تأريخ اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. ضمان الحقوق هو الأساس
حضّت كل القوانين في الحضارات القديمة والحديثة على احترام حقوق الإنسان وممتلكاته وتعريفه بواجباته، كما حرص المشرّعون على مبدأ الفصل بين السلطات التّشريعية والتّنفيذية والقضائية لضمان العدالة وحماية حقوق الإنسان وممتلكاته وتطبيق سيادة القانون على الجّميع رئيساً كان أم مرؤوساً ووضع حدود استخدام السُّلطة ومنع التعسّف فيها.
ومع التَّطور والتَّقدم في مختلف نواحي الحياة وتشعّب العلاقات البشرية والدّولية، ذهب المشرّعون إلى وضع القوانين الدّولية التي تحكم العلاقات بين مكونات المجتمع الدُّولي (الدُّول والمنظمات الدُّولية)، فتمّ تبادل السُّفراء والبعثات الدّبلوماسية، كما تمّ عقد الاتفاقيات والمعاهدات وإقرار القوانين الدّولية الخاصة والعامة، وتأسيس المنظمات الإقليمية والدّولية التي من المُفترض أن يُناط بها حماية حقوق الدّول والشُّعوب في مختلف المجالات والأصعدة.
الجَّدير بالذِّكر أن العلاقات بين الدّول والشّعوب لا يسودها السَّلام والتَّعاون والانسجام دائماً، بل غالباً ما تكون تلك العلاقات قائمة على الصِّراع والرَّغبة في السَّيطرة والتَّنافس على الموارد والنُّفوذ، فنكاد نرى أن الصِّراعات والحروب والتّهجير والإتجار بالبشر لم يتوقف على مر العصور، ومن هذه المعطيات نشأت ظاهرة سلب الإنسان لحقوقه، وبزغت فكرة حماية تلك الحقوق. ومهما تعددت أسباب الصِّراعات، يبقى المدنيون هم الأكثر تضرراً منها، فهم يدفعون ثمنها ويتحمَّلون نتائجها ويدفعون فاتورتها من دمائهم وممتلكاتهم وأحلامهم.
الأسباب المؤدّية إلى حرمان الإنسان من حقوقه كثيرة ومتشعّبة، منها الحروب والفقر وسوء الإدارة والعادات والتّقاليد البالية والتّمييز العنصري والاجتماعي وعدم المساواة.
حريٌّ بنا أن نعلم أنّ المشرّعين والفقهاء بذلوا جهدهم لوضع حدٍ لهذه المآسي، وإيقاف معاناة الأبرياء، من خلال وضع تشريعات تهدف إلى حماية حقوق الإنسان وكرامته، ولعلَّ أهم هذه القوانين: القانون الدّولي لحقوق الإنسان.
حقوق الإنسان هي حقوق يتمتَّع بها كل إنسان، لمجرّد أنّه من البشر، لا تمنحه إيّاها أي دولة، وهذه الحقوق العالميّة متأصّلة في جميع البشر، مهما كانت جنسيتهم، أو نوعهم الاجتماعي، أو أصلهم الوطني أو العرقي أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أي وضع آخر، وهي متنوّعة وتتراوح بين الحق الأكثر جوهرية، وهو الحقّ في الحياة، والحقوق التي تجعل الحياة جديرة بأن تُعاش، مثل الحق في الغذاء والتّعليم والعمل والصّحة والحريّة.. وهذه الحقوق الطّبيعية لدى البشر كافة حقوق مترابطة ومتداخلة وغير قابلة للتجزئة.
وفي الوقت الذي تأمّل فيه البشر الوصول إلى حالة من السّلام والأمن المستدام، بفعل التّطور المعيشي والانفتاح الإعلامي والثّقافي وتحوّل الكوكب إلى قرية كونية صغيرة، ورغم المحاولات الكثيرة المبذولة لحماية حقوق الإنسان، نجد أن الانتهاكات والتّجاوزات على الحقوق مازالت في ازدياد.
وبالتّزامن مع ذكرى اليوم الدّولي لحقوق الإنسان نرى الانتهاكات الصّارخة لحقوق الإنسان لا تزال مستمرة ومتفاقمة، في ظل صمتٍ دوليٍ رهيبٍ، فها هم الفلسطينيون يتعرضون لأشد أنواع العذاب والقهر والقتل حيث ما زالت تمارس بحقمهم، خصوصاً في غزة، انتهاكات للقوانين الدولية والحقوق الإنسانية..
وبنفس الصدد ومنذ ما يزيد عن عقد من الزمن يعاني أهل سوريا من جرائم الحرب والتّهجير، حين حرموا من أبسط حقوقهم في الحياة والحرية والكرامة، وبالتالي أضحت حقوق الإنسان في هذه الدول المنكوبة حبراً على ورق أمام تعنّت وإصرار قوى الظّلام والإجرام على استباحة حقوق الإنسان.
إنّ نتائج الاستهتار بحقوق الإنسان، وعدم مراعاة القوانين والأعراف التي من شأنها منحه حقوقه الرئيسية وحمايته ورعايته ورعاية مصالحه وتطلعاته، تشكّل ضربة قاصمة لأبناء هذا الجيل والأجيال القادمة.
أخيراً يمكننا القول بأنّ ضمان حصول الإنسان على حقوقه هو حجر الأساس في بناء نظام عالمي يحقّق الرّفاه والبقاء والسّلام لجميع البشر، وهو الضرورة الأولى للوصول إلى مجتمع عالمي آمن وخالٍ من انتهاكات حقوق الإنسان، يتمكن فيه الإنسان من أداء وظيفته ومعرفة كينونته وجوهره، وهي أنّ الإنسان هو خليفة الله في الأرض، ولن يتحقّق ذلك الهدف إلا في ظل وجود إرادة حقيقية فاعلة، وتطبيق نظام قانوني عالمي متكامل يحقّق الأهداف المنشودة في صون وحماية حقوق الإنسان.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت