يكاد لا يمر يوم على السيدة الستينية كاملة، إلا وتستذكر معاناتها في رعاية أبنائها المقعدين، الذين أمضت معظم سنوات حياتها في خدمتهم، رغم ضعف صحتها وإصابتها بأمراض مزمنة كالربو، دون أن تفقد شغفها بهم ورعايتها لهم حتى آخر نفس، حسب وصفها.
للسيدة كاملة خمسة أبناء، اثنين منهم أصيبوا بشلل كامل في طفولتهما، نتيجة إصابتهما بمرض السحايا، الذي لم يكن يتوفر له علاج في منطقتهم آنذاك، في حين توفي لها أكثر من ولد بعد الولادة لأسباب متفرقة.
أمراض وراثية منتشرة.. والأسباب؟
تقول السيدة كاملة في حديثها لـ “السورية نت”، إن الأطباء أرجعوا سبب حالتها لوجود قرابة بينها وبين زوجها، فهو ابن عمها وابن خالتها في نفس الوقت، إلى جانب صلة أبناء العمومة الموجودة بكثرة ضمن نفس نسبها ونسب زوجها.
تلك “المشكلة” ليست حديثة العهد على المجتمع السوري، لكن آثارها لا تزال تنتشر في عموم الأراضي السورية. وبتسليط الضوء على الشمال السوري خاصة في ريف إدلب، نرى أن الأمراض الوراثية باتت تنتشر في بعض المجتمعات المتمسكة بعادات وتقاليد، تمنع زواج البنت من شخص غريب غير ابن عمها أو أحد قرابتها، دون مراعاة ما يسببه زواج الأقارب من آثار سلبية على صحة الأبناء الجسدية والعقلية.
تبدي السيدة كاملة ندماً خفياً كونها لم تتعلم درساً مما حصل معها، كما تقول، إذ قامت “بحكم العادات” بتزويج ابنتها من ابن عمها أيضاً، لتُرزق ابنتها بطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، مصاب بمرض نادر يُطلق عليه “مويا مويا”، يصيب أوعية الدماغ لدى الأطفال ويؤدي إلى شلل نصفي.
الطبيب المختص بأمراض الدم، ملهم خليل، يقول في حديثه لموقع “السورية نت” إن أهم الأمراض الدموية المتعلقة بالوراثة، والمنتشرة في الشمال السوري، هي اضطرابات الخضاب بأشكالها وأهمها التلاسيميا وفقر الدم المنجلي، إضافة إلى اضطرابات التخثر وأهمها الناعور.
ولفت خليل إلى ازدياد نسبة هذه الأمراض في المنطقة، والتي تعود في الغالب لأسباب وراثية، خاصة في ظل انتشار زواج الأقارب وعدم الاهتمام بإجراء فحوصات طبية قبل الزواج.
وأكد على ذلك الطبيب جميل الدبل، المختص بأمراض الدم والأورام أيضاً، لافتاً إلى ضرورة إجراء فحوصات طبية قبل الزواج، تتمثل بالقيام بتحاليل وراثية وأهمها تحاليل لأمراض التلاسيميا، فقر الدم المنجلي، تكور الكريات الوراثي العائلي، نقص البروتين سي، نقص الكريات البيض، نقص المناعة، متلازمة داون، أمراض العضلات وغيرها.
وأشار الطبيب جميل إلى أن الكشف عن الأمراض الوراثية يتم إما عن طريق التحاليل الجينية، وهي غير متوفرة في مناطق شمال غربي سورية، أو عن طريق التحاليل الدموية الشائعة.
عادات أرهقت المجتمع
يقول الشاب العشريني إبراهيم، المهجر من ريف إدلب الجنوبي، لموقع “السورية نت” إن ظاهرة زواج الأقارب لا تزال تنتشر في محيطه، إذ لا يحق لأي شاب أن يخطب فتاة بوجود ابن عم يرغب الزواج بها.
واستذكر حادثة حصلت في عائلته حين خُطبت إحدى بنات عمه لشاب “غريب”، لكن الخطبة لم تتم بعد أن أبدى ابن عم الفتاة رغبته بالزواج منها، حيث وقعت مشكلة بين ابن العم والخاطب الغريب، بعد أن أطلق الأول النار على الثاني دون أن يصيبه، وانتهى به المطاف في إحدى سجون إدلب، لتتدخل مجالس الصلح العشائري وتحل القضية.
أما الشاب فارس الأحمد، لديه تجرية مماثلة في هذه المسألة أيضاً، حيث تزوج ابنة عمه التي تكون ابنة خالته في نفس الوقت، رغم وجود أمراض وراثية ضمن العائلة، مرجعاً الأمر إلى عادات متوارثة فرضت عليهما الزواج.
فارس رزق بطفله الرابع الذي أُصيب منذ عامه الأول بمرض نقص بيكربونات الصوديوم واضطراب شوارد في غازات الدم، وهو مرض منتشر في العائلة، يُسبب ضموراً في الدماغ وتأخر في النمو.
ونتيجة عدم توفر علاج لهذا المرض شمالي إدلب، تم تحويل الطفل إلى تركيا لكنه عاد إلى سورية دون أن يتماثل للشفاء، حيث يخضع الآن لعلاج فيزيائي مستمر “على أمل الشفاء”.