تفاصيل اللحظات الأولى وما بعدها..كيف عاشت سرمدا يوم المجزرة؟
من مكان إقامته في مخيم “جمعة العليوي” قرب بلدة كفرناصح غربي حلب، يشق عبد الرزاق عبد السلام(17 عاماً) يومياً بدراجته النارية مع أخوه الأصغر طارق، الطريق الترابية تارةً والمعبّدة في أجزاءٍ منها، ليقطع مسافة ثلاثة عشر كيلو متراً إلى معمل للبطاطا الصناعية في منطقة باب الهوى الحدودية مع تركيا.
يقضي عبد الرزاق مع أخيه يومهم في المعمل، قبل أن يعودوا للمخيم حيث تقيم عائلتهم المُعتمدة عليهم في تأمين قوتها، وتنتظرعودتهم يومياً عند المساء، وهو ما لم يحصل بشكل اعتيادي يوم السادس عشر من هذا الشهر، حيث وصلوا المشفى، بعد حملة القصف الذي تعرضت له مناطق سرمدا ومحيطها.
“طلبت من أخي طارق مغادرة المعمل بسرعة بعد سقوط قذيفة”، يقول عبد الرزاق، إلا أنّ القذائف الأخرى كانت أسرع من كل شيء وشلت حركة العمّال تماماً.
يضيف عبد الرزاق لـ”السورية.نت”:”لم أشعر بالإصابة بدايةً، بسبب حرارة الشظايا، وحينما هممت لأسعف أحد المصابين، وجدت نفسي فجأة في سيارة الإسعاف باتجاه مستشفى باب الهوى”.
وفي وقتٍ نجا فيه طارق من القصف، كان عبد الرزاق، أحد ضحايا استهداف قوات الأسد طريق مدينة سرمدا ـ باب الهوى، بعد إصابته بالساقين ومنطقة العنق.
وعبد الرزاق هو واحد من بين 20 مدنياً أصيبوا بالقصف، لكن 4 آخرين قتلوا حسب توثيق “الدفاع المدني السوري” بقذائف “كراسنوبول” الروسية الليزرية الموجّهة، التي أطلقتها قوات الأسد على مناطق سكنية وتجارية تُعتبر شرياناً حيوياً للسكان في محيط مدينة سرمدا يوم السبت الماضي.
ويعدّ استهداف الشريان الحيوي من قبل قوات الأسد، تطوراً ملحوظاً في وتيرة التصعيد، لما يمثله من تهديد مباشرٍ للحركتين الإنسانية والتجارية، فضلاً عن عشرات المخيمات الممتدة على سفوح الجبال والسهول في المنطقة المُستهدفة.
حذر وترقب
على طريق سرمدا ـ باب الهوى، وعلى بعد أقل من 800 متر من موقع الاستهداف، كان يوسف حميداش مشغولاً في افتتاح صالته الجديدة لصيانة “إطارات السيارات المطاطية” يوم القصف، حيث قال لـ”السورية.نت”، إن الحركة كانت طبيعية في المكان و “فجأةً بدأ القصف.. العمّال تركوا أعمالهم وفرّوا”.
وبينما يعمل يوسف المهجّر من مدينة خان شيخون جنوبي إدلب، في ورشته التي افتتحها حديثاً على الطريق الحيوي الذي يشهد حركة تجارية وصناعية، فإنه يقول “سلّمنا الأمر لله، مثلما تركنا أرزاقنا في خان شيخون وخسرنا كل شئ هناك.. من المتوقع أن نترك كل شيء هنا ونرحل”.
تجمع سكاني وتجاري ضخم
يقول رئيس مجلس مدينة سرمدا، رامي قزة لـ”السورية.نت”، إنّ “الحركة التجارية خلال السنوات القليلة الماضية في محافظة إدلب والأرياف المحيطة بها، ارتبطت بشكل وثيق في مدينة سرمدا، إذ تصل الأعداد يومياً، خلال وقت الذروة لأكثر من 250 ألف مدنيّ في المدينة، في ظل إقبال التجّار والباعة والمستهلكين”.
وتحوّلت مدينة سرمدا المتاخمة للحدود التركية، إلى مركز تجاري يورّد لكافة أسواق منطقة شمالي غربي سورية، أبرز المواد المستهلكة على رأسها الغذائية، فضلاً عن سوق التصريف الذي يعتبر عصب التداول التجاري، إضافة لوجود أسواق السيارات والأثاث المنزلي.
وبحسب إحصائية “مجلس المدينة” فإنّ 1200 محال تجاري يعملون في سوق المدينة الرئيسي والأسواق الفرعية الأخرى.
وقال قزة، إنّ الحركة التجارية والمدنية داخل المدينة شُلّت يوم القصف السبت الماضي، مضيفاً أن أي قصف يستهدف المدينة قد يتسبب بمجزرة، نتيجة الاكتظاظ السكاني والتجاري.
ويقطن في مدينة سرمدا حوالي 105 آلاف نسمة، بينهم 85 ألفاً من النازحين، فضلاً عن انتشار أكثر من 45 مخيماً في حدود المدينة الإدارية.
ويحذر رئيس المجلس المحلي في المدينة، من تكرار القصف “لأنه كفيل بشلّ الحركة التجارية، وخاصةً على الطريق الواصل بين مدينة سرمدا ومعبر باب الهوى حيث مكان القصف الأخير، فهو خطّ الإمداد التجاري والإنساني للمنطقة كلها”.
قلق بين التجّار
وسرعان ما عادت الحركة التجارية والإنسانية طبيعية، بعد يومين لمنطقة سرمدا، لكن بحذر في ظل استمرار تهديدات قوات الأسد وروسيا للمنطقة، وهو ما دفع تجاراً وأصحاب محال تجارية إلى التخمين بـ”انفجار مفاجئ” في أي وقت.
في هذا السياق، اعتبر عبد الحميد خالد، وهو تاجر مواد كيميائية ومنظفات في سوق المدينة، أنّ “تأثير القصف على الحركة التجارية يتلخص في عدة نقاط أبرزها الكساد وإيقاف عمليات البيع والشراء، فضلاً عن توجّه التاجر نحو تصريف البضاعة حتى لا تترتب عليه خسائر إضافية”.
أما أحمد السيد، تاجر مواد غذائية في سرمدا، فقد قال إنّ “القلق والترقّب هو سيد الموقف في هذه الفترة لمختلف التجّار سواء في سرمدا أو المناطق الأخرى في إدلب”.
وأضاف في حديثه لـ”السورية.نت”، إنّ “أثر القصف على سرمدا كان له وقع حتى على تجار مدينة إدلب، على اعتبار أنّ سرمدا شريان تجاري لجميع المناطق”.
استهداف النشاط الإنساني
يقول محمد عقيل كناص، المدير في منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية” إحدى برامج “المنتدى السوري”، إنّ “قصف منطقة معبر “باب الهوى” أو محيط مدينة سرمدا “عرقلة لعمل المنظمات الإنسانية في استجابتها لحوائج النازحين في شمالي غربي سورية، سواء على الصعيد الطبي أو الإغاثي وغيرها من القطاعات، كما يضع حركة المعبر في خطر كبير أمام قوافل المساعدات الإنسانية”.
وأضاف لـ”السورية.نت” أن “لمدينة سرمدا أهمية كبيرة جداً في المناطق المحررة تتمثل بثلاث محاور، الأولى موقعها الجغرافي، حيث أنها على تخوم معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا وهو شريان الحياة للمنطقة، أما الثاني فإن أغلب مكاتب المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية تقع في منطقة سرمدا ومعبر باب الهوى”.
أما المحور الثالث، كما يقول كناص، الكثافة السكّانية العالية جداً ضمن المدينة والمخيمات المحيطة بها.
وختم حديثه بأن “استهداف المدنيين في هذه المناطق المكتظة ليس له أي مبرر في أي شريعة أو قانون”.
وخلال شهر سبتمبر/أيلول الفائت، أوضحت إحصاءات لـ”معبر باب الهوى” أن كمية المواد الإغاثية الواردة لمنظمات العمل الإنساني في إدلب، بلغت 16 ألفاً و624 طناً، توزعت بين مواد غذائية، ولوجستية وصحية وكساء وطبية.
المخيمات: لا مفر
يبدو من العوامل الإضافية التي تُحبط المهجّرين السوريين نحو مخيمات الحدود السورية – التركية، أن يمتد القصف إلى مناطق قريبة منهم أو تشملهم، بعد أن كانت لسنواتٍ معدودة ملاذاً أخيراً شبه آمن، على حدّ تعبير العديد منهم.
ومن بين هؤلاء، سكان مخيم “تلال حلب” الذي يبعد مسافة 500 متر عن إحدى مواقع الاستهداف.
أبو حسين (35 عاماً)، الواصل إلى المخيم قبل سنتين مهجراً من منطقة ريف حلب الجنوبي، إثر العمليات العسكرية من قبل قوات الأسد وروسيا، أوضح في حديثٍ لـ”السورية.نت” أن لا مفرّ أمامهم بعد وصول القصف إلى المنطقة الحدودية حيث يقطن فيها مع أسرته وأقاربه، و”أمام معطيات القصف الجديد، الوضع سيكون أكثر مأساوية”.
يؤكد أبو حسين، أنّ آثار القصف من شظايا وغيرها وصلت إلى المخيم، الذي أصاب الهلع جميع سكانه.
ويقطن في مخيم “تلال حلب” الكائن على طريق سرمدا ـ باب الهوى، حوالي 540 عائلة مقسمة إلى أربعة قطّاعات.
ويصف ذات المتحدثى حال سكّان المخيم حين القصف: “الناس تركت كل شيء خلفها وسحبت أطفالها وهربت باتجاه الجبل”.
وتعلّق السيدة خديجة عليوي (80 عاماً): “طفشنا يا ولدي طفشنا، وين نروح؟”.
لا يقف سؤال الحيرة في وجهة الهروب الجديدة، عند الثمانينة خديجة، بحال تصاعد القصف، إنما ينسحب على كافة سكان منطقة إدلب، نازحين ومقيمين.
ومستلقياً على فراش رقيق في الخيمة، ينتظر عبد السلام أن يتماثل للشفاء ويعود للعمل مع أخيه طارق، في الوقت يتطلع فيه أن يتحسن مرتبه اليومي البالغ 25 ليرة تركية.
ومع استمرارها في عملية العلاج، تترقب عائلة ياسر عبد السلام تطورات التصعيد القائم في المنطقة، دون إمكانية تخمين المصير المنتظر.
يقول ياسر:”اليوم نحن هنا وغداً الله أعلم”، في إشارة إلى احتمالية التهجير والرحيل مع تصاعد وتيرة الهجمات والقصف أو زحف قوات الأسد بدعم روسي نحو مناطق جديدة.
ويدعم مخاوف العائلة استمرار الهجمات، وقصف قوات الأسد مدينة أريحا جنوبي إدلب، قبل يومين ما أدى إلى مقتل 12 مدنياً بينهم أطفال مدارس، وإصابة 20 آخرين، وهو ما ينذر بارتفاع الفاتورة الإنسانية بين السكّان وسط مخاوف من بدء هجمات برية لقوات النظام وحلفاءه.