استمر مقاتلو تنظيم “الدولة الإسلامية”، في شن هجمات ضد قوات نظام الأسد وميليشياته، وأخرى ضد “قسد”، لتسفر آخر هذه العمليات في 20 من الشهر الجاري، عن مقتل 13 عسكرياً من جنود النظام، بعد هجوم استهدف حافلتهم في ريف الرقة.
ويأتي هذا الهجوم، ضمن سلسلة عمليات للتنظيم مصدرها البادية السورية، التي يتحرك فيها مقاتلوه، لاستهداف أرتال، ومواقع قوات الأسد وميليشيات إيران، أو شخصيات ومقرات داخل مناطق سيطرة “قسد”.
وتنحصر أغلب الهجمات، عبر اتباع طريقة القتل بـ”العبوات الناسفة”، إلى جانب الكمائن التي تنفذها خلايا التنظيم، وخاصة في المنطقة الممتدة من ريف حمص الشرقي، وصولاً إلى دير الزور.
وفي منتصف يونيو/ حزيران2021، أشاد المتحدث الرسمي باسم التنظيم “أبي حمزة القرشي” بعمليات هذه الخلايا المنتشرة في البادية السورية، بموازاة خلايا أخرى في بادية الأنبار، وباقي الأراضي العراقية.
وقال القرشي، إن تلك العمليات، هي السبب الرئيس لحملات ملاحقة التنظيم في هذه المناطق من قبل “الحشد الشعبي” والجيش العراقي من جهة الأراضي العراقية، وجيش النظام والميليشيات الإيرانية و”قسد” في سورية.
واعتبر “المتحدث الرسمي” في تسجيل صوتي تناقلته معرفات تابعة للتنظيم، أن عمليات ملاحقة خلايا الأخير في البادية “لا فائدة منها”.
البادية.. الملاذ الأخير
تبلغ مساحة البادية السورية نحو 80 ألف كيلومتر مربع، وتتوزع على محافظات: دير الزور، الرقة، حلب، حماة، حمص، ريف دمشق، والسويداء.
وتتخذ خلايا التنظيم من تلك المناطق أماكن للاختباء، منذ أن طُرِدَوا من مناطق دير الزور والميادين والبوكمال أواخر عام 2017، بعد سيطرة قوات الأسد على مناطق غرب الفرات، والتي تسمى بـ”الشامية”، وبعد إعلان الولايات المتحدة القضاء على التنظيم بشكل كامل، والسيطرة على آخر معاقله في منطقة الباغوز بريف دير الزور الشرقي.
لكن لم تمض أشهر عدة من ذاك التاريخ، حتى انتشرت مخاوف من لملمة التنظيم قواه في البادية لتأمين بقائه، عبر إعادة هيكليته التنظيمية، والاستمرار في العمليات العسكرية والأمنية وفق أسلوب الكمائن والهجمات المباغتة.
استراتيجية مختلفة
أبرز الضربات التي نفذها التنظيم ضد قوات الأسد، منذ تحصنه في البادية، كانت مطلع العام الماضي، إذ استهدف حافلة مبيت أثناء توجهها من دير الزور إلى مدينة حمص، ما أدى إلى مقتل وإصابة نحو 40 عنصراً.
وحسب تقارير إعلامية غربية، فإن نشاط خلايا التنظيم في البادية، يأتي ضمن استراتيجية مختلفة بشكل جذري عن استراتيجياته السابقة في القتال، خاصة من ناحية تنقّل المقاتلين، أو أساليب الاستهداف المحددة.
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، عن رأيها في هذا المجال، من خلال تقرير أصدرته في 31 مارس/ آذار 2020، قالت فيه إن التنظيم يحافظ على “مستوى منخفض” من عملياته داخل المنطقة الشرقية في سورية، بالإضافة إلى قدرته على اتخاذ إجراءات دفاعية محدودة من حيث النطاق والمدة وعدد المقاتلين.
وحسب التقرير: “لدى الإدارة الأمريكية تخوف من قدرة التنظيم على إعادة تشكيل نفسه في البادية السورية في وقت قصير، بما يتجاوز القدرات الحالية للولايات المتحدة لتحييده”.
على الطرف المقابل
وتملك الميليشيات الإيرانية، قواعد عسكرية وحواجز في مناطق متفرقة في البادية السورية، وبالأخص على الطريق الواصل بين ريف حمص الشرقي ومحافظة دير الزور.
ومنذ مطلع عام 2021 تخوض ميليشيات مدعومة من روسيا عمليات عسكرية برية في منطقة البادية، ورغم الدعم المقدم لها من قبل الطائرات الحربية، إلا أنها لم تتمكن من كبح نشاط التنظيم.
وتعتمد القوات الروسية في عملياتها العسكرية ضد “تنظيم الدولة” في البادية، على قوات النظام وميليشيات محلية، تتبع لها وعلى رأسها “الفيلق الخامس”، و”الدفاع الوطني”، إلا أن ذلك لم يسفر عن أي نتائج فعلية على الأرض.
ويستبعد المحلل والخبير العسكري، العقيد إسماعيل أيوب، أن يتمكن الروس من إنهاء نفوذ التنظيم في البادية السورية “في وقت قريب”، ويقف وراء هذا الرأي أسباب عدة، من بينها صعوبة تضاريس المنطقة.
ويقول أيوب في تصريحات سابقة لـ“السورية.نت”، إن “المعارك تدور في منطقة يبلغ طولها 180 كيلومتراً، بدءاً من مطار التيفور، وصولاً إلى جبال البشري في محافظة الرقة. وبعرض 90 كيلومتراً”.
ويضيف المحلل العسكري: “المنطقة مفتوحة على البادية التدمرية وموصولة أيضاً مع بادية الأنبار، وبالتالي من السهولة على التنظيم التنقل فيها”.
وبحسب أيوب، فإن معارك البادية تهم موسكو أكثر من طهران، كون الأولى تسعى إلى حماية المناطق الاقتصادية التي تسيطر عليها، وخاصة حقول الغاز في توينان وأراك والشاعر.
ويضيف: “الروس يريدون حماية مصالحهم والعقود طويلة الأجل التي وقعوها بخصوص الآبار النفطية والغازية”.
الحسم “سياسي”
وبدوره، الرائد المنشق عن قوات نظام الأسد، أحمد الطراد، يؤكد أن البادية السورية منطقة جغرافية صعبة، تحتوي على أودية وتلال وجبال، من بينها سلسة الجبال التدمرية وجبل البشري.
ويضيف الطراد في حديث لـ”السورية نت”، أن نشاط خلايا التنظيم في البادية، يختلف بشكل جذري عن تحركاتها واستراتيجياتها السابقة في القتال، خاصة من ناحية تنقّل المقاتلين أو أساليب الاستهداف المحددة.
وقدّر الضابط الطراد، المنشق عن “الفرقة الرابعة” التابعة للنظام منذ عام 2012 – وهو من أبناء دير الزور – أن يتراوح عدد مقاتلي التنظيم المنتشرين في البادية ما بين 3 آلاف إلى 5 آلاف مقاتل، ويعتمدون على “القتال ضمن مجموعات متفرقة، سريعة التحرك، تعتمد أسلوب العمليات المفاجئة التي لا تستمر طويلاً، والكمائن وإيقاع أكبر خسائر بالقوات المستهدفة”
وحول إمكانية القضاء عليها عسكرياً في ظل انتشارها الكبير في البادية، يرى الطراد بأن البادية جغرافياً تحمل العديد من المزايا التي تخدم التنظيم عسكرياً، لكن يؤكد أن “قرار وجودها، ومن ثم استمرارها في المنطقة سياسي أكثر منه عسكري”.
وتابع: “من الممكن القضاء عليها عسكرياً”، لكن ذلك ييستدعي وجود توافقٍ بين القوى الدولية الموجودة في المنطقة، حسب قوله.
ونوه في هذا الإطار، إلى أن المتتبع لهجمات التنظيم، يلاحظ أنها لا تستهدف هذه القوى، وإنما هدفها الدائم القوى المحلية التابعة لها، سواء “قسد” داخل المناطق المدنية، أو قوات النظام، مع استثناءات محدودة جداً للعمليات التي تستهدف ميليشيات إيران، أو قوات التحالف.
واستدرك: “باستثناء العمليات الروسية التي اتصفت بعدم الديمومة، فان البادية لم تشهد عمليات عسكرية حقيقة، يُمكن من خلالها القضاء على التنظيم، بشكل حقيقي، ونهائي”.
ويذهب أحمد الرمضان، مدير موقع “فرات بوست” المعني بتغطية أخبار المنطقة الشرقية من سورية، إلى وجود “صفقات” ما بين “قسد” والتحالف من من جهة، و”تنظيم الدولة” من جهة أخرى، سهّلت قبل سنوات عبور ما تبقى من مقاتلي التنظيم من ضفة الفرات الشرقية، إلى الضفة الأخرى من النهر ومن ثم إلى البادية المعروفة باسم “الشامية”.
ويتفق الرمضان في حديثه لـ”السورية نت”، مع الرأي القائل بصعوبة المنطقة جغرافياً، مشيراً أيضاً إلى وجود مناطق وعرة لا تستطيع الدبابات والآليات العسكرية التحرك بسهولة داخلها، ولا يمكن للطيران أن يؤثر فيها بشكل حاسم، ناهيك عن حرص خلاياه على تغيير أماكن انتشارها.
وأضاف، أن المعلومات المتاحة، تشير إلى التحاق شبه يومي بالتنظيم في البادية، وعلل ذلك بـ”الأوضاع السيئة التي تعيشها المنطقة، والإدارة السيئة لها من قبل القوى المحلية والأجنبة المتحكمة بها”، قائلاً إن “البيعات (الانتساب) للتنظيم زادت مؤخراً”، ناهيك عن “تصاعد” في العمليات الأمنية التي تستهدف عناصر وأشخاص تابعين لـ”قسد” داخل المناطق المدنية، أو قوافل وآليات النظام في الطرق القريبة من البادية.
وحول الهجمات الجارية، يرى بأنها في البادية التابعة للنظام، وعلى وجه الخصوص في المنطقة الممتدة من الرصافة الى تدمر، وصولاً إلى ريفي حمص ودمشق، حيث يعمد التنظيم الى أسلوب الكمائن بمساعدة “متعاونين”، ناهيك عن العديد من أبناء المنطقة الذين يعملون في التهريب، ويحفظون جغرافية المنطقة جيداً.
وحول مستقبل خلايا التنظيم في البادية، يقول الرمضان، إنه يتوقع باستمرار هذا الحال، لسنوات طويلة، ونوه إلى توقعات بوجود توجه لدى قادة التنظيم بالبقاء في اتباع أسلوب حرب العصابات، بدون الاعتماد على السيطرة المركزية، في تكرار لسيناريو ما فعلوه سابقاً في العراق قبيل إعلان قيام التنظيم حينها، وبالتالي تحول البادية من مقر مؤقت بداية، إلى رغبة بتحويلها إلى مقر دائم.