ما هو التصور الروسي المستقبلي بشأن “حزب الاتحاد الديمقراطي”؟ هل اتفقت روسيا والولايات المتحدة بهذا الخصوص؟ ما مدى اقتراب “حزب الاتحاد الديمقراطي” والنظام من الاتفاق؟ ما هو نطاق العملية العسكرية الجديدة التي يمكن أن تقوم بها تركيا في سورية؟
منذ أسابيع انتشر خبر على وسائل التواصل الاجتماعي حول بدء تركيا عملية عسكرية جديدة في سورية، حيث اعتمدت بعض التقارير والاخبار حول هذه العملية المتوقعة على “الجيش السوري الحر”، وبعضها يستند على التحركات التي قامت بها القوات المسلحة التركية عبر المناطق الحدودية أو داخل سورية، وبعضها يعتمد مصادر لم يتم ذكرها.
هنا يمكننا إجراء المقارنة التالية لهذه العملية:
عندما يتم عرض الاسلحة بشكل متكرر في فيلم ما، فستنفجر أو تستخدم هذه الأسلحة بالتأكيد، لكن ماركة البندقية أو قُطر الرصاصة لا تُحدد من سيقوم بإطلاق النار، أو على من وكيف، أو متى سيتم إطلاق النار، لهذا السبب، لا يمكن لعملية التعبئة التي لا يُعرف نطاقها، سواء أكانت الغاية منها إمداد أو تعزيزات، أن تُظهر ما هو المسار الأكثر احتمالاً للعملية وحتى تحديد توقيتها؛ عموماً، وانطلاقاً من أن الحرب هي فن المفاجأة، فإن المناطق التي تتركز فيها التحركات العسكرية لا تعكس بالضرورة أين ستكون ساحة المعركة بالكامل.
لذلك، من أجل فهم التطورات في شمال سورية، ولفهم توقيت ونطاق العملية العسكرية المحتملة، لابّد من فهم التوازنات العامة، والتي سألخصها في جملة واحدة:
“نعم؛ لقد ظهر في الأفق بوادر عملية عسكرية جديدة في سورية، لكن نطاق ونتائج هذه العملية قد لا يكون كما كنا نعتقد”. لذلك، لا يشير عنوان هذا المقال إلى التطورات اللحظية في الساحة، بل يشير إلى تغيير له الكثير من الأهمية.
التوازنات في شمال سورية:
التوازنات في شمال سورية أكثر تعقيدًا مما تبدو، وهناك اعتقاد عام بأنها تقوم على ركيزة ثلاثية الابعاد وهي: “إدارة روسية -إيرانية لدمشق؛ الولايات المتحدة وPYD/PKK؛ الجيش السوري الحر والجماعات الأخرى المناهضة للنظام التي تدعمها تركيا”، وذلك بالرغم من أن وجود إيران في سورية كان مستهدفاً من قبل جميع الجهات الفاعلة الأخرى لبعض الوقت، وكذلك ملف “الجيش السوري الحر” مليء بقصص الإنشقاق، وكما أنه لا تقتصر محاولات إدارة أو توجيه PYD/PKK على الولايات المتحدة وحدها، حتى أن تحركات روسيا وخاصة في الفترة الماضية كانت كالذي يرمي الحجارة على الولايات المتحدة، وعليه تعتمد العملية المحتملة في شمال سورية على الاخذ بعين الاعتبار كل هذه التوازنات، ومع ذلك، فإن العامل الأخير هو ما يحدد بشكل مباشر مجال العملية المحتملة، ويستحق البحث والتدقيق الشامل.
ماذا تريد روسيا من حزب الاتحاد الديمقراطي “PYD”؟
بالرغم من أن موقف روسيا من “حزب الاتحاد الديمقراطي” معقد للغاية، إلا أن موسكو تستخدم “حزب الاتحاد الديمقراطي” بشكل فعّال للغاية للحصول على ما تريد.
فحسب رؤية روسيا؛ السبيل إلى إنهاء وضع “بشار الأسد” المثير للجدل على الساحة الدولية هو إعادته إلى “المجتمع الدولي” كـ “قائد منتصر” ورئيس دولة “قمع تمرد”.
منذ “أكتوبر” 2015 أحرزت روسيا تقدماً كبيراً في سعيها لتحقيق هذا الهدف، فبعد أن كان “الأسد” يواجه صعوبات في السيطرة حتى على دمشق، فهو الآن يسيطر على ثُلثي البلاد، والثلث المتبقي بيد “الجيش السوري الحر”، والجماعات المتطرفة(الراديكالية)، وحزب الاتحاد الديمقراطي” PYD”.
منذ سنتين وروسيا تقوم بخطوات تهدف لضّم المنطقة التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي “PYD” إلى سيطرة النظام، لأنه إذا أضيفت المناطق التي يسيطر عليها “PYD”إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام سيتحقق ما يلي:
1- يسيطر “الأسد” على أكثر من 85 بالمائة من البلاد.
2- تعود الموارد النفطية اللازمة لإنعاش الاقتصاد السوري المنهك، والواقعة حالياً تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي، لسيطرة النظام.
3- دمج القوى الكردية في النظام السوري، من خلال حل سياسي (حكم ذاتي) في سورية سيجعل النظام مقبولاً للدول الغربية.
4- سيكون النظام في وضع يسمح له باستخدام كل قوته ضد المعارضة، (في الواقع، لن يكون من الخطأ التفكير بأن حزب الاتحاد الديمقراطي يستطيع أن يلعب دوراً طوعياً في عملية عسكرية ضد المعارضة مقابل تنازلات معينة).
أدوات روسيا:
حسناً، كيف يمكن لروسيا أن تحقق هدفها المتمثل في ضم “حزب الاتحاد الديمقراطي” المنضوي تحت رعاية الولايات المتحدة إلى النظام؟
تستخدم موسكو أداتان أساسيتان لهذا الغرض:
الأولى: القوة العسكرية: تتقدم روسيا خطوة بخطوة شرق الفرات -الذي تعتبره الولايات المتحدة مجال نفوذها في سوري- حيث تعمل روسيا بقوتها العسكرية على سد الثغرات التي خلفتها الولايات المتحدة، منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2019.
بدأت هذه الخطوات بتسيير دوريات روسية على الطريق السريع M4 شمال الرقة، وثم تم الحصول على مواقع لها بفضل نقاط التفتيش التي أقامها النظام على طريق M4 وحوله، وايضاً تم بناء قواعدها الخاصة في مناطق القواعد التي أخلتها الولايات المتحدة في أواخر عام 2019 ، وبذلك تمكنت روسيا من التقدم في المناطق التي أخلتها الولايات المتحدة في تلك المنطقة. ولكن، خلال الفترة الماضية لم تكن الجهود الروسية لدمج “حزب الاتحاد الديمقراطي” في النظام في الأساس تتم بخطوات عسكرية، بل كانت تتم بخطوات سياسية.
مفاوضات بين روسيا وحزب الاتحاد الديمقراطي “PYD”:
وهذا يقودنا إلى الأداة الثانية: الدبلوماسية والمفاوضات السياسية:
من المعروف أن المحادثات بين النظام وحزب الاتحاد الديمقراطي “PYD” كانت تجري تحت إشراف روسيا منذ فترة طويلة، خاصة عندما بدأ يسود اعتقاد لدى جناح داخل “حزب الاتحاد الديمقراطي” بأن حماية الولايات المتحدة الأمريكية غير كافية، ليقود هذا الجناح المفاوضات مع النظام، وخاصة قبل عملية “نبع السلام” التركية في عام 2019. ونتذكر ما حدث بعد ذلك، حين رفع “حزب الاتحاد الديمقراطي” أعلام النظام في بعض المناطق لوقف تقدم تركيا؛ وانسحبت عناصرهم من بعض المناطق، لتدخل قوات النظام إلى بعض المناطق شمال “منبج” و”الرقة” دون إطلاق رصاصة واحدة، ومنذ ذلك الوقت، تسارعت حدة التنافس بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على “حزب الاتحاد الديمقراطي”.
ولكن، نقل روسيا لقوات “النظام السوري” إلى مناطق يُخليها “حزب الاتحاد الديمقراطي” ليس وضعاً جديداً، فنحن نتذكر، وجود دور كبير لروسيا في مناطق شمال سورية التي نفذت فيها تركيا وأنهت ثلاثة عمليات عسكرية.
فحينما تقدمت قوات “الجيش السوري الحر” المدعومة من تركيا إلى الشرق من “الباب” في عملية “درع الفرات”، أوقفت روسيا “الجيش السوري الحر” في “تادف” ثم أجبرته على الانسحاب، وأنشأت منطقة عازلة بين “حزب الاتحاد الديمقراطي” و”الجيش السوري الحر”، وذلك بعدما تم إدخال قوات “النظام” هناك.
وفي حالة مماثلة ايضاً منعت روسيا الدخول الى “تل رفعت” في عملية “غصن الزيتون” وكررت نفس ما فعلته في عملية “درع الفرات”، ومنذ ذلك الحين، أصبحت “تل رفعت” تحت سيطرة روسيا والجماعات المدعومة من النظام وإيران، ولا تزال “وحدات حماية الشعب” موجودة في ظلها. وأخيراً، كانت روسيا هي التي حددت طريق M4، وأثرت على رسم الحدود النهائية في منطقة عملية “نبع السلام” ووضعت النظام عند تقاطعات “عين عيسى وتل تمر”.
لكن لماذا؟
تعرف روسيا بأن الهزيمة الكاملة لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي” على يدّ القوات المسلحة التركية ستؤدي إلى تقوية “الجيش السوري الحر” وقوات المعارضة الأخرى وبالتالي السيطرة على منطقة أكبر بكثير في شمال سورية، ولهذا السبب كانت روسيا تعمل دائماً على إضعاف “حزب الاتحاد الديمقراطي” لتجاوز ما يمنع خطوتها النهائية، فكان لابد من تآكل قوة “حزب الاتحاد الديمقراطي” حتى يمكن فصله عن الولايات المتحدة قدر الإمكان، ليصبح هيكلاً يُمكن أن يتصالح مع النظام.
وتم الوصول إلى هذا الهدف تقريباً.
جهود الولايات المتحدة الاميركية لإضفاء الطابع السوري على “حزب الاتحاد الديمقراطي”:
حسنًا، لماذا مازلنا نتحدث عن العلاقة بين “حزب الاتحاد الديمقراطي” والولايات المتحدة الامريكية؟
دعونا نتعمق أكثر في المسألة، لا شك في أن “حزب الاتحاد الديمقراطي” هو جزء من “حزب العمال الكردستاني”، حتى أن “جميل بايك” -وهو الزعيم الفعلي لمنظمة “حزب العمال الكردستاني الإرهابية”- قد قال مؤخراً، أن أعضاء “حزب العمال الكردستاني” لعبوا دوراً نشطاً للغاية في تأسيس “حزب الاتحاد الديمقراطي”.
ونتيجة الرفض التركي للهيكلية التي تحاول الولايات المتحدة الامريكية إقامتها في شرق الفرات، أُجبرتْ أمريكا على البدء في محاولات للعمل على ما يمكننا تسميته بـ ” سُورنة حزب الاتحاد الديمقراطي “، وعليه ذلك يعني انفصال “حزب الاتحاد الديمقراطي” عن “حزب العمال الكردستاني”.
لذا وكجزء من الخطة سيبقى المسلحون السوريون في “حزب الاتحاد الديمقراطي” ممن لم ينضموا إلى “حزب العمال الكردستاني”، وفي الجزء الآخر من الخطة ولأسباب تتعلق بالسياق العراقي، انطلق ما يسمى بـ”عملية تصفية الفريق القديم” القادم من العراق داخل “حزب الاتحاد الديمقراطي”، وذلك من خلال وضع مكافأة على رؤوس بعض قادة “حزب العمال الكردستاني”، مما قد يعني -بطريقة ما- أن الولايات المتحدة الامريكية أعلنت بأن الوقت قد حان لتصفية “حزب العمال الكردستاني القديم”.
بالإضافة لذلك، شرعت في عملية حوار تضم أحزاباً كردية سورية أخرى غير “حزب الاتحاد الديمقراطي”، لكنها فشلت في الوصل الى هدفها في الخطوتين كلاهما.
تم تقويض عملية الحوار بين الجماعات الكردية في شباط 2020 والتي تقودها الولايات المتحدة بقوة من قبل أحد أشهر ممثلي الجناح الذي تدعمه أمريكا في سورية داخل “حزب الاتحاد الديمقراطي”، وذلك عندما تم وصف الجناح الذي أرُيد تصفيته “روج بيشمركة” – المؤلف من أكراد سوريين من غير جماعة “حزب الاتحاد الديمقراطي” التي فرت إلى شمال العراق- بأنهم “مرتزقة”، فكان هناك خلاف كبير بين “الزعيم المزعوم” لـ”وحدات حماية الشعب”، “فرحات عبدي” (المعروف باسم مظلوم عبدي)، والأحزاب الأخرى المدعومة من “الحزب الديمقراطي الكردستاني”. لكن اتضح أنه؛ في اليوم الذي قيلت فيه الكلمات التي أثارت التوتر، تم عقد اجتماع بين وفد من “حزب الاتحاد الديمقراطي”- والذي تهيمن عليه المجموعة التي يراد تصفيتها- مع النظام في دمشق.
جهود تصفية حزب “الاتحاد الديمقراطي” وحزب العمال الكردستاني”:
ظهر الصراع بين قادة حزب “العمال الكردستاني” في قنديل والقيادة الجديدة التي تحاول البروز في سورية، وذلك بعدما تضافرت جهود الولايات المتحدة الامريكية ومحاولاتها استخلاص لاعب سياسي جديد من حزب “الاتحاد الديمقراطي” ودخول روسيا شرق الفرات.
فمثلاً انتقد قادة “التنظيم الإرهابي” في “قنديل” علناً زعيم “حزب الاتحاد الديمقراطي” في العام 2020، واستمرت الخلافات الداخلية تحت الرماد طوال عام 2021. ولكن، كان انسحاب الولايات المتحدة الامريكية من أفغانستان نقطة تحول حاسمة لتبدأ روسيا في زيادة ثقلها مستغلة قلق حزب “الاتحاد الديمقراطي” الناجم عن هذا الانسحاب.
وفي بداية شهر أيلول (سبتمبر) 2021 أعلنت الولايات المتحدة أنها ستستأنف عملية الحوار بين الأكراد، محاولة أن تُوحي بأنها لم تتخل عن سورية، ولكن ما حدث كانت المحطة الأولى لوفد حزب “الاتحاد الديمقراطي” هي موسكو، قبل التوجه إلى واشنطن في 15أيلول (سبتمبر).
بمعنى أخر، كان وفد “حزب الاتحاد الديمقراطي” يُجري محادثات في موسكو خلال الأيام التي قصفت فيها القوات الجوية الروسية إدلب أكثر من غيرها، بعدها ذهب الوفد إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومكث هناك لفترة طويلة. لكن مستوى الاستقبال هناك لم يقترب من مستوى الاستقبال في موسكو.
هل تغادر الولايات المتحدة الاميركية مناطق “حزب الاتحاد الديمقراطي” تدريجياً؟
في بداية شهر تشرين الأول (أكتوبر)، تغيّرت أجندتنا بشأن سورية فجأة، فبينما كان اهتمامنا منصباً على إدلب وعلى نتائج الاجتماع بين الرئيس “رجب طيب أردوغان” والرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بدأ الحديث عن عملية تركيا ضد “حزب الاتحاد الديمقراطي”، وليست العملية الروسية في إدلب في شمال سورية، بانتظار العملية التركية طوال شهر تشرين الأول (أكتوبر)، بعبارة ” هل حدثت، هل ستحدث …؟”، أعتقد أن التطور الحقيقي حدث بطريقة مختلفة تماماً.
بالنسبة للمهتمين بالموضوع، يرجى ملاحظة ما يلي: المقابلة التي أجراها “جميل بايك”، الزعيم الفعلي “للمنظمة الإرهابية”، مع وكالة أجنبية في 26 تشرين الأول/أكتوبر، تشير إلى أن فترة حرجة قد بدأت، لأنه قال في مقابلته تلك، إن “حزب العمال الكردستاني لا يمثل إشكالية تاريخية مع عائلة الأسد والإدارة السورية”، ويرى “بايك” أنه يمكن حل المشكلة في سورية من خلال نموذج إداري مستقل (استقلال ذاتي).
علاوة على ذلك، فإنه يحدد الاستقلال الذاتي فقط في القضايا الثقافية أو التعليمية.
هل لاحظتم مدى قرب مقترحات “بايك” من مقترحات النظام أو روسيا لحل القضية الكردية في سورية في السنوات القليلة الماضية؟.
كما هبطت 12 طائرة حربية روسية “الأكثر تقدماً” في مطار القامشلي، وذلك بعد يومين من تصريحات “بايك” العلنية بأنه يمكن للنظام و”حزب العمال الكردستاني” أن يتوصلا إلى اتفاق، وبأن “حزب الاتحاد الديمقراطي” سيقبل بالحكم الذاتي (28 تشرين الأول/ أكتوبر). ونحن نتناقش “هل هبطت الطائرات، أم هل بقيت هناك؟” في حين أعلن النظام أنه سيجري مناورة عسكرية مع روسيا في شمال الرقة في نفس اليوم، وبأن الطائرات وصلت هناك لهذا الغرض.
أين تتم المناورات؟ بين كتلة جبل “عبد العزيز” وقرية في جنوب “تل تمر”، أي أنها في المنطقة الواقعة بين طريق M4 والرقة. “حسناً، وما الخطأ في ذلك؟”. تستطيع أن تسألني. دعني أوضح لك ما هو، قيل إن المجال الجوي لشرق الفرات وخاصة هذه المنطقة كان تحت سيطرة الولايات المتحدة، وبذلك تفسّر هذا المناورة إما أن يكون هناك اتفاقاً ما بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الانتقال التدريجي للمنطقة، أو أن روسيا قد ضيقت نطاق نفوذ الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، يبدو أن روسيا هي المحاور والفاعل الرئيسي لأي عملية عسكرية ليس فقط في غرب الفرات، بل وفي شرقه ايضاً.
بقي القليل، ولكن الأمر لم ينتهي بعد.
بعد أيام قليلة من المناورات، في 2 تشرين الثاني (نوفمبر)، رئيس “حركة المجتمع الديمقراطي”(TEVDEM)..(على الرغم من أنها منظمة تبدو كمنظمة غير حكومية في المناطق التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، وأداة التأثير السياسي الرئيسية لحزب العمال الكردستاني في سورية)، قال إنه “لا داعي للذهاب إلى جنيف للتوصل إلى اتفاق مع النظام، وأن الحل يمكن أن يتحقق داخل سورية من خلال المحادثات المباشرة مع دمشق”. ولسبب ما، في نفس اليوم، أعلن السفير الروسي في العراق انهم غير موافقين على عملية عسكرية من قبل تركيا، مثير للإعجاب! اليس كذلك؟ وكأنه لا وجود لآلية مشتركة بين تركيا وروسيا فيما يتعلق بسورية، وننتظر سماع هذه الكلمات من السفير الروسي في العراق.
ما مدى اقتراب حزب الاتحاد الديمقراطي من عقد اتفاق مع النظام؟
لاحقاً، في 4 تشرين الثاني (نوفمبر)، ألقى أحد الرؤساء المشاركين المزعومين للنظام الإداري الذي أسسهُ “حزب الاتحاد الديمقراطي” في سورية كلمة تحدث فيها عن أهمية الاتفاق مع النظام. وفي اليوم نفسه أفادت وكالة أنباء في شمال العراق، أن “مظلوم عبدي” استقال من منصبه كرئيس لـ YPG واستُبدل بـ “محمود رش/MAHMUT “REŞ من فريق قنديل والمقرب من إيران.
في وقت من الاوقات، كان يُعتقد أن هذا الامر جديد، ولكني أعتقد أنه هنا تم تخطي تفاصيل مهمة للغاية. أولاً: كان “مظلوم عبدي” قال لأول مرة في ديسمبر 2020 بـ” إنه سيترك منصبه الحالي” حتى أنه كتب في تلك الأيام أن الاسم الذي سيحل محله هو “محمود رش”. وثانياً: لم يتم تأكيد هذا الخبر بعد، حتى أن “مظلوم عبدي” أعلن أنه مستمر في أداء واجباته.
في نهاية المطاف، الآن على الطاولة:
أرُسلت رسائل تقرب الى النظام ضمن أجندة أعلنها فريق “قنديل” داخل حزب “الاتحاد الديمقراطي”، حيث صرح زعيم “وحدات حماية الشعب” – والذي كان يُزعم بأن لديه مشكلة مع قنديل لفترة طويلة- بقوله “لقد انتهت الحرب؛ سأخلع زيي الرسمي وسأدخل السياسة وأتخلى عن واجباتي العسكرية”، يبدو أنه يفعل ذلك رغم إرادته ولم يعد قادراً على التحكم في الهيكلية، لأنه غير مدرك ماهي إرادة الولايات المتحدة الأمريكية.
سيناريو مستقبلي:
ولكن هل ذلك حقيقي؟
أنا لا أعتقد ذلك. الأكثر قرباً من المنطق هو أن نرى انتشار شائعة مفادها أن “مظلوم عبدي” “سيخلع زيه العسكري ويدخل السياسة” كخطوة لقيادة “إدارة ذاتية” في سورية والتي سيتم إنشاؤها بالاتفاق بين “النظام” وحزب “الاتحاد الديمقراطي”.
حتى يحصل كل طرف على ما يريد؛ النظام يسيطر على 85٪ من البلاد، القوى الكردية تندمج في النظام؛ تحوّل روسيا “وحدات حماية الشعب” إلى مجموعة “ميليشيا” مرتبطة بها مباشرةً كما فعلت مع بعض مجموعات “الجيش السوري الحر” السابقة في جنوب سورية؛ ويصبح الشخص الأقرب للولايات المتحدة الاميركية رئيس الإدارة الذاتية “بهويته السياسية”. وكل ذلك بينما نحن نناقش في أية قرية او مدينة ستجري عملية عسكرية.
علينا أن لا ننسى؛ أنه لطالما كان مصير جميع المناطق في شمال سورية مترابطاً ببعضه، فالتغيير سواء كان صغيراً او كبيراً في المناطق هناك يجلب معه تغييراً جديداً، عندما بدأت عملية “درع الفرات” في أغسطس 2016، خسرت المعارضة حلب في ديسمبر 2016، وانتهت عملية “درع الفرات” في فبراير 2017. بدأت عملية للنظام وروسيا ضد منطقة “أبو الظهور” والتي تعتبر أولى العمليات في إدلب منتصف كانون الأول 2017 وانتهت بفترة وجيزة. ثم بدأت عملية غصن الزيتون في كانون الثاني 2018، بينما بدأت عملية “نبع السلام” في تشرين الأول 2019م وانتهت في وقت قصير، ليتم بعدها الضغط على زر عملية “إدلب الكبرى” للنظام في تشرين الثاني 2019. وهنا أنا لا اقول أن هذه العمليات تمت بالاتفاق المتبادل، لكن الواقع يؤكد أن جميع العمليات التي تتم في تواريخ متتالية تُظهر بوضوح أن هناك علاقة بين هذه التحركات.
كما قلت في البداية. تقييم العملية التركية المحتملة في شمال سورية يجب أن يتم ضمن هذه التطورات والتوازنات. روسيا بدأت العمل بجدية لدمج “حزب الاتحاد الديمقراطي” في النظام، فإذا نجحت في تحقيق ذلك، فإن احتمال إجراء عملية عسكرية ما سيكون منخفضاً.
ومع ذلك، إذا فشلت تحركات روسيا في شمال سورية وفشلت محاولاتها تلك بطريقة ما، فإن الخطوة الوحيدة التي سيتم اتخاذها لمحاسبة “حزب الاتحاد الديمقراطي” على هذا الفشل هي إظهار أن تركيا لن توضع على دكة الاحتياط في عملية عسكرية.
ما سيحدث بعد ذلك يبقى موضوع منفصلاً للنقاش، وبناء على الأمثلة المذكورة أعلاه، التي تظهر كيف نُفذت كل العمليات بشكل تسلسلي، فمن المحتمل أن تُنفذ عملية في جنوب إدلب.
لربما أُسيء فهم ما يحدث تماماً، ولكن مع وجود كل هذه المعلومات، إن كان يوجد لدى احدكم تفسير منطقي أكثر، فأنا مستعد للاستماع.
– (نُشر هذا المقال لأول مرة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021. على موقع FİKİR TURU باللغة التركية)
– ترجمهُ لـ”السورية.نت”: نادر الخليل
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت