانية”، و3% إلى “بنك عودة سردار للأعمال”، و”ليبانون انفست” 3%، إضافة إلى أشخاص آخرين بنسبة 2%.
وعلى الرغم من ربط انسحاب “عودة” من سورية بالعقوبات، أرجعت الصحفية الاقتصادية اللبنانية، فيوليت بلعة، في حديث إلى “السورية. نت” السبب الرئيسي بخروج “بنك عودة”، إلى وضع المصارف اللبنانية بشكل عام والتي تعيد هيكلة ذاتها بعد الأزمة المالية التي تعرضت لها خلال الأشهر الماضية.
وقالت بلعة إن عقوبات قيصر الأخيرة ستسهم في تسريع خروج البنوك اللبنانية من السوق السورية، متوقعة خروج العديد من المصارف اللبنانية من سورية قريباً كونها تعتبر “سوق خاسرة”.
وحول تضرر المصارف اللبنانية من العقوبات، اعتبرت بلعة أن “العقوبات على أي بنك مركزي في العالم يؤدي إلى صعوبة التعامل معه” مؤكدة أنه لا يوجد تعامل مباشر بين المصارف اللبنانية والمصرف المركزي السوري وإنما تتم العمليات تحت الطاولة”.
وأشارت إلى أن العقوبات على المركزي السوري سيؤدي إلى تجفيف حجم انسياب الأموال وحركتها بسبب مراقبتها، وستكون الأثار والأضرار بشكل مباشر أولا على القطاع المالي في سورية، لأنه لا يوجد أي مؤسسة مالية ستتعامل مع بنك مركزي معاقب، وفي حال ثبت تعامل المصارف اللبنانية أو رجال أعمال لبنانيين مع النظام السوري بالتأكيد سيتم فرض عقوبات أمريكية عليهم، الأمر الذي سيجعل سورية في “عزلة مالية”.
أما إيران، التي تعرضت لعقوبات مماثلة خلال السنوات الماضية بسبب برنامجها النووي وشملت البنك المركزي الإيراني ومصارف إيرانية، بدأت بالحديث عن إطلاق “سويفت محلي (نظام التحويلات المالية والمعاملات بين البنوك) للاتصال بين المصارف الإيرانية والسورية لمواجهة الحظر المفروض بهذا الاتجاه”، بحسب ما قاله عضو الهيئة الإيرانية للتعاملات الاقتصادية مع سورية والعراق، غول محمدي.
وقال محمدي، بحسب وكالة “فارس” السبت الماضي، إن “التمهيدات التقنية لمشروع الاتصال الالكتروني بين المصارف السورية والايرانية يمر في مراحله النهائية، بغية معالجة مشاكل التحويلات المالية بين البلدين”.
الأموال مجمّدة يمنع تحريكها
وطرح تساؤل عقب فرض العقوبات، حول مصير الأموال العائدة لـ”مصرف سورية المركزي” في البنوك، وهل يمكن التصرف بها، خاصة وأن المبعوث الأمريكي، جويل رايبرن، أكد في مؤتمره الصحفي الافتراضي، أن “مصرف سورية المركزي سيكون محظوراً بشكل صريح باستثناء بعض المجموعات الإنسانية المحددة، وستقوم وزارة الخزانة ومكتب أوفاك بإصدار بعض الإرشادات حول ما يسمح به وما لا يسمح به في هذا الصدد”.
الصحفية الاقتصادية اللبنانية فيوليت بلعة، أكدت أن “أموال المصرف المركزي ستجمد ولا يحق لأي جهة التصرف بها ولا تصادر ولا تحرر إلا بعد سقوط النظام وقدوم حكومة جديدة تطالب بها، وفي حال بقي نظام الأسد (تم الاعتراف الدولي به مجدداً) يطالب بالأموال عبر اللجوء إلى القضاء”.
وكانت المحكمة الفدرالية في سويسرا رفضت طعناً مقدماً من قبل المصرف المركزي السوري، لحذفه من قائمة العقوبات، وأكدت أن أرصدة البنك المركزي السوري في سويسرا ستبقى مجمدة.
وحول تصريح المبعوث الأمريكي، أكدت بلعة أنه يمكن التصرف بجزء من الأموال المجمدة لمساعدة السوريين في الداخل، خاصة وأن تكلفة المساعدات كبيرة والدول المانحة تتعرض إلى أزمات اقتصادية حالياً بسبب فيروس كورونا، مشددة على أنه لا يمكن استعمال هذه الأموال إلا في الداخل السوري وللسوريين فقط.
أما الباحث الاقتصادي، مناف قومان، فقد أكد لـ”السورية. نت”، بقاء أموال المصرف المركزي مجمدة ولا يمكن تحريكها حتى يتم رفع الحظر عنها، مشيراً إلى أنه يمكن للمصرف المركزي تمويل المستوردات والمواد الأساسية، مثل الأغذية كالسكر والأرز، ولكن مع فرض العقوبات اليوم على المركزي سيكون ذلك يتم تحت مراقبة شديدة من قبل النظام المالي العالمي التي تسيطر عليه بطبيعة الحال الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حال ورود اسم المركزي السوري في أي صفقة سيتم تعقبها ومراقبتها للحؤول دون عمليات غسيل أموال يقوم بها المركزي أو لمنع أي خرق للعقوبات على النظام.
وأكد قومان أن النظام لديه طريقتان لاستيراد السلع والمواد الأساسية، إما من خلال منح عطاءات للتجار وصرف دولارات لهم عبر ما يسمى “دولار الاستيراد” وغالبا سيكون المركزي المتحكم بسعر السلعة لدى وصولها للسوق من خلال سياسات الدعم، أو التخلي عن سياسة الدعم والطلب من السوق تأمين السلع والخدمات وبالتالي سيعمد التجار إلى دولار السوق السوداء وستكون آلية التسعير بيدهم.