في الثامن عشر من يونيو/حزيران عام 2016، وقبل أقل من عام من التدخل الروسي في سورية لدعم نظام الأسد، حطّت طائرة عسكرية روسية في قاعدة “حميميم” بريف اللاذقية تقل وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو. التقى حينها بشار الأسد بصورة مفاجئة بعد استدعائه إلى القاعدة، في زيارة غير معلنة كانت الأولى، لأرفع مسؤول عسكري روسي لسورية، عقب الثورة السورية في عام 2011.
نشرت وزارة الدفاع الروسية بياناً، حينها، قالت فيه إن “لقاء شويغو مع الأسد تناول القضايا الملحة للتعاون العسكري التقني بين وزارتي دفاع البلدين، وكذلك بعض جوانب التعاون بين البلدين في محاربة التنظيمات الإرهابية العاملة في الأراضي السورية”.
وأكدت الوزارة إن شويغو زار سورية بتوجيه من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لتفقد القوات الروسية في سورية.
الزيارة كان لها ظرفٌ خاص، خاصة أنها جاءت بعد مطالبة نواب أمريكيين، الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، بتوجيه ضربة جوية عسكرية لنظام الأسد، وعقب تهديد موسكو، في 17 يونيو/حزيران 2016، على لسان الناطق باسم الرئيس الروسي، ديمتري بيسكوف، أن الشرق الأوسط ستصيبه “فوضى عارمة”، في حال إسقاط بشار الأسد.
رسائل.. “سياسية وعسكرية”
الزيارة الأولى لشويغو إلى سورية كانت الفاتحة بالنسبة له، إذ تلتها عدة زيارات مماثلة، ترافقت مع ازدياد حدة التصعيد العسكري للقوات الروسية على الأرض، من الجنوب السوري، وصولاً إلى المنطقة الشرقية، وإلى إدلب في الشمال الغربي لسورية.
ببزة عسكرية تارة وباللباس الدبلوماسي الرسمي تارة أخرى، التقى شويغو بالأسد في زياراته المتكررة، على مدار الأعوام الماضية، وبينما كانت “الدفاع الروسية” تعلن أن اللقاءات تندرج ضمن “زيارات العمل”، أشارت وسائل الإعلام الرسمية لنظام الأسد على أن مهمة شويغو الرئيسية فيها هي إيصال رسائل بوتين للأسد، والمتعلقة بما يجري في سورية، سواء على المستوى العسكري أو السياسي.
فعلى سبيل المثال، وبعد عام تقريباً من الزيارة الأولى، وفي سبتمبر/أيلول 2017، أعلنت “الدفاع الروسية” أن شويغو زار سورية، وأجرى مباحثات مع الأسد، مشيرةً إلى أن الزيارة “جاءت بإيعاز من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبحث الجانبان موضوع استقرار الوضع في سورية، وعمل مناطق تخفيف التوتر وتقديم المساعدات للسكان، والتعاون العسكري”.
لم تكن زيارات شويغو إلى سورية، وعلى مدار خمس سنوات مضت، في ظروف مستقرة، بل تزامنت مع تغيرات جذرية وحساسة سياسياً وعسكرياً، ولعل أبرزها في مارس/اذار عام 2019 أثناء الحملة العسكرية على محافظة إدلب، وما رافقها من تحركات سياسية لإطلاق اللجنة الدستورية السورية، وصولاً إلى الزيارة الأخيرة له، منذ يومين، 23 مارس/آذار 2020، والتي التقى فيها الأسد، وناقشا “التعاون العسكري ومكافحة التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى إنعاش القدرات الاقتصادية لسورية”، بحسب بيان لـ”الدفاع الروسية”.
دون علم الأسد
منذ تدخلها عسكرياً في سورية، كسرت روسيا قواعد البروتوكول لدى نظام الأسد بشكل كامل. وعلى خلاف المعمول به عالمياً بالنسبة للدول والحكومات، كان المسؤولون الروس يحطون في سورية بصورة مفاجئة، بين الحين والآخر، وهو ما اتبعه شويغو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أثناء زياراتهم، سواء للقاعدة في حميميم أو العاصمة دمشق.
ولم يخف نظام الأسد طبيعة الزيارات الروسية وماهيتها، وهو أمر كان يشير له بشار الأسد بتعابيره وحديثه، في أثناء لقاءه مع بوتين وشويغو، ففي الزيارة الأولى للأخير بعد التدخل الروسي نشرت وسائل إعلام روسية تسجيلاً مصوراً أظهر لحظة استقبال الأسد لوزير الدفاع الروسي، معبراً عن “سعادته” باللقاء، ومضيفاً أنه “مفاجأة سارة”.
كما عرض التسجيل المصور، حينها، جزءاً من الاجتماع بين الطرفين، والذي قال فيه الأسد “لم أكن أعلم أنكم ستأتون شخصياً (مخاطباً شويغو)”.
من هو شويغو؟
ولد في 21 مايو/ أيار عام 1955 في مدينة تشادان في جمهورية تيفا السوفياتية (في الوقت الحالي جمهورية تيفا).
يوصف من قبل وسائل الإعلام الروسية، بأنه وزير لا يرتدي ربطة العنق ولا يحمل حقيبة العمل، لكنه “يحمل عدة هائلة من الخبرة في الحياة، ويقود العمليات من مكان الحدث، حيث الخطر الكبير وليس من مكتبه في موسكو”.
حصل شويغو على لقب بطل روسيا في عام 1999، ووصل إلى رتبة جنرال في الجيش الروسي عام 2003، كما تولى منصب وزير روسيا لشؤون الدفاع المدني وحالات الطوارئ والتخلص من عواقب الكوارث الطبيعية (وزارة حالات الطوارئ).
بعد تسع سنوات، وفي مايو/أيار من عام 2012، شغل شويغو منصب محافظ منطقة ضواحي موسكو، ليعينه بوتين بعد عدة أشهر وزيراً للدفاع في روسيا.
مدير عمليات بوتين في سورية
في أكتوبر/ تشرين الثاني من عام 2015 نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية تقريراً حول شويغو، قالت فيه إنه يقود العمليات الروسية في سورية، وإنه يعدّ الذراع الأيمن للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين وأبرز المرشحين لخلافته، “لما يمتلكه من براعة في اللعب على المشاعر الدينية والوطنية، ونجاحه في خوض حرب المعلومات لتبرير التدخل الروسي في سورية”.
أشارت الصحيفة إلى أن سيرغي شويغو يقود أول تدخل عسكري لروسيا خارج المربع السوفييتي منذ دخولها لأفغانستان سنة 1979، كما أنه يمثل العقل المدبر لعملية ضم شبه جزيرة القرم، وهو يضطلع بتنفيذ كل مخططات فلاديمير بوتين على جميع الجبهات، بما في ذلك تعميق العلاقات والتعاون العسكري مع النظام الإيراني.
وذكرت “لوموند” أن بوتين عينه في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 وزيراً للدفاع، “لرغبته بالاستفادة من خبرته ودهائه السياسي والعسكري، في إطار العمل على استعادة مكانة روسيا وهيبتها، في مواجهة الولايات المتحدة”.
وبحسب الصحيفة كان شويغو العقل المدبر لعملية ضم شبه جزيرة القرم، وقد أشرف بنفسه على العمليات العسكرية وعلى الحملة الإعلامية أيضاً، ونجح في كسب تأييد الشعب الروسي لهذه العملية.
وفور انتهائه من هذه المهمة، وجه شويغو أنظاره نحو سورية، و”قام بتوجيه راداراته وإطلاق طائرات سوخوي نحوها، لخوض مواجهة جديدة غير مباشرة مع الولايات المتحدة، ذريعتها محاربة الإرهاب، وهدفها إنقاذ نظام الأسد”، بحسب “لوموند”.
تعلم في سورية “كيف يحارب”
في السنوات الماضية من التدخل العسكري الروسي في سورية خرجت عدة تصريحات لشويغو، نشرتها وكالات روسية، تضمنت حديثه عن آخر التطورات العسكرية ضد فصائل المعارضة، والتجهيزات العسكرية الروسية في القاعدة الأبرز (حميميم).
وإلى جانب ما سبق كان له تصريحات لافتة، روج من خلالها للأسلحة الروسية، والتي تم تجريبها في أثناء العمليات العسكرية، المساندة لنظام الأسد على كامل الخريطة السورية.
وفي سبتمبر/ أيلول عام 2019 كان شويغو قد كشف عن تفاصيل “حققتها الصناعة العسكرية الروسية” من خلال الخبرة المكتسبة في العمليات العسكرية على الأراضي السورية.
وتحدث عن تطوير مئات النماذج من الأسلحة والتقنيات الحربية، مشيراً إلى أن كثيراً من التقنيات “لم يكن سبق وجربت في ظروف الحرب الحقيقية، لا في الاتحاد السوفياتي السابق ولا في روسيا بعد ذلك”.
وقال الوزير الروسي، لوسائل إعلام روسية، حينها: “في سورية، كان علينا أن نتعلم كيف نحارب بطريقة جديدة. وقد فعلنا ذلك”.
وأضاف: “إذا تحدثنا عن الطائرات المقاتلة والهجومية والمقاتلات بعيدة المدى، وطائرات النقل والإمداد، فنحو 90 في المائة من مجمل وحدات هذه القطاعات خاضت عمليات عسكرية مباشرة في سورية”.