كان لافتاً في تسريبات كلام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، توصيف التموضع الروسي حيال المفاوضات الأميركية-الإيرانية. روسيا لا ترغب في أن تسلك المفاوضات الأميركية-الإيرانية طريقها باتجاه صفقة نووية كاملة، أولاً لأن ذلك يعني التركيز على الأولويتين الصينية والروسية في السياسة الخارجية. بيد أن التركيز على الملف الإيراني، كما كان الحال في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أعفى روسيا من عقوبات وضغوط ومؤامرات كثيرة ضدها. بل والحق يُقال، ساعد الرئيس الأميركي السابق الجانب الروسي عبر سياسته المبنية على اضعاف الحلف الأطلسي (الناتو)، وإهمال العلاقات مع أوروبا، والهوس حتى الثُمالة بإيران وفرض العقوبات عليها وعلى شبكاتها. كما أن الخروج من الصفقة النووية وإعادة العلاقات الإيرانية-الغربية الى دائرة التوتر، تعني حُتماً، امتيازات للجانب الروسي في أي علاقات اقتصادية مع طهران. حينها، نرى روسيا في الموقع الأقوى عند أي مفاوضات مع الجانب الإيراني في الشأن الاقتصادي.
هذه هي الصورة التي رسمها ظريف عن العلاقة مع روسيا. وهذه المقاربة تُفسر إلى حد كبير الرسالة التي بعثها مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي إلى الرئيس فلاديمير بوتين عند بدء المفاوضات مع الولايات المتحدة. هي رسالة تطمين الى عدم تأثير المفاوضات وما سينبثق عنها، على العلاقات بين روسيا وإيران.
النقطة الثانية اللافتة في تسريب ظريف، هي كلامه عن الانقسام الداخلي حيال المفاوضات، ومحاولات عرقلتها. ذاك أن قائد فرقة “القدس” قاسم سليماني عارض الاتفاق وأراد عرقلته، وبدت تلك المحاولة جلية من خلال زيادة رحلات شركة طيران إيرانية بعد رفع العقوبات عنها، الى دمشق خلال الحرب، وذلك بهدف عرقلة مسار الاتفاق. واللافت أكثر أن الطرف الروسي كان لاعباً على مستوى الانقسام الداخلي. مثلاً، في التسريبات روى ظريف الحادثة الآتية: “سألني جون كيري عن رأيي في موضوع التخصيب الذي اقترحته روسيا، فقلت ليس مقبولاً على الإطلاق، فقال لافروف بأنك لا تملك الصلاحية في البت في هذا الموضوع. فقلت له: ليس ذلك من شأنك أبداً” (ترجمة موقع جاده ايران).
عملياً، هذه الازدواجية في التمثيل وصنع القرار الخارجي بين الأمنيين والقادة الميدانيين والساسة، وهي حاضرة في أغلب الدول الشمولية في المنطقة، مثّلت حاجزاً أمام تقدم المفاوضات، إذ تتضارب المصالح والرؤى. ذاك أن من مصلحة القائد الميداني الإيراني ألا تنجح المفاوضات، بما أن فشلها يعني تفعيل دوره وتعزيز صلاحياته في زمن المواجهة.
ظريف نفسه كان استقال قبل عامين بعد استثنائه من لقاءات المرشد علي خامنئي والرئيس حسن روحاني مع الرئيس السوري بشار الأسد، رغم أن قاسم سليماني نفسه كان حاضراً. عملياً، غاب وجه الدبلوماسية الإيرانية عن لقاءات يُفترض أنها تندرج ضمن العلاقات بين البلدان، ومثّل ذلك إهانة لظريف، رغم المحاولات اللاحقة لثنيه عن الاستقالة وإصلاح الصورة المختلة.
اليوم، هذا المشهد نفسه يتكرر. ليس فقط لجهة الدور الروسي وتقاطعه مع أدوار أخرى مخربة في المنطقة، بل أيضاً في الانقسامات الداخلية الإيرانية واحتمال التخريب. هناك من يرى في المفاوضات واحتمالات العودة للاتفاق، انعكاسات على الوضع السياسي الداخلي لمصلحة فريق دون الآخر. وإشارة ظريف الى الاعتداء على السفارة السعودية والاستيلاء على سفينة أميركية قبل 6 سنوات، كونهما حدثين مرتبطين بمحاولات داخلية لتخريب الاتفاق، لها معنى اليوم، سيما وقد بات الميدان أكثر تعقيداً. قد يخوض الجانب الإيراني مفاوضات في فيينا، وتتوالى الاعتداءات في الخليج. والأخيرة قد تكون عملياً مؤشراً الى نجاح المفاوضات واحتمالاتها الإيجابية، وليس لتعقيداتها أو فشلها.
هي دولة برؤوس كثيرة، وفي حلف أو علاقات تحالف لكل من أطرافها حساباته، ولكن الجميع من دون استثناء، هم خبراء في التخريب. ونحن هنا الساحات.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت