قُتل زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية”، أبو إبراهيم القرشي قبل أيام بعملية نفذتها القوات الأمريكية في منطقة أطمة شمال غربي سورية، في ضربةٍ هي الأكبر من نوعها، منذ مقتل الخليفة السابق، أبو بكر البغدادي.
وفي الوقت الذي تكثر فيه تصريحات المسؤولين في واشنطن والتحليلات المتعلقة بهذه الحادثة، تتجه الأنظار إلى ما سيكون عليه التنظيم في المرحلة المقبلة، وهو الذي لم يُصدر أي بيان رسمي من جانبه حتى اللحظة، بخصوص مقتل زعيمه.
وكان “القرشي” قد تسلّم الزعامة عقب مقتل سلفه أبو بكر البغدادي، في سياسة مختلفة بشكل جذري تحوّل نشاط التنظيم في عهده من “الجغرافيا الثابتة” إلى الأراضي المفتوحة وغير الثابتة، وهو ما انسحب على مناطق نشاطه في سورية والعراق، بشكل خاص.
فضلاً عن ذلك وفي أثناء زعامة “القرشي” برز اسم “الخلايا النائمة”، كمحدد رئيسي في عمل التنظيم، والتي اتجهت بدورها للضرب شمالاً وشرقاً وجنوباً، مستهدفة بذلك جميع القوى العسكرية اللاعبة على الأرض.
نشاط هذه الخلايا كان “أمنياً بامتياز”، حيث برزت آخر عملياتها في الهجوم الذي شهده سجن الصناعة في مدينة الحسكة، والذي تحدث عنه الرئيس الأمريكي، جو بايدن في إعلان مقتل “القرشي”، مشيراً إلى أن الأخير كان الرأس المدبر له.
ماذا بعد؟
يجمع مراقبون ومحللون في شؤون الجماعات الجهادية أن تنظيم “الدولة” سيتجه في الأيام المقبلة لتسمية زعيم جديد، خلفاً لـ”القرشي”، في خطوة مشابهة لتلك التي أعقبت مقتل “البغدادي”.
في المقابل يستبعد هؤلاء أن يكون هناك تأثيرات على هيكلية التنظيم، بمقتل “القرشي”، الذي وإن كان قد احتل مركز القيادة، إلا أنه نادراً ما خرج ببيانات أو تسجيلات مصورة وصوتية، تثبت ذلك على أرض الواقع.
ومنذ تسميته “زعيماً” كانت جميع الأنظار تتجه إلى “أبو حمزة القرشي”، الذي يشغل وحتى الآن منصب الناطق باسم التنظيم، حتى أن أولى البيانات التي صدرت عقب مقتل “البغدادي” كانت بصوتية مسجلة له (في أكتوبر/تشرين الأول 2020).
ولا يعتقد الباحث في “مركز الشرق للسياسات”، سعد الشارع أن يتأثر التنظيم بمقتل “القرشي”، معتبراً أن الحادثة “صدمة تلقاها الأخير، بعد مقتل الخليفة المؤسس البغدادي”.
ويقول الشارع لموقع “السورية.نت”، إنه و “بعد مقتل البغدادي وتعيين القرشي انتقل التنظيم إلى مرحلة جديدة، وهي اللامركزية، فيما يسميها بالولايات والقطاعات”.
ويوضح: “بحيث أن المركزية بدأت محصورة في رسم الاستراتيجية العامة ونوعية الخطاب الإعلامي، بينما ترك حرية التصرف للولايات في العمليات الأمنية والعسكرية”.
وخلال الفترة الماضية “تمكن التنظيم من تهيئة كوادر قيادات من الصف الثاني والثالث لاستلام زمام الأمور في الولايات والقطاعات”، وبالتالي وبحسب الشارع فإن “غياب الخلفية من الناحية العملية لن يؤثر على أداء القطاعات”.
وتحدث الباحث عن “نقطة تأثير” تتمثل بكيفية عملية إخراج خبر مقتل القرشي في الأيام المقبلة، مشيراً إلى عدة احتمالات.
وكان لـ”القرشي” أدواراً في العمليات الأمنية في سورية والعراق بشكل كبير، لكن هذا ذلك تراجع بعد إصابته وبتر ساقه في المعارك الأخيرة بريف البوكمال.
ويرى الشارع: ” لذلك قل نوعاً ما تحركه الأمني مؤخراً، وربما وضع استلامه لمنصب الخليفة قيوداً عليه، من حيث التواصل والحركة”.
“قاعدة وسطى وصلبة”
في تقرير نشرته وكالة “رويترز”، اليوم السبت، أشارت إلى أن تنظيم “الدولة الإسلامية”، لا يزال في العراق حيث نشأ هناك، وفي سورية المجاورة، حيث توجد له “بؤرة عمليات”.
وكان التنظيم فيما مضى متواجداً بمدينة الرقة ومدينة الموصل العراقية، حيث سعى لتحويلهما إلى “مواقع مركزية” للحكم، ويتواجد الآن في “مناطق نائية بالبلدين”.
وينتشر مقاتلوه ضمن “خلايا مستقلة وقيادات سرية، يصعب تحديد حجمها الإجمالي”، على الرغم من أن الأمم المتحدة تقدرها بعشرة آلاف مقاتل في العراق وسورية.
ويتوفق حديث الباحث السوري سعد الشارع، مع الذي يقوله الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، عرابي عرابي.
وبينما اعتبر عرابي أن مقتل “القرشي” لن يؤثر على نشاط التنظيم، أوضح أن هذه الفكرة تستند إلى رؤية ملخصها أن “مثل هذه التنظيمات لا تعتمد بشكل أساسي على تماسك القيادة بقدر تماسك القاعدة الوسطى والصلبة”.
ويضيف الباحث في حديثه لـ”السورية.نت”:”إذا تغيرت القيادة وببعض الجهود ستستمر التنظيمات بنشاطها أو تنقسم عمودياً”، مشيراً إلى أن الانقسام “لن يؤد إلى انتهائها، بل سيعزز كل طرف مقابل طرف، كما حصل مؤخراً بالنسبة لتنظيم القاعدة وهيئة تحرير الشام وجبهة النصرة”.
واعتبر عرابي أن قيادات التنظيم “ليست ميدانية”، حيث ينحصر عمل الميدان على عناصر وقيادات الطبقة الوسطى، و”لذلك لن يؤثر مقتل القرشي بشكل كبير على تنظيم الدولة”.
ويتوقع الباحث أن يخلف القرشي “أبو عبد الله العيساوي، وهو قائد ميداني، وكان يشغل المدير العام والقائد الميداني العام لتنظيم ولاية العراق”.