نشطت موسكو في الفترة الأخيرة في الشمال السوري سياسياً وعسكرياً، خاصة تجاه المكون الكردي السوري. فقد إستقبلت في الأسبوع الأخير من الشهر المنصرم رئيس قسم العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الكردي كاميران حاجو، ثم إستقبلت في 5 الشهر الجاري وفد “جبهة السلام والحرية” المعارضة برئاسة أحمد الجربا، كما تستعد لمحادثات مع وفد من “مجلس سوريا الديموقراطية” (مسد) برئاسة إلهام أحمد.
رافق الجربا في زيارة موسكو وفد، إقتصر على كرديين من أربيل، وكان مرتاحاً جداً للمحادثات مع وزير الخارجية سيرغي لافروف ومن ثم مع نائبه والممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل يوغدانوف، حسب مصدر ل”المدن” في موسكو تابع زيارة الجربا عن كثب وتمنى عدم ذكر إسمه. وأصدرت الخارجية الروسية عقب المحادثات مع لافروف بيانًاً مقتضباً لوسائل الإعلام، من دون أن تصدر أي بيان بعد المحادثات التفصيلية عن الأوضاع في سوريا مع بوغدانوف. وذكر البيان أن المحادثات مع لافروف ركزت على ضرورة تحريك العملية السياسية على أساس قرار مجلس الأمن 2554، بما في ذلك إقامة حوار “دائم وبناء” بين السوريين ب”مختلف الأشكال”. وكرر لافروف ما تردده روسيا دائماً عن تأكيدها على سيادة سوريا ووحدة أراضيها وضرورة تنشيط الجهود الدولية لتحسين الحياة الإنسانية في سوريا وإعادة بنائها بعد إنتهاء الحرب.
مصدر “المدن” يقول بشأن زيارة وفد “مسد” بأن إلهام أحمد كانت منذ حوالي الشهر في موسكو، وتعود إليها بعد زيارتها للولايات المتحدة، مما يعزز مصداقية الحديث عن تفاهم روسي أميركي ما بشأن المكون الكردي في سوريا. ويرى أن تنشيط إتصالات موسكو مع المعارضة والمكون الكردي السوري يهدف، بالدرجة الأولى، إلى تجميع القوى السياسية والعسكرية العاملة في شمال شرق سوريا للوقوف بوجه الحملة العسكرية التركية المحتملة، على الرغم من إنخفاض معدلات هذا الإحتمال لأسباب متعددة. لكنه لا يستبعد أن يكون تنشيط هذه الإتصالات يستهدف ما هو أبعد من ذلك، تكرار سيناريو درعا الروسي في شمال شرق سوريا، على أن تلعب روسيا دور الضامن للإتفاق بين القوى الكردية والنظام السوري. وفي هذا السياق يجري الحديث عن تفاهم روسي أميركي في إبعاد التشكيلات الكردية المسلحة إلى مسافة ما عن الحدود التركية، مما يهدئ من المخاوف التركية وهو ما يشكل مصلحة مشتركة للروس والأميركيين كلٍ لأسبابه. فمن مصلحة روسيا عشية لقاء منصة أستانة الشهر المقبل، أن تهدئ من مخاوف شريكيها التركي والإيراني. فالعلاقات الروسية التركية تمر بمرحلة تراجع لا تريد له روسيا أن يتعمق، سيما أنها تعتبر هذه العلاقات مع إردوغان إنجازاً إستراتيجياً لن تتخلى عنه، حتى بسبب تعارض مصالحهما في سوريا، وهو ما لا تراه تركيا، بل ترى فيه سياسة تكتيكية لن تتخلى من أجلها عن علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب، وعن عضويتها في حلف الناتو. ومن الجانب الإيراني، اثارت مخاوف جدية لدى الإيرانيين تسريبات الإسرائيليين عن إتفاق جديد إسرائيلي روسي في لقاء بوتين بينيت بشأن الضربات الإسرائيلية لأهداف إيرانية في سوريا، ردت عليه موسكو بأنها تسريبات أجهزة أمنية عسكرية إسرائيلية. كما عمدت إلى وإستبدال الإقتراح الإسرائيلي بلقاء مسؤولي الأمن القومي في روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة بلقاء ثنائي عقد في موسكو مع مدير CIA وليم بيرنز مطلع الشهر الجاري.
في العودة إلى زيارات الوفود السورية الأخيرة إلى موسكو، ولدى سؤال “المدن” عن سبب هذه الزيارات وما إن كانت روسيا تستعد لتكرار سيناريو درعا في شمال شرق سوريا، قال المستشرق وخبير المجلس الروسي للشؤون الدولية كيريل سيميونوف، بأنه يعتقد بأن نشاط موسكو هذا مرتبط بتحضير أنقرة لعملية عسكرية تود روسيا الحؤول دونها. وتحاول موسكو، برأيه، العمل مع جميع أطياف القوى العسكرية والسياسية العاملة في شمال شرق سوريا من أجل إيجاد صيغة ممكنة لحل سلمي دون الوصول إلى إندلاع صراع عسكري بين النظام السوري وحلفائه وتركيا وحلفائها، لن تتمكن موسكو من عدم الإنخراط فيه، وليس بالطيران وحده. وبشأن إحتمال تكرار سيناريو درعا، قال سيميونوف بأن هذا الإحتمال يمكن أن تكرره روسيا في هذه المنطقة، لكن “الكثير هنا يعتمد على الموقف الذي ستتخذه الولايات المتحدة”.
المعلق والمتابع لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة NG الروسية إيفور سوبوتين قال ل”المدن” بأن الإتفاقيات التي عقدتها “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) مع روسيا والولايات المتحدة بشأن تخفيض التوتر في شمال غرب سوريا، تحمل طابعاً عاماً، ولا تحتوي على مضمون ملموس، ما يحافظ على مشكلة تكرار الإشتباكات المسلحة كما هي في هذه المنطقة. روسيا كان بودها، بالطبع، أن تتواصل “قسد” مع دمشق الرسمية على مستوى من الإتفاق الذي يسمح بدمج قوات منطقة الحكم الذاتي هذه في الجيش السوري الرسمي. لكن حتى الوقت الراهن نرى أن العروض التي تقدمها روسيا لم تناسب قيادة هذه المنطقة، وليس من أساس لكي نتوقع إمكانية التوصل لمثل هذه الإتفاقية في الفترة القريبة.
وبالنسبة للشائعات عن عملية تركية قريبة، يعتقد سوبوتين بأنها مضخمة، وإذا ما حدثت فلن تكون واسعة كما كانت عليه حملة “نبع السلام”. فما كانت أنقرة تقوم به في عهد دونالد ترامب، قد يكون من الصعب القيام به في عهد جوزيف بايدن برأيه.
في مواصلة لحديثه مع الصحيفة الروسية عن زيارته لموسكو أواخر الشهر المنصرم، وفي رد على سؤاله عن سبب زيارته لموسكو، قال كاميران حاجو ( نقلت “المدن” بعضاً من إجاباته المتعلقة ب”أحجية العملية التركية”) بأن روسيا دولة مهمة جداً في الصراع السوري، والمسالة الكردية “حرجة للعايةً” في الوضع السوري. ولذلك هم بحاجة دوماً للتواصل مع روسيا ومواصلة العلاقات معها.
ولدى سؤاله عن أن موسكو لا يعجبها نشاط الولايات المتحدة على الإتجاه الكردي، وما إن كان الدبلوماسيون الروس يحدثونهم عن ذلك، قال بأنهم على علم بهذا الأمر، لكنهم مشارك صغير في هذه اللعبة الكبرى، ويحاولون الحفاظ على علاقاتهم مع الجميع ــــــــ مع روسيا ومع الولايات المتحدة.
وعن رأيه في ما تقوله موسكو بأنه لولا الولايات المتحدة، لكان نشط الأكراد أكثر في الحوار مع دمشق، نفى أن يكون الأمر متعلقاً بالإتحاد الوطني، لكنه يقول بأن الولايات المتحدة لا تسهل حوار التشكيلات الكردية الأخرى مع النظام السوري، إلا أنها لاتعرقله في الوقت عينه، خاصة إدارة الرئيس جو بايدن. موقف إدارة دونالد ترامب كان واضحاً جداً: أنتم لا يمكنكم القيام بأي شيء.
وعن ما إذا كان هناك من تغيير في موقف واشنطن حيال دمشق، وما إن كانت مستعدة للحوار مع السلطات السورية، قال بأنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة سوف تتحدث مع دمشق.لكنه واثق من أن ملك الأردن عبدالله لم يكن ليتصل هاتفياً ببشار الأسد من دون ضوء أخضر أميركي. وذكّر بعدد اللقاءات الكبير التي عقدها وزير خارجية النظام خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليستنتج بأن هناك تغييراً في الموقف الأميركي حيال دمشق.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت