لم يكن الاستهداف الإسرائيلي لمواقع تابعة لإيران وميليشياتها في سورية الأول من نوعه، ولن يكون الأخير بحسب التصريحات الرسمية، لكن ما يميز الهجمات الأخيرة عن سابقتها هي الفاصل الزمني الذي لم يتعدَّ ساعات بين ضربة وأخرى.
وكانت إسرائيل قد شنت، أواخر الأسبوع الماضي غارات جوية استهدفت فيها قيادات إيرانية وقواعد عسكرية لـ”حزب الله” في تصعيد واضح له دلالاته ومآلاته، وفق مراقبين، وخاصة وأنه قوبل بتهديد إيراني بالرد “بالزمان والمكان المناسبين”، حسب بيان الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني.
“ضرب ووعيد”
وتعرضت مواقع عسكرية في محيط دمشق، ليلة الأربعاء- الخميس، لقصف إسرائيلي، ما أدى إلى إصابة عسكريين، حسب ما أعلنه نظام الأسد.
وبعد 24 ساعة من هذه الضربة شهدت العاصمة دمشق استهداف ثانٍ، وفي منتصف الليل أيضاً.
واستهدف القصف قاعدة للدفاع الجوي، إضافة إلى “هدف متحرك على المتحلق الجنوبي، يُعتقد أنه موكباً لإحدى الشخصيات الأجنبية الحليفة للنظام السوري، كان في طريقه إلى منطقة المربع الأمني في حي كفرسوسة”، حسب ما قال موقع “صوت العاصمة”.
واعترفت طهران بمقتل كلاً من المستشارين العسكريين في “الحرس الثوري” الإيراني، ميلاد حيدري ومقداد مهقاني، بالغارات الإسرائيلية على سورية.
وفي بيان لـ”الحرس الثوري” اعتبر أن “جريمة الكيان الصهيوني المجرم لن تمر من دون رد”.
كما دان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، مقتل المستشارين العسكريين، متوعداً أن “دماءهم لن تضيع هدراً”.
وقال إن “بلاده تحتفظ بحقها في الرد على إسرائيل في الزمان والمكان المناسبين”.
في المقابل توعد وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، يوم الأحد، بـ”عدم السماح لإيران وحزب الله بالتمركز في سورية”.
وقال إن الإيرانيين يرسلون أسلحتهم إلى سورية ويحاولون التمركز هناك وعلى الحدود اللبنانية، “لكن لن نسمح للإيرانيين وحزب الله بإيذائنا. لم نسمح بذلك في الماضي، ولن نسمح به في المستقبل”.
وأضاف، حسب قناة “13” الإسرائيلية: “سندفعهم خارج سورية إلى حيث ينبغي أن يكونوا”.
ماذا وراء الضربات؟
وتشير تقديرات إسرائيلية تحدثت عنها وسائل إعلام إلى أن الغارات الإسرائيلية يراد منها “إيصال رسالة للإيرانيين وحزب الله”.
وحسب القناة “14” الإسرائيلية فإن “الهجمات الثلاث المتتالية المنسوبة إلى إسرائيل على الأراضي السورية تهدف إلى إيصال رسالة إلى حزب الله”.
وقال مراسل القناة، هيليل بيتون روزين عبر حسابه في “تويتر”، إنه “على ما يبدو في المؤسسة الأمنية بعد هجوم مجيدو، كان من المهم إيصال رسالة دون الإنجرار إلى المعركة”.
وأضاف أن الهجمات “قد ألحقت بالتنظيم (حزب الله) أضراراً كبيرة، فقد أصابت آخرها مستودعات أسلحة ومطاراً يعمل تحت رعاية حزب الله”.
وكانت أجهزة الأمن الإسرائيلية، أعلنت منتصف الشهر الماضي مقتل شخص من لبنان “فجر عبوة ناسفة بالقرب من مفترق مجيدو قرب مدينة حيفا”.
كما ذكرت “القناة 13” الإسرائيلية في تقرير لها، أن “هناك علاقة بين الهجمات المكثفة التي شنتها إسرائيل في سورية، وواقعة التسلل من لبنان إلى إسرائيل وانفجار مفترق مجيدو (جنوب حيفا)”.
وقالت في تقرير سابق لها: “إن صح ذلك، فهو يعني أن إسرائيل قررت عدم الرد في لبنان، تجنباً لتصعيد مع حزب الله، واختارت بدلاً من ذلك استهداف قوات فيلق القدس المتمركزة في سورية، من منطلق أن هذه القوات هي المسؤولة عن إدارة العلاقة مع الحزب”.
وأضافت القناة: “إسرائيل تحاول من خلال هذه الهجمات إرسال رسالة إلى إيران وحزب الله، مفادها أن لديها معلومات استخبارية دقيقة تمكنها من معرفة مكان وجود القادة الإيرانيين في سورية، واستهدافهم”.
“تكتيك جديد”
وتشن إسرائيل غارات جوية على مواقع عسكرية في سورية، منذ سنوات، وتزداد هذه الهجمات طرداً بازدياد التموضع الإيراني في سورية.
وبحسب المعطيات التي سادت على مدى سنوات استهدفت الضربات بشكل رئيسي خطوط التهريب ونقل شحنات الأسلحة من طهران إلى سورية وصولاً إلى “حزب الله” في لبنان، براً أو بحراً وجواً.
لكن الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة تحولت، منذ مطلع العام الحالي، وعلى نحو أكبر إلى استهداف اجتماعات وقيادات عسكرية إيرانية في سورية، كان أبرزها في فبراير/ شباط الشهر الماضي، عندما استهدفت تجمعاً أمنياً في حي كفرسوسة بدمشق.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مصادر، حينها، أن القصف الإسرائيلي استهدف منزلاً كان يجتمع فيه مسؤولون إيرانيون وخبراء فنيون في مجال تصنيع الطائرات المسيرة.
وقال مصدر مقرب من حكومة النظام للوكالة، إن الضربة استهدفت اجتماعاً لخبراء فنيين سوريين وإيرانيين، بهدف تطوير برامج الطائرات المسيرة والقدرات الصاروخية لإيران في سورية.
فيما قال مصدر أمني إقليمي للوكالة إن أحد مهندسي “الحرس الثوري” أصيب بجروح خطيرة، ونُقل إلى مستشفى في طهران، بينما لم يصب عضوان آخران بالحرس الثوري في الاجتماع بأذى.
ويرى الباحث والمحلل السياسي، ماجد عزام أن الغارات الإسرائيلية تدرجت من استهداف البنى التحتية التي كانت تعدها إسرائيل في سورية، إلى استهداف شاحنات أسلحة مهربة تصفها إسرائيل بأنها استراتيجية، مثل منظومات صواريخ مضادة للطيران، أو صواريخ طويلة المدى أو حتى طائرات مسيرة.
ويقول عزام لـ”السورية. نت” إن “هدف تل أبيب بداية كان استهداف البنى التحتية للتموضع الإيراني، ثم انتقلت إلى قصف الخط البري للتهريب الذي يمر عبر العراق، عندما بدأت إيران تخريب معدات عسكرية لتجميعها في سورية”.
بعد ذلك “انتقلت تل أبيب إلى استهداف المطارات والموانئ عندما حاولت طهران نقل وتهريب أسلحة عبرها، وأخيراً إلى استهداف الخبرات الإيرانية”، وفق عزام.
واعتبر أن الغارات الإسرائيلية بدت أشبه بعمليات اغتيال مباشرة لضباط إيرانيين ومعاونين لهم في سورية، وليس “كمجرد قصف مواقع ومعسكرات كبيرة وشاحنات أسلحة”.
ووصف الباحث والمحلل السياسي “التحول الإسرائيلي” بأنه “نوعي”، ويؤكد بأن هناك “اختراقات كبيرة لإسرائيل في معرفة طبيعة الشخصيات الإيرانية وطبيعة مهامها ومكان اجتماعها واستهدافها في مكاتبها”.
واعتبر أن “التحول النوعي بالغارات الإسرائيلية، إضافة إلى استهداف ومنع التموضع الإيراني الاستراتيجي في سورية بات يتضمن الرد المباشر والانتقام من مسؤولين بارزين بالحرس”.
ويضيف أن ذلك يعتبر “رداً على عمليات تقول تل أبيب أن الحرس يقف وراءها، متل محاولة استهداف مطعم يهودي في أثينا وتفجير مجدو التي تقول إسرائيل أن حزب الله يقف وراءه بتعليمات إيرانية، ومن هنا يمكن فهم الغارة الأخيرة ضد مواقع تواجد حزب الله بالضبعة في محافظة حمص والتي أوقعت خسائر كبيرة بشرية ومادية بصفوف الحزب”.