حياةُ محافظ القنيطرة يوم سقوطها و”خدام” حافظ الذي تحول لـ”الخائن”
قبل يوم الجمعة، 30ديمسبر/كانون الأول 2005، لم يكن أحد يجرؤ في سورية علناً، على انتقاض عبد الحليم خدام “أبو جمال”، نائب رئيس الجمهورية، ولو بكلمة واحدة، إذ أنه أحد أهم أركان نظام الأسد(الأب والابن)، لكن المشهد تطور بشكل دراماتيكي، حيث بات فجأة، بإمكان أي سوري، أن يَصِفهُ بـ”أبو القُبح” و”الخائن”.
ظَهَرَ خدام، ذلك اليوم، في مقابلة على قناة “العربية”، مُعلناً معارضتهُ لنظام الأسد، موجهاً مجموعة انتقادات للنظام الذي كان أحد أهم المسؤولين فيه منذ الستينات، لعل من أبرزها حديثه عن أن “ملايين السوريين لا يجدون ما يأكلونه، وعندما يبحث بعضهم عن الطعام في القمامة تتراكم الثروة بأيدي مجموعة قليلة من الناس وبشكل غير مشروع، لأن القانون غائب، الحاضر هو مصالح الدائرة الضيقة التي تحيط في الحكم، نصف الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر، والنصف الآخر يعيش على التوازي مع خط الفقر، وقلة صغيرة من الناس تعيش في بحبوحة”.
شن خدام في المقابلة الشهيرة، هجوماً على شخصياتٍ كثيرة بالنظام، من بشار الأسد الذي وصفه بـ”الانفعالي” وقيادته “لا تتمتع بحنكة سياسية”، وكذلك هاجم عائلته، وضباطاً كباراً في النظام مثل رستم غزالي وغازي كنعان، وشخصيات أخرى، متهماً أجهزة الأسد الأمنية، بالتورط في اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق، رفيق الحريري.
من “السيد” لـ”الخائن”
يوم السبت، 31ديسمبر/كانون الأول 2005، وفي ظاهرةٍ نادراً ما تحدث في سورية، بثَ التلفزيون السوري، جلسة “مجلس الشعب” مباشرةً، إذ كانت مُخصصة، لمهاجمة من أطلق عليه أعضاء المجلس يومها “أبو القبح”.
وطالب محمود الأبرش، رئيس المجلس حينها، الأعضاء، بإلغاء كلمة “السيد”، قبل اسم خدام، وذلك بعد أن استخدمها أحد النواب في معرض تخوينه لنائب رئيس الجمهورية، ووزير الخارجية السابق لسورية، ومحافظ القنيطرة عندما سقطت بيد إسرائيل سنة 1967، ورجل النظام في الملف اللبناني.
وفاة الشخص بعد وفاة الشخصية
وقالت مصادر مقربة من عائلة عبد الحليم خدام لـ”السورية.نت”، اليوم الثلاثاء، إنه توفي في منزله بالعاصمة الفرنسية، باريس، نحو الساعة السادسة صباحاً، بعد تدهور حالته الصحية، مرجحة سبب وفاته بـ”أزمة قلبية”.
ونعى الوزير اللبناني السابق، جمال الجراح من وصفه بـ”صديق الرفيق الوفي”، عبد الحليم خدام، حيث نشر على “تويتر”، صورة تجمع الأخير مع رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، كنوع من “الوفاء” لخدام، الذي اتهم الأسد، في اغتيال الحريري.
ويعتبر كثير من السوريين، أن خدام منتهي الصلاحية والنفوذ منذ سنوات طويلة، إذ ترفضه حاضنة الثورة السورية تماماً، إضافة لكونهِ مرفوضاً من قبل أتباع النظام.
40 عاماً بخدمة الأسدين
وعقب “انشقاق” خدام 2005، وجه انتقادات لبشار الأسد، ولقيادات “حزب البعث” بعد لجوئهِ للعاصمة الفرنسية، باريس، حيث بقي فيها حتى وفاته، وظهر منها في اطلالات كثيرة على وسائل الإعلام.
وتمحورت انتقادات خدام، لنظام الأسد، حول السياسات الداخلية و الخارجية، خاصة فيما يتعلق بلبنان وحادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، حيث قدم شهادته أمام لجنة التحقيق الدولية حول حادثة الاغتيال.
إلا أن تلك الانتقادات للنظام، والشهادة حول اغتيال الحريري، فتحت أمام خدام سلسلة من الإدانات والأحكام الغيبية، التي أصدرها نظام الأسد بحقه، إذ أصدرت المحكمة العسكرية الجنائية الأولى بدمشق، في 17 أغسطس/ آب 2008، 13 حكماً بسجن خدام، أقصاها السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، لقيامه بـ “التحريض على القيادة السورية”.
وكذلك واجه خدام اتهامات بـ”المؤامرة على اغتصاب سلطة سياسية ومدنية، وصِلاته غير المشروعة مع العدو الصهيوني، والنيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي، ودس الدسائس لدى دولة أجنبية لدفعها للعدوان على سورية”، حسب نص الحكم الصادر عن المحكمة الجنائية.
كما واجه اتهاماً بـ “الافتراء الجنائي على القيادة السورية والإدلاء بشهادة كاذبة أمام لجنة التحقيق الدولية بشأن مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري”.
ورغم دعواته لضرورة تغيير نظام الأسد، عام 2005، لم يكن لعبد الحليم خدام، أي مركز في أجسام المعارضة السورية، بعد ثورة 2011، التي أيدها في تصريحاته.
وفي إحدى لقاءاته مع قناة “العربية” في يوليو/ تموز 2011، قال خدام إنه “لا بديل عن إسقاط النظام الحالي، وأن الجيش السوري تحول إلى جيش احتلال، وأن آلاف المواطنين قتلوا وجرحوا خلال المظاهرات والاحتجاجات التي بدأت في مارس 2011”.
وقال في ذات المقابلة، إن “بشار الأسد ديكتاتور، لا يتعلم من تجارب سابقيه من الرؤساء، ممن اقتلعتهم الثورات الشعبية من كراسي الحكم”.
مع ذلك، بقي خدام شخصاً مرفوضاً من حاضنة الثورة، والمعارضة السورية، كونه كان أحد أبرز قادة سياسة حافظ الأسد، وشغل أعلى المناصب في قيادة “حزب البعث”، وفي الحكومات السورية المتعاقبة على مدى 40 عاماً، إذ لم يستطع خدام إقناع المعارضين بأن موقفه ضد نظام الأسد، يعكس حرصه على دعم الإصلاح ومحاربة الفساد في سورية، وهو الذي تورط مع حافظ الأسد بقضايا فساد وقمع.
سيرته الذاتية
ولد عبد الحليم خدام عام 1932 في مدينة بانياس السورية، وهو خريج كلية الحقوق من دمشق.
بدأت مسيرته في السلك السياسي عام 1966 حين تولى منصب محافظ القنيطرة جنوبي سورية حتى نهاية سنة 1967، وتولى لاحقاً منصب محافظ دمشق، وحماه، ليتسلم مناصب وزارية لاحقاً بعهد حافظ الأسد، ومن بينها وزارة الاقتصاد، ثم وزارة الخارجية.
أصبح عبد الحليم خدام ذراع حافظ الأسد اليمنى، والذي عينه سنة 1984، بمنصب نائب الرئيس الأول، لحين وفاة حافظ الأسد، في 10يونيو/حزيران عام 2000، حيث تسلم خدام رئاسة سورية مدة 37 يوماً، لحين إجراء تعديلات دستورية وتسليم الحكم لرئيس النظام الحالي، بشار الأسد.وتدهورت علاقة خدام ببشار لاحقاً، إذ يُعتقد أن الأخير، عملَ على التخلص منه، و جرده من نفوذه، ليخرج خدام سنة 2005 إلى باريس، ويشارك لاحقاً في تأسيس “جبهة الخلاص الوطني” التي تضم شخصيات معارضة لنظام الأسد، بينهم جماعة “الإخوان المسلمين”، وهي الجبهة التي كُتب لها الفشل سريعاً، لكون شخوصها هم أعداء-أصدقاء، التقوا “براغماتياً”، دون أن تجمع بينهم أي أسس سياسية.