نقل رامي مخلوف، الجدل حول هوية من يقف وراء المشغل الثالث للخليوي في سوريا، إلى مستوىً جديد، حينما قال صراحةً، إن الإيرانيين شركاء فيه، ودون أن يدفعوا أية أموال، وذلك لقاء ديونهم. فهذه المرة، بات مصدر المعلومة، أحد المحسوبين سابقاً، على الدائرة الضيقة لرأس هرم النظام، والذي لا بد أنه ما يزال يملك مصادر دقيقة للمعلومات، رغم طرده من تلك الدائرة، بحكم علاقاته المتجذرة داخل أجهزة النظام، والتي أسس لها عبر عقدين من النفوذ الهائل في تاريخ سوريا.
في إطلالته الأخيرة، وبعيداً عن الابتذال “الغيبي” الذي غطى جانباً كبيراً من حديثه، كما في إطلالاته السابقة، كشف رامي مخلوف عن ثلاث نقاط تستحق الوقوف عندها مليّاً. النقطة الأولى، أنه لم يكن، أو ربما لم يعد، من المحسوبين على المعسكر الإيراني، داخل نظام الأسد. فتلك النظرية، راجت بشكل كبير، قبل عام، حينما كانت إطلالات رامي مخلوف، مادة حديثة مثيرة للاهتمام والنقاش. وتقول تلك النظرية إن رامي كان ضحية الصراع الروسي – الإيراني، وأن موسكو هي من وجّه له الضربة القاضية، نظراً لعلاقته المتينة بإيران وحزب الله.
نظرية “إيرانية رامي مخلوف”، التي شاعت قبل عام، دُعمت بكتابات في الإعلام الإسرائيلي، ومن ذلك مقال “هآرتس” الذي تناقلته مصادر إعلامية عربية، في أيار/مايو 2020، والذي تحدث عن أن موسكو استهدفت رامي مخلوف، بهدف إضعاف نفوذ إيران بسوريا.
ولم ينجح الهجوم الذي شنته قناة “العالم” الإيرانية، على رامي مخلوف، في 25 أيار/مايو 2020، في الحد من شيوع تلك النظرية، رغم أن القناة وصفت الرجل بـ “المدعي” حينما تحدث عن دوره في الإنفاق على “فقراء” السوريين، من خلال جمعية “البستان” الخيرية.
اليوم، وحينما يعلن رامي مخلوف، أن الإيرانيين شركاء في المشغل الثالث، وأن كل من يقول غير ذلك، فهو “كاذب”، يؤكد عدم “إيرانيته”، أو على الأقل، يتبرأ منها –إن كانت قائمة سابقاً-. فالرجل الذي قبع شقيقه ووالده، في موسكو، منذ العام 2015، لم يحظ حقيقةً، بدعم روسي جلّي، ولا حتى إيراني، في معرض معركته الشرسة مع بشار وزوجته.
أما النقطة الثانية، التي يمكن أن نخلص إليها من آخر إطلالة لـ رامي، هي أن أسماء الأسد، نجحت في تذليل عقبات الشراكة مع الإيرانيين في المشغل الثالث. وهي الشراكة التي بقيت مُعلّقة منذ العام 2017. فالإيرانيون سعوا منذ ذلك التاريخ، على الأقل، ليكونوا أصحاب المشغل الثالث، وكانت المعضلة، تتعلق برغبة النظام ألا يكون الإيرانيون منفردين في ملكية وإدارة ذلك المشغل. ولا ينبع ذلك من اعتبارات اقتصادية فقط، بل من اعتبارات أمنية أيضاً. فمن المعلوم، أن شبكات الخليوي، تتيح قدرة كبيرة على مراقبة محادثات السوريين. وهو ما تدعمه معلومات إعلامية متواترة في السنوات الثلاث الأخيرة، حول تعرض مدنيين للاعتقال في مناطق التسويات، جراء مكالمات خليوية مع أقاربهم في إدلب أو ريف حلب الشمالي.
إشارة رامي مخلوف إلى وجود شركاء من “أثرياء الحرب”، في المشغل الثالث، تؤكد معلومة سبق أن تم تداولها على نطاق واسع في الإعلام السوري المعارض، مفادها أن الشركة الجديدة التي ستستحوذ على المشغل الثالث، تضم مستثمرين سوريين غير معروفين، محسوبين على أسماء الأسد. وذلك يتوافق أيضاً مع التطورات الأخيرة التي طرأت على إدارة شركة “سيريتل”، التي شهدت توسيع صلاحيات المدير التنفيذي –رئيس المديرين التنفيذيين-، مريد صخر الأتاسي، المقرّب من أسماء الأسد.
وهكذا يبدو أن أسماء الأسد، التي لطالما نُظر إليها بوصفها مُقرّبة من الروس، وربما أيضاً، من البريطانيين، تمكنت من تذليل عقبات الشراكة مع الإيرانيين، مما يدفع للتساؤل، هل هذا النجاح يمثّل خطوة نحو قوننة المصالح الإيرانية في سوريا، بغطاء اقتصادي، تمهيداً ربما لتسوية ما، قد تسمح بإنهاء حالة التهديد الاستراتيجي الإيراني للأمن الإسرائيلي من البواية السورية؟ أم أنها مجرد ترتيبات بين النظام ذاته، وإيران، لا أكثر؟ من المبكر القفز إلى نتائج بهذا الخصوص، لكن يصعب أن نتصور أن دخول الإيرانيين على خط المشغل الثالث، بما يحمل من بعد أمني، لا اقتصادي فقط، قد يتم من دون وجود ضوء أخضر، روسي على الأقل، وربما غربي أيضاً.
أما النقطة الثالثة، المثيرة للاهتمام في إطلالة رامي مخلوف الأخيرة، هي إشارته إلى العجز المالي الواضح لمن وصفهم بـ “أثرياء الحرب”، وهم الجهة التي ستموّل المشغل الثالث، إذ لن تدفع إيران أية أموال، كما لن تدفع، مؤسسة الاتصالات الحكومية – الشريك الآخر- أية أموال أيضاً. وقد أشار رامي إلى أن الشركاء السوريين –أثرياء الحرب- الذين سيمولون المشغل الثالث، يراهنون على تحصيل رأس المال المنتظر من إدارتهم لـ “سيرتيل” و”إم تي إن”، شركتَي الخليوي المنافستين. وهو ما يؤكد أن رامي مخلوف يقصد بـ “أثرياء الحرب”، ممثلي مصالح رأس النظام وزوجته، لأن الشركتين المشار إليهما، تخضعان للحراسة القضائية، وتديرهما شخصيات مقرّبة من أسماء الأسد. لكن المهم في هذه النقطة، هو عدم وجود قدرة تمويلية للمشغل الثالث، والرهان على إيرادات “سيريتل” و”إم تي إن”، بهذا الخصوص، وفق رامي. وهو ما يدعم ما أُشيع وفق مصادر إعلامية، مطلع حزيران/يونيو الفائت، أن المشغل الثالث ستمثله شركة “سورية”، برأسمال قدره 10 مليارات ليرة سورية. وهو رقم تافه بمعايير شركات الخليوي، إذ أنه يعادل حوالي 3 مليون دولار.
أما المكاسب المنتظرة للمشغل الثالث، فستكون “الأدسم” قياساً للاقتصاد السوري المتواضع. إذ يكفي أن نُذكّر بإيرادات شركتَي الخليوي، “سيرتيل” و”إم تي إن”، خلال العام الماضي، وفق مصادر رسمية، والتي تجاوزت 400 مليار ليرة سورية، أي ما يعادل 125 مليون دولار. تلك السوق قد تكون في معظمها من حصّة الإيرانيين وشركائهم من ممثِلِي أسماء الأسد، وبعض “الفكّة” لمؤسسة الاتصالات الحكومية.
وهكذا نستطيع أن نفهم سبب لوعة رامي مخلوف، وحديثه المشحون بمشاعر الخيبة والمرارة. فالبيضة التي باضت له على مدار قرابة العقدين، الكثير من الذهب، ستذهب تماماً، لسواه.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت