زورافليوف.. جنرال روسي يستنسخ “سيناريو حلب” في أوكرانيا
تمكنت شبكة “سي ان ان“، من الكشف عن قيادة جنرال روسي لهجمات بالقنابل العنقودية في أوكرانيا، بعدما أشرف في وقت سابق على “الفظائع” في سورية، وفق وصف تقرير موسع نشرته اليوم الجمعة.
وتقول الشبكة الأمريكية، إنها تحققت وحللت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، تُظهر انفجارات متعددة، تماشياً مع استخدام صواريخ سميرتش العنقودية (300 ملم)، في سالتيفكا ومناطق سكنية أخرى في خاركيف.
وبحسب التقرير، حصلت كل من “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية”، على أدلة فوتوغرافية على ذخائر عنقودية صغيرة غير منفجرة، تم تحديد موقعها الجغرافي في موقع الهجمات.
وفي إحدى الحالات، كان للذخيرة الصغيرة (9N235)، تاريخ تصنيع 2019، أي بعد سنوات من توقف روسيا عن بيع هذه الأسلحة إلى أوكرانيا، مما يؤكد أن روسيا شنت الهجوم.
وحصلت “سي إن إن”، على الصورة الأصلية التي تظهر هذه الذخيرة الصغيرة، وبعد التحقق منها، أظهرت البيانات الوصفية، أنه تم التقاطها بهاتف محمول في 28 فبراير/ شباط، بالقرب من موقع إحدى الهجمات، ولوحظ أنماط تأثير متوافقة مع انفجار الذخائر العنقودية.
وبمساعدة خبير الأسلحة هنري شلوتمان، تتبعت “سي ان ان” الصواريخ إلى لواء المدفعية، الذي تقع قاعدته في بيلغورود، وأكدت الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، صحة النتائج التي خرجت بها الشبكة الأمريكية.
ولم تكن هذه الصواريخ، هي الوحيدة التي أطلقت على خاركيف خلال فترة الـ48 ساعة الرئيسية في أواخر فبراير/ شباط، حيث قاتلت القوات الروسية للاستيلاء على المدينة.
ومن خلال تحليل صور الأقمار الصناعية بالتعاون مع المركز المستقل (Centre for Information Resilience” (CIR”، حددت “سي إن إن” لواء المدفعية الذي شن هجوماً بالقنابل العنقودية على الأحياء السكنية، في ثاني مدينة في أوكرانيا، في اليوم الذي تعرضت فيه كيريوخينا وجيرانها للهجوم.
ويقدم هذا اللواء تقاريره مباشرة إلى نفس القائد العسكري، العقيد ألكسندر زورافليوف، الذي أشرف على أحد أكثر فصول الحرب قسوة في سورية.
“زورافليوف.. المتهم الأول”
وقال العديد من الخبراء العسكريين للشبكة الأمريكية إن زورافليوف وهو النظير الروسي لقائد مسرح عمليات في الجيش الأمريكي، هو الضابط الوحيد الذي لديه سلطة الأمر بشن هجوم بصواريخ سميرتش في منطقته، لأن الصاروخ من هذا الطراز سلاح عالي القيمة ويحتاج إلى موافقة كبار القادة.
وراجع مارك هيزناي، خبير الأسلحة ومدير المساعد بمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، الصور من الموقع، وقال إنها تشير إلى أن الهجمات بالذخائر العنقودية حدثت على نطاق لم نشهده منذ سنوات.
وأضاف: “هناك الكثير من الذخائر العنقودية المستخدمة في نطاق ربما كان يتجاوز ما رأيناه في جنوب لبنان في عام 2006”. في إشارة إلى حرب عام 2006 بين لبنان وإسرائيل، والتي أسقط خلالها الجيش الإسرائيلي ما يقدر بنحو 4 ملايين ذخيرة صغيرة في جنوب لبنان ، بحسب الأمم المتحدة.
وتابع: “الأمر ليس مثل الأفلام التي تشاهد فيها الصاروخ قبل سقوط القنبلة، ستفجر فجأة 72 ذخيرة صغيرة عبر ملعب لكرة القدم،لهذا السبب يتم قطع الناس حرفياً، ليس لديك الكثير من الحروق ولا الإصابات، إنها مجرد شظايا دموية سيئة”.
“سلاح محظور”
والقنابل العنقودية محظورة بموجب اتفاقية 2010 بشأن الذخائر العنقودية، التي تحظر استخدام هذه الأسلحة ونقلها وإنتاجها وتخزينها.
وتشير المعاهدة إلى فشل العديد من الذخائر الصغيرة في الانفجار عند الاصطدام، مخلفة ذخائر خطيرة في الحقول والمناطق الحضرية، يمكن أن تقتل أو تشوه الناس.
وروسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة وإسرائيل، من بين الدول التي لم توقع على المعاهدة.
“البداية من سورية”
أوكرانيا ليست ساحة المعركة الأولى التي استخدمت فيها القوات الروسية الذخائر العنقودية، لإحداث تأثير مدمر بحق المدنيين، لأن البداية كانت من سورية، ومن قبل ذات الضابط.
تم تكليف زورافليوف (57 عاماً) بمهام في سورية، وأصبح في البداية قائد القوات الروسية في يوليو/ تموز 2016.
وقبل أن يتولى هذا المنصب، كانت القوات الروسية وقوات النظام وميليشياته يخوضون معارك للاستيلاء على شرق حلب، الذي تسيطر عليه فصائل معارضة، مما أدى إلى تقدم مطرد ضد القوات المدافعة.
وتزامن تكليف زورافليوف بقيادة الهجوم على شرق حلب، مع تصعيد الجيش الروسي لهجماته على الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة.
وأكملت قواته حصار المدينة المكتظة بالسكان، مما تسبب في عدد كبير من القتلى، وعجل بتطبيق التكتيك الذي عرف به تدخل روسيا في سورية: حصار، وتجويع، وقصف للإجبار على الاستسلام.
كما شهدت فترة قيادته زيادة كبيرة في الهجمات الموثقة بالذخائر العنقودية في حلب.
وبحسب مركز “توثيق الانتهاكات في سورية”، فقد استخدمت الذخائر العنقودية 137 مرة في حلب بين 10 سبتمبر/ أيلول، و10 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، بزيادة 791٪ عن متوسط عدد الهجمات بالذخائر العنقودية في الأشهر الثمانية السابقة.
وقالت مديرة منظمة “إنقاذ الطفولة في سورية” آنذاك ، سونيا كوش، في بيان: “لقد كان تصعيداً سعت منظمات الإغاثة إلى لفت انتباه العالم إليه، في ذلك الوقت، هناك أطفال صغار بترت أطرافهم أو لديهم كرات مثبتة في أجسامهم بسبب استخدام هذه الأسلحة المروعة والعشوائية”.
“عدم المعاقبة.. كرر الجريمة”
ومع انتهاء معركة حلب في ديسمبر/ كانون الأول 2016، ترك “زورافليوف” قيادة الجيش الروسي في سورية، وعاد إلى بلاده، وحصل على أعلى درجات التكريم الممنوحة لضابط روسي، وسام بطل الاتحاد الروسي.
وقال الخبير العسكري الروسي فيليب واسيليفسكي: “النتائج التي حققها زورافليوف في سورية، كانت بالضبط ما أراده الروس، ومن هنا جاءت مكافأته بالوسام الأول، وأعلى المناصب التي يمكن للمرء الحصول عليها”.
وصرح زورافليوف، في وقت لاحق بمقابلة، بأن سورية علّمته قيمة “البراعة العسكرية”، وأن الدروس المستفادة هناك تم دمجها في كل التدريبات العسكرية الروسية.
وختمت “سي إن إن” تقرير الموسع، بتصريح لـ”ماثيو إنغام”، محامي حقوق الإنسان البارز في مكتب المحاماة “باين هيكس بيتش”، أكد فيه أنه “كان يجب معاقبة العقيد ألكسندر زورافليوف بسبب أفعاله في سورية”.
وتابع: “إنه لأمر مخز أنه لم يكن هناك رد أقوى على جرائم الحرب المزعومة في تلك المرحلة، لأن ذلك ربما أثر على حسابات (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين الاستراتيجية الأوكرانية منذ البداية”.