تربية الأغنام بإدلب..مربون يبحثون عن بدائل للمهنة المهددة
صعوبات كبيرة يعانيها مربو الأغنام في الشمال السوري، الذي تشهد أسواقه حالة ركود إثر غلاء أسعار الأعلاف، وتقلص المساحات الزراعية التي تغطي الحاجة العلفية، ما دفع بعض المربين إلى بيع أغنامهم وإيجاد مهنة بديلة يقتاتون منها.
يقول زكريا أبو أحمد، المهجر من جنوبي حلب، يربي عدداً من رؤوس الأغنام بالقرب من خيمته الواقعة في مخيمٍ قريبٍ من معرة مصرين شمالي إدلب، إن أغنامه التي يربيها لكسب العيش “باتت عبئاً بعد ارتفاع أسعار الأعلاف”.
ويضيف في حديثه لـ”السورية.نت”، إن هدفه من تربية الأغنام “تأمين الحليب ومشتقاته وبيع الصغار منها في الأسواق لتأمين لقمة العيش، لكن تراودني فكرة بيع كل الأغنام التي أملكها تجنباً لخسائر إضافية لكون اسعار العلف ارتفعت كثيراً الآن، والطلب على الأغنام ولحومها في انخفاض”، معتبراً أن قلة الامطار في الشتاء الماضي، أرخى بظلاله على جفافٍ في بعض المراعي.
وتحتل الثروة الحيوانية مكانة كبيرة لدى شريحة واسعة من سكان الشمال السوري، الذي يضم مناطق ريفية وزراعية واسعة، وهي أصل من الأصول التي تحقق لشرائح مجتمعية أمنها الغذائي، إن كان ببيع الحليب أو اللحوم.
نظرة على الأسباب..وعقبات كبيرة
يُرجع عبد الحي سرميني، مدير مشروع الثروة الحيوانية في منظمة “وطن” الناشطة في شمالي سورية، سبب تراجع تربية الأغنام في الشمال السوري، إلى تقلص المساحة الجغرافية المخصصة لرعي الأغنام بعد سيطرة قوات النظام على مساحات واسعة، ما أدى إلى فقدان بعض المراعي.
ويضيف سرميني في حديثه لـ”السورية نت”، أن حالة الجفاف التي حدثت في الآونة الاخيرة، وغلاء الأعلاف المستوردة وقلة الأعلاف المحلية في المنطقة، أدت إلى تراجع تربية المواشي، فضلاً عن غلاء الأدوية البيطرية وعدم شمولية اللقاحات من قبل المنظمات لكافة مناطق الشمال.
وبحسب سرميني فإن أبرز التحديات التي تواجه مربي الأغنام، هي تذبذب أسعار اللحوم والألبان والأجبان، ما ينعكس سلباً على الإنتاجية، وعدم توفر المراعي الخصبة، وارتفاع أسعار الأدوية البيطرية، كما يضطر المربي إلى شراء العلف والأدوية للأغنام وغالباً ما يكون ذلك بالدين وبأسعار مرتفعة.
وعن دور المنظمات في تقديم دعمٍ لقطاع الثروة الحيوانية، أوضح سرميني أن بعضها يستهدف شريحة ضيقة:”نحن مثلاً نقدم مشاريع تتعلق بتقديم الأعلاف واللقاحات للأغنام، ولكن هذا لا يغطي إلا جزءاً بسيطاً من الحاجة الفعلية في ظل ارتفاع الأسعار”.
إلى جانب ذلك، تواصل منظمات تنموية في شمال غرب سورية، اهتمامها بدعم قطاع الإنتاج الحيواني “المتهالك”، والذي يعاني أزمات عدة يصعب تلافيها في ظل تركيز معظم المنظمات على دعم قطاعات “أكثر إلحاحاً”، خاصة مع الظروف المعيشية المتردية لشريحة كبيرة من السكان.
ورغم محدودية المشاريع المختصة بدعم الثروة الحيوانية، بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حملة لتطعيم الماشية في مناطق شمال غربي سورية وريفي حلب الشمالي والشرقي، كأحد أبرز الاهتمامات التي ترعاها منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية” أحد برامج “المنتدى السوري”، بالتنسيق مع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو).
وكان الدكتور منذر درويش، منسق قطاع “سبل العيش” في “إحسان للإغاثة والتنمية”، تحدث لـ”السورية نت” الأسبوع الماضي، عن تفاصيل المشروع، مشيراً إلى أن الهدف منه “تحصين الأبقار والأغنام والماعز ضد الأمراض السارية، التي قد تسبب تدهوراً في قطاع الثروة الحيوانية، ونقصاً في مصادر الغذاء، وخسائر مالية لأصحاب الماشية”.
وحملة التلقيح هذه شملت حتى الآن، تلقيح 18600 رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي ومرض الحمى القلاعية، و570 ألف رأس من الأغنام والماعز ضد الجدري.
كما استهدف المشروع تنمية المعرفة لدى مربي الثروة الحيوانية والفنيين البيطريين، حول أهمية تحصين قطعان الماشية ضد الأمراض السارية، بما فيها مرض الجلد العقدي وجدري الأغنام والماعز والحمى القلاعية.
تلقيح 700 ألف رأس ماشية..حملة لدعم الثروة الحيوانية في إدلب وحلب
وحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة في سورية سنة 2010، فإن المواشي كانت حينها تشكل نحو 40 % من الإنتاج الزراعي والحيواني في سورية، مع اعتماد 35% من المنازل الريفية على تربية المواشي في معيشتها، ووصل عدد الأغنام إلى 18 مليونًا في عموم الأراضي السورية.
ويقول نقيب الأطباء البيطريين في إدلب، حسين بلان، إن عدد رؤوس الأغنام انخفض في إدلب بنسبة 22% حيث وصلت سنة 2012 إلى نحو 725 ألف رأس، بينما لا يتجاوز عددها الآن 560 ألفاً.
مخاوف من فقدان مصدر الدخل الوحيد
بالرغم من الصعوبات التي تواجه تربية الأغنام، يتمسك بعض المربين في مهنتهم، باعتبارها مصدر دخلهم الوحيد.
محمد الأحمد، أحد نازحي ريف حلب الجنوبي، وهو مربي وتاجر أغنام، تحدث لـ”السورية.نت”، عن واقع الأغنام في الشمال السوري، إذ قال:”يعاني مربو الأغنام من قلة مساحة الرعي الطبيعية، الأمر الذي يجبرنا على شراء الأعلاف أو ضمان الأراضي الزراعية، ولكن نحن اليوم في فصل الشتاء ولا يوجد سوى العلف المستورد، الأمر الذي أجبر كثيراً من المربين على بيع أو تقليل عدد مواشيهم”.
وأضاف الأحمد، أن وضع بعض المربين اليوم “تحت الصفر”، في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها مناطق الشمال السوري، وانخفاض سعر الليرة التركية أمام الدولار، موضحاً أن سعر الطن الواحد من العلف (التبن الأبيض) وصل إلى 350 دولار، بينما كان مجانياً في كثير من مناطق جنوبي حلب وشرقي إدلب.
وبحسب الأحمد، وصل سعر طن الشعير إلى 360 دولار، وهو روسي المنشأ ذو جودة “رديئة”، بعد انقطاع الشعير البلدي والأوكراني من الأسواق، ما ينعكس سلباً على صحة ووزن الأغنام وإنتاجها من الحليب.
وكذلك تأتي جميع الأعلاف والأدوية البيطرية من تركيا، بحسب الأحمد، الذي أوضح أنها تختلف عن المنتجات المحلية التي تتميز بجودة أكبر.
وتشهد أسواق الشمال السوري حالة من الجمود، إذ أكد الكثير من المربين أنهم يذهبون إلى السوق مراراً دون أن يييعوا أي رأس، وإذا باعوا عدداً من المواشي فإنهم يدفعون ثمنها لشراء أعلاف وإطعام بقية المواشي.
أما المواشي التي تُسمّن بقصد البيع لمحلات اللحوم، لا تتناسب أسعارها مع تكلفة تربيتها، إذ كان يُباع كيلو الخروف المًربى بقصد التسمين بـ 28 ليرة تركية الشهر الماضي، وتعتبر تربيته خسارة للمربي، كما قال بعض مُربي الأغنام لـ”السورية.نت”، إذ يجب أن يباع الكيلو بـ 32 ليرة كي يحقق المُربي ربحاً “معقولاً”.
التاجر أبو حيان من ريف إدلب، يقول إنه خسر مبلغ /15/ ألف دولار في إحدى عمليات شراء الأغنام، وأصبحت تجارته حالياً تقتصر على تسمين الخراف وبيعها لمحلات القصابين، موضحاً لـ “السورية نت” أن التصدير “غير متاح” لخارج مناطق الشمال السوري، ما يجعل أسعارها منخفضة بالمقارنة مع تكلفة تربيتها.
ويأمل أبو حيان أن تتحسن أوضاع المربين مستقبلاً، لأن “هذه المهنة الوحيدة التي أتقنها ويعمل بها كثيرون غيري وهي مصدر دخلهم الوحيد”.