“حان وقت الانسحاب”..عبارة أمريكية قد تخلط أوراق شرق الفرات
حديثُ وزير الدفاع الأمريكي الجديد، عن انسحاب جيش بلاده من الشرط الأوسط، أعاد للأذهان عبارة رئيسه دونالد ترامب “حان الوقت للانسحاب”، والتي قالها قبل نحو عام، بشأن سحب القوات الأمريكية من سورية، لتبدأ عقب ذلك التطورات المتسارعة في المنطقة، وما شهدته من عملية تركية تحت مسمى “نبع السلام”.
عملية “نبع السلام” خلطت الأوراق في شرق الفرات، إذ وسّعت تركيا سيطرتها على حدودها، قبل توقفها عقب اتفاقين منفصلين مع أمريكا وروسيا، غيرا خارطة النفوذ في المنطقة.
العبارة الذي أطلقها الرئيس الأمريكي في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 وما تبعها من تحركات، عاد وزير الدفاع الأمريكي، كريستوفر ميلر، ليطلقها مجدداً قبل أيام، وجاءت العبارة في سياقين، الأول هو قرب انتهاء ولاية الرئيس ترامب بعد شهرين وتسليمه الرئاسة لجو بايدن الذي فاز في الانتخابات.
أما السياق الثاني جاء عقب أيام من تعيين كريستوفر ميلر وزيراً للدفاع بالوكالة، عقب إقالة ترامب، للوزير السابق مارك إسبر، دون توضيح الأسباب، وسط شكوكٍ من بعض وسائل الإعلام الأمريكية بأن يقدم ترامب على خطوات عسكرية في نهاية رئاسته.
وما بين التصريحين اختلفت السيناريوهات، فالروس حاضرون بقوة، والأتراك مستعدون لاستئناف “نبع السلام” حسب تصريحات المسؤولين الأتراك خلال الأسابيع الماضية.
الحروب يجب أن تنتهي
وفي أول رسالة لوزير الدفاع الجديد موجهة إلى القوات المسلحة الأمريكية، قال ميلر إن “جميع الحروب يجب أن تنتهي، إنهاء الحروب يتطلب التنازلات والشراكة. لقد واجهنا التحدي. أعطيناها كل ما لدينا. حان وقت العودة إلى الوطن الآن”.
ولم يذكر ميلر بالتحديد مواقع انتشار الجنود، لكن من خلال إشارته إلى “تنظيم القاعدة” تلميح بالقوات الأمريكية المتواجدة في أفغانستان والشرق الأوسط وخاصة العراق وسورية، إذ تتواجد فيها القوات الأمريكية بشكل كبير.
هذه التصريحات تزامنت مع تصريح لافت، للمبعوث الأمريكي الخاص بالملف السوري المستقبل من منصبه، جيمس جيفري، عندما أعلن ممارسة لعبة “الكؤوس والكرة (لعبة خداع) كي لا يتضح لقيادتنا كم من القوات نملكها هناك”.
وقال جيفري، خلال مقابلة مع “Defence One“ المتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية، إن “العدد الفعلي للقوات في شمال شرقي سورية، أكثر بكثير من 200 جندي، وافق ترامب على تركهم هناك في 2019”.
من المستفيد أكثر؟ روسيا أم إيران أم تركيا؟ ما مصير “قوات سوريا الديمقراطية” و”مشروع الإدارة الذاتية”؟ وكيف سيستثمر النظام وروسيا الانسحاب لتوسيع سلطتهما في شرق الفرات؟، كل هذه تساؤلات حول مصير المنطقة في حال أقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع وزير دفاعه خطوة سحب القوات الأمريكية من سورية.
الباحث السوري بدر ملا رشيد، اعتبر أنه في حال “انسحاب الأمريكان، من المؤكد أننا سنشهد إنهاءً شبه كامل لحكم الإدارة الذاتية وقسد شرق الفرات، وهو الحكم الذي تزعزع بشكلٍ جوهري بعد العملية التركية نبع السلام أواخر 2019″.
وأوضح رشيد في حديث لـ”السورية. نت” أن الانسحاب سيؤدي إلى قبول (قسد) بعودة النظام بشروطٍ أقسى فيما يخص مصير قواتها، كما أن روسيا والنظام سيكونان من أكبر المستفيدين على الأقل في بعض المناطق، وفي المقابل من الممكن أن نشهد عمليات عسكرية لمقاومة عودة النظام في دير الزور والرقة وبعض أجزاء من محافظة الحسكة وهو ما من شأنه أن يؤدي لحدوث تغييراتٍ أمنية وعسكرية كبيرة في سورية”.
من جهته اعتبر الباحث في الشأن الكردي، شفان إبراهيم، أن أي انسحاب أمريكي “سيكون من دواعي سرور روسيا التي ستدخل مباشرة إلى حقول النفط للسيطرة عليها، كما سيكون من دواعي سرور تركيا التي ستجد فرصة سانحة لها لإكمال عملية نبع السلام”.
أما “قسد”، فقد يحصل تقارب بينها وبين النظام، لكن سيكون حسب ابراهيم ما يسمى بـ”تحالفات اللحظة الأخيرة”، إذ ستكون قاسية جداً ولن تستطيع “قسد” فرض أي شروط وستعود إلى مرحلة طلب النظام لها الانضمام إلى قوات الأسد والأسايش إلى الداخلية دون ميزات خاصة، ولا قيادة مشتركة ولا حتى وجود اسم “قسد”، كما أن الانسحاب الأمريكي قد يضر مشروعها الذي يمنع إيران من التمدد في المنطقة.
هل تنسحب أمريكا؟
ورغم التحليلات التي بدأت عقب التصريح الأمريكي، وما يمكن أن تخبأه الأسابيع المقبلة قبل انتهاء ولاية ترامب وتسلم جو بايدن، يبقى التساؤل هل يمهد التصريح الأخير لوزير الدفاع الأمريكي الجديد، لانسحاب أمريكا فعلاً؟
الباحث ملا رشيد،اعتبر أن الولايات المتحدة ومنذ ما يقارب ويزيد عن عقد من الزمن، تتحدث عن الانسحاب من الكثير من المناطق في الشرق الأوسط، إلا أننا نشهد عملية إعادة انتشار او انسحاب مع عودة لاحقة كما حدث في العراق في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وشرق الفرات في عهد ترامب.
وأشار رشيد أن الانسحاب الأمريكي من أي منطقة في العالم يحتاج للكثير من التقييم، نتيجة تغير وتحول أشكال السيطرة الأمريكية ولكن في الكثير من الأحيان تبقى النتيجة نفسها باستمرار سيطرة واشنطن على المناطق التي من المفترض إنها انسحبت منها.
واستبعد أن تؤثر التصريحات بشكلٍ سريع على واقع القوات الأمريكية في شمال شرق سورية “لما شهدناه من معارضة شديدة من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي، سواءً من الجمهوريين أو من الديمقراطيين للخطوة التي أقدم عليها ترامب بشكلٍ فجائي بسحب القوات من سورية”، مشيراً إلى أن ترامب رغم رغبته بسحب قواتهم، إلا أن مجلس الشيوخ والنواب أجبروه على قبول بقائهم، وبقي الاختلاف على عدد القوات.
كما استبعد شفان إبراهيم “الانسحاب الحقيقي الأمريكي”، واعتبر أن تصريح وزير الدفاع، رسالة واضحة بعد تصريحات جيمس جيفري، وهو ما يفسر بوجود خلل بين ترامب وإدارته.
وأشار إبراهيم إلى أن وزير الدفاع الجديد لن يكون بإمكانه سحب القوات الأمريكية، بسبب تدخل الكونغرس ورفضه للانسحاب، إذ أن الانسحاب يعني أنه بعد عشر سنوات من السيطرة الأمريكية على المنطقة ستؤدي إلى صفر نتائج، وهو ما لن ترضاه الإدارة الأمريكية.
ولم يوضح وزير الدفاع آلية الانسحاب إن كانت كاملة أم جزئية، بحسب إبراهيم، الذي اعتبر ان وجود جندي أمريكي واحد ورفع العلم الأمريكية في المنطقة هو “كفيل بعدم تدخل أي دولة دون موافقة أمريكا”.