بعد قرابة 100 عام من إنشاء منصب الإفتاء في سورية، أصدر رئيس النظام، بشار الأسد، الأسبوع الماضي، قراراً ألغى بموجبه منصب “مفتي الجمهورية العربية السورية”، ونقل صلاحياته إلى “المجلس العلمي الفقهي” الذي أُسس عام 2018.
وهذه المرة الأولى بتاريخ سورية، منذ انتهاء الحكم العثماني، التي يتم فيها إلغاء منصب “المفتي” رسمياً من قبل الدولة.
يعرض فريق “السورية.نت” جانباً من سيرة حياة ثمانية مفتين تعاقبوا على منصب الإفتاء خلال القرن الماضي وحتى يومنا.
محمد أبو الخير عابدين
ولد الشيخ محمد أبو الخير عابدين في دمشق عام 1853، وتعلم النحو والصرف والفقه على يد عدد من العلماء، أبرزهم محمد الطنطاوي، و محمود الحمزاوي مفتي دمشق في عهد العثمانيين.
وبقي عابدين في أمانة فتوى دمشق مدة 35 عاماً، ثم تولى القضاء في دوما وبعلبك ثم درعا، قبل أن يعين في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في 1903 مفتياً عاماً للشام.
وبعد دخول الملك فيصل إلى الشام وسقوط الحكم العثماني، أمر بإعفاء الشيخ عابدين من منصب الإفتاء، قبل أن يعين عضواً في محكمة التمييز للنقض والإبرام، وبقي كذلك حتى وفاته في 1925.
الشيخ محمد عطا الله الكسم
بعد إقالة الملك فيصل للشيخ عابدين من مصب المفتي، عُيّن الشيخ محمد عطا الله الكسم، مفتياً عاماً لـ”الشام”، وهو من مواليد دمشق 1844، وأصل عائلته يرجع إلى مدينة حمص، حسب “رابطة علماء الشام“.
وتعلم الشيخ عطا على يد كبار العلماء في عصره، أبرزهم محمد الطنطاوي، وأحمد الحلبي، وسليم العطار، وعلم مختلف العلوم في عدد من مساجد دمشق مثل الجامع الأموي وجامع يلبغا، وجامع نور الدين الشهيد، كما درس في عدة مدارس مثل المدرسة السميساطية ومكتب عنبر.
وبعد دخول الملك فيصل إلى سورية، عين محمد عطا مفتياً عاماً للشام في 1918، وبقي في المنصب حتى وفاته في 1938.
وخلال فترة تولي محمد عطا لمنصب المفتي، تعاقب على سورية مراحل مختلفة، تنقلت خلالها بين “المملكة السورية” و”دولة دمشق” وبعدها الدولة السورية قبل انتخاب محمد علي العابد رئيساً في 1932، وتسمية الجمهورية العربية السورية.
محمد شكري الأسطواني
ولد الشيخ محمد شكري بن راغب الأسطواني في دمشق 1873، وكان من فقهاء المذهب الحنفي فيها، وتتلمذ على يد عدد من العلماء أبرزهم، بكري العطار ومحمد بن حسن البيطار.
وعين الأسطواني أستاذاً في المدرسة الجديدة بدمشق، قبل أن يلازم دار إفتاء الشام، ويعين أمين فتوى في دمشق في 1918.
وبعد وفاة محمد عطا الكسم في 1938، عين الأسطواني مفتياً بالوكالة، وبقي كذلك حتى عام 1941، عندما انتخب مفتياً عاماً للجمهورية العربية السورية بشكل رسمي حتى وفاته في 1954.
وأعلن الأسطواني الفتوى بالجهاد في فلسطين، كما شهدت فترة ولايته بالانقلابات السورية التي بدأت سنة 1949، وشهدت انقلابات حسني الزعيم وسامي الحناوي ثم أديب الشيشكلي.
محمد أبو اليسر عابدين
يعتبر أبو اليسر عابدين من أشهر المفتين في سورية، وهو نجل المفتي الأسبق محمد أبو الخير عابدين.
من مواليد حي ساروجة الدمشقي عام 1889، ويعتبر الشيخ بدر الدين الحسني من العلماء الذين تتلمذ على أيديهم عابدين، الذي بقي أستاذاً في جامعة دمشق لمادة الأحكام الشرعية، إضافة إلى تدريسه في قسم الأمراض الداخلية كونه كان طبيباً.
وساهم في تأسيس الكلية الشرعية وكان عميداً لها، كما كان متقناً للغات الفرنسية والتركية والفارسية، وتولى الإمامة والخطابة والتدريس في جامع الورد بسوق ساروجة.
وحسب “رابطة علماء الشام” فإن عابدين “شارك في الثورة السورية ضد الفرنسيين بماله ونفسه ورأيه ورجاله، وكان يحمل السلاح والدواء للمجاهدين، كما شارك بحمل السلاح عند نكبة 1948، وكان رئيس لجنة التسلح أيام العدوان الثلاثي عام 1956 وتبرع آنئذ من أجل الدفاع عن البلاد بمبلغ كبير”.
وبعد وفاة المفتي الأسطواني، بات أبو اليسر عابدين مفتياً عاماً للجمهورية العربية السورية في 1954، وانتخب بالإجماع من قبل هيئة المفتين والمجلس الإسلامي الأعلى.
عارض أبو اليسر عابدين قرارات التأميم التي أصدرها الرئيس جمال عبد الناصر، فتم عزله من المنصب في أغسطس/ آب 1961، قبل أن يعاد إلى المنصب مجدداً بعد انهيار الوحدة مع مصر في سبتمبر/ أيلول 1961، وبقي مفتياً حتى عزله من قبل لؤي الأتاسي رئيس “مجلس قيادة الثورة” حينها.
وعقب ذلك عاد إلى التّدريس والإمامة إلى أن “أدركته الشّيخوخة وهزل جسمه وضعف بصره” قبل وفاته في 2 مايو/ أيار 1981، حسب “رابطة علماء الشام”.
الشيخ عبد الرزاق الحمصي
من مواليد دمشق سنة 1900 وكان خطيباً في جامع الروضة ومديراً للثانوية الشرعية في التكية السليمانية.
عيُين الحمصي مفتياً عاماً للجمهورية بعد إقالة المفتي أبو اليسر عابدين، وذلك “لتسيير الفترة الانتقالية التمهيدية للانتخابات العامة”، حسب ما قال الباحث الفلسطيني -السوري، محمد خير موسى.
ولم تدم فترة تسلم الحمصي لمنصب الإفتاء سوى أشهر، قبل انتخاب أحمد كفتارو مفتياً عاماً للجمهورية العربية السورية، ورئيساً لمجلس الإفتاء الأعلى.
أحمد كفتارو
يعتبر أحمد كفتارو من أطول المفتين في سورية، إذ استمرت فترة ترأسه لمنصب مفتي الجمهوري مدة 40 عاماً، من 1964 حتى وفاته سنة 2004.
ولد كفتارو في دمشق عام 1912، وحاز على دكتوراه فخرية في علم الدعوة الإسلامية من جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية في جاكرتا عام 1968، كما حاز على دكتوراه فخرية في علوم أصول الدين والشريعة من جامعة عمر الفاروق في الباكستان 1984، ودكتوراه فخرية في علوم الدعوة الإسلامية من جامعة أم درمان الإسلامية في السودان 1994.
عُين كفتارو في 1948 مدرساً دينياً في دار الفتوى بالقنيطرة، وشارك في تأسيس رابطة العلماء في الجمهورية العربية السورية، كما أسس وافتتح معهد الأنصار الثانوي للذكور في عام 1949، وفي عام 1951 عين مفتياً لدمشق.
في عام 1971 أسس أحمد كفتارو مجمع “أبو النور” في ركن الدين بدمشق، وتحول اسمه إلى مجمع الشيخ أحمد كفتارو ويضم مسجداً ومعهداً شرعياً وجامعة إسلامية وعدداً من الجمعيات الخيرية.
ويقول الباحث محمد خير موسى في مقالة نشرها قبل أشهر، إن “الشّيخ كفتارو على درجةٍ عالية من القبول لدى المسؤولين الرّسميين في الدّولة السّوريّة وحكّامها الذين كانوا على اختلافهم وفي مختلف فترات تعاقبهم على الانقلابات المتسارعة يتبنّون الخطاب القوميّ البعيد عن الدّين عمومًا، والسّبب الرّئيس في قبولهم كفتارو يكمن في نوع الخطاب الذي يقدّمه تجاه غير المسلمين”.
وفي عام 1979م قُتل زاهر ابن الشيخ أحمد كفتارو بعد تعرضه لإطلاق النار في بلدة المليحة الواقعة ضمن غوطة دمشق الشرقية، إضافة إلى إصابة أخيه محمود.
ويقول الباحث محمد خير موسى إنه “دار لغط كثير حول الجهة التي قامت بقتل زاهر، وهناك من حاول أن يشير بأصابع الاتّهام إلى النّظام بقتله وهناك من حاول إلصاق ذلك بجماعة رفعت الأسد، وكلّ هذا لا يعدو كونه استثمارا للحادثة، وفي الحقيقة أنّ سبب القتل كان خلافا على قطعةِ أرض وملكيّتها بين زاهر وجاره في الأرض وهو من عائلة البويضاني الذي أودع سجن عدرا وحكم عليه بالسّجن بتهمة القتل إثر شجار واللّافت أن هذا الرّجل قُتل في سجن عدرا قبل موعد الإفراج المقرّر بيومين”.
وكان لافتاً في جنازة ابن كفتارو هو حضور رئيس النظام، حافظ الأسد، ومشاركته في تقديم التعزية.
أحمد بدر حسون
يعتبر بدر الدين حسون أول المفتين للجمهورية العربية السورية من خارج العاصمة دمشق، إذ ولد في مدينة حلب عام 1949، وهو حاصل على دكتوراه في الفقه الشافعي من جامعة الأزهر في مصر وبكالوريوس في الأدب العربي من الجامعة ذاتها.
شغل حسون عدة مناصب في مجلس الإفتاء الأعلى بين عامي 2002 و2005، كما كان عضواً في “مجلس الشعب” بين عامي 1990 و1998.
في عام 2002 أصبح حسون مفتياً لمدينة حلب، قبل أن يتسلم منصب مفتي الجمهورية بمرسوم من بشار الأسد، سنة 2005 بعد أن بقي منصب المفتي شاغراً في سورية لنحو سنة، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تسليم المنصب دون انتخابات كما كانت تجري سابقاً.
انحاز حسون بعد اندلاع الثورة السورية إلى جانب نظام الأسد، وكرر خطاب النظام في أن ما يجري في سورية هو حرب ضد ما يسمى “حلف المقاومة”.
وفي 2011 قُتل سارية حسون نجل المفتي بعد تعرضه لإطلاق نار على طريق حلب ـ دمشق، واتهم والده حينها جماعات “مسلحة” تلقت أموالاً من الخارج بقتل ابنه.
وبعد نحو 16 عاماً من تولي حسون منصب الإفتاء، أصدر رئيس النظام، بشار الأسد، مرسوماً ألغى بموجبه منصب “مفتي الجمهورية العربية السورية”
أسامة الرفاعي
بعد إلغاء الأسد لمنصب مفتي الجمهورية، قرر “المجلس الإسلامي السوري”، الذي يضم مجموعة علماء وهيئات شرعية، تمثل طيفاً واسعاً من التيارات الإسلامية السورية، انتخاب أسامة الرفاعي ليكون “مفتياً عاماً للجمهورية العربية السورية”.
جاء ذلك في بيان مصور نشره المجلس، مساء أمس السبت، قال فيه إن “الإفتاء له مكانة رمزية على تعاقب العصور والدول، ولم يجرؤ على المساس بها أحد، إلا أن تحكمت هذه العصابة الطائفية في سورية ففرغته من مضمونه وجعلته تعييناً بعد أن كان انتخاباً من كبار العلماء”.
ولد الرفاعي في دمشق عام 1944 ودرس اللغة العربية وعلومها في كلية الآداب قسم اللغة العربية، وتخرج منها عام 1971.
وكان الرفاعي خطيب جامع الشيخ عبد الكريم الرفاعي في دمشق، قبل اندلاع الثورة السورية ووقوفه إلى جانب المتظاهرين السلميين.
عبَر الرفاعي في خطبه من دمشق، عن رفضه لسياسية النظام الأمنية ضد المتظاهرين السلميين، قبل أن تهاجم قوات الأمن مسجد الرفاعي في أغسطس/آب سنة 2011 وتعتدي بالضرب عليه، أثناء محاولاتها فض اعتصام في “ليلة القدر”.
خرج الرفاعي من سورية عقب ذلك، واستقر في تركيا، حيث أسس إلى جانب عدد من العلماء “المجلس الإسلامي السوري”.