يُحكى أن الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد ترك لخليفته بشار، مبلغ 30 مليار دولار، في الصندوق السري للعائلة وللنظام، والذي لا يظهر في أرقام الميزانية العامة للدولة السورية، جمعت في معظمها من عائدات النفط والغاز وصفقاتهما على مدى الاعوام الثلاثين الاولى من عمر النظام، لكي يتصرف بها في حالات الطوارىء القصوى.
وبغض النظر عن دقة الرقم، الذي كان الدبلوماسيون العرب والاجانب في سوريا يتداولونه علناً، وعما صرف وما بقي من ذلك الإرث، فإن الاعتقاد السائد اليوم في كل من روسيا وإيران، هو أن النظام السوري غنيٌ، لا تقل ثرواته الخاصة عن ثروات بقية الانظمة العربية، عدا الخليجية طبعا، لكنه لا يزال يرفض أن يصرف من أمواله لتمويل المجهود الحربي، ولا لتغطية الأكلاف الإقتصادية والإجتماعية للحرب المستمرة منذ تسع سنوات.
وهي نقطة الإتفاق الأهم الآن بين موسكو وطهران: النظام لا يضحي بما يكفي لتسديد الديون المتراكمة وسد العجز المتزايد ، ويحرص على أن يلقي هذا العبء الضخم على الدولة السورية المفلسة، كما على حلفائه الروس والايرانيين، الذين حاولوا قبل سنتين ومن دون جدوى، الحصول على تمويل دولي لإعادة ملايين اللاجئين السوريين من مختلف بلدان العالم، إلى بلدهم، ثم سعوا الى تسويق النظام لدى أشقائه العرب والمجتمع الدولي، أملاً في أن يسهم هؤلاء يوماً في اعادة إعمار سوريا.. لكن أيضا بلا نتيجة.
هذا هو السياق الوحيد الذي يمكن ان توضع فيه فضيحة إبن النظام المدلل وإبن خال الرئيس المقرب، رامي مخلوف، الذي لا يصدق حتى الآن أن الصراع يدور الآن على ثروة النظام والعائلة، لا على إقتصاد الدولة السورية، المهدد ، أو على ميليشيات الحرب الموالية وفقرائها الذين يتركون الآن لمصيرهم. وهو لا يزال يأمل ان تحميه القوانين التي لطالما صيغت لمصلحة الأسرة حصراً طوال السنوات العشرين الماضية.
ليست صحيحة قصة اللوحة التي إشتراها بشار لزوجته أسماء، الصاعدة في سماء الأسرة وثرواتها، بمبلغ ثلاثين مليون دولار، لكنها كانت إشارة روسية صريحة ومباشرة تفيد بأن موسكو تراقب الآن الإنفاق الشخصي للأسد، الذي يقال أن الحرب ونفقاتها الباهظة لم تعلمه التقشف، ولم تفرض على بقية آل الاسد ومعهم آل مخلوف طبعا، تجنب التباهي بالثروة، لاسيما في ظل الحاجة الملحة الى تخصيص المزيد من الموارد لسداد الديون ولإعادة بناء الدولة ومؤسساتها، لاسيما المؤسسة الاصعب، الجيش.
فضيحة رامي مخلوف، ليست سوى تفصيلٍ صغيرٍ في ذلك المشهد السوري المعقد. هي مشكلة مباشرة مع بشار نفسه، لا مع أحد أكبر وأهم موظفيه ومشغلي أموال العائلة. والأخطر من ذلك أنها مشكلة على الميراث الخاص للنظام، الذي باتت إيران تطالبه علنا برد ما بين عشرين وثلاثين مليار دولار أنفقتها عليه طوال السنوات التسع الماضية، والذي باتت روسيا تلح عليه لفتح دفتر الديون الضخم، من دون أن تكشف الرقم الذي تتوقعه منه، والذي يفوق حسب تقديرات غربية مبلغ الثلاثين مليار دولار.
الفضيحة لا تكمن في ان رامي تمرد على رئيسه علناً ، بل في أن بشار يقف اليوم أمام معضلة جدية: هو مطالب بأن يطرد إبن خاله من وظيفته، وبأن يسدد من إرث العائلة الخاص، الذي يعتبر آخر ما لدى النظام من أموال، منقولة وغير منقولة، تؤهله للبقاء، بمعزل عن إفلاس الدولة السورية وعملتها، الذي بات يهدد ولاء الجيش، وقدرة الموالين على الصمود.
النظام ما زال غنياً ، لكن الدولة تزداد فقراً. وهي إزدواجية ثابتة في مختلف الانظمة الدكتاتورية. لكنها في الحالة السورية، تضع الدائنين الروس والايرانيين أمام خيارات صعبة جداً.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت