يعطي القصف المزدوج الذي نفذته إسرائيل، ليلة الأربعاء، على مطار حلب الدولي ومواقع في ريف العاصمة دمشق سلسلة من المؤشرات والرسائل، حسب مراقبين، وذلك ما يتعلق بطبيعة الضربة من جهة، والسياق الزمني الذي جاءت فيه، فضلاً عن طريقة تنفيذها.
وهذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها مطار حلب لقصف إسرائيلي، منذ بداية عام 2022، كما أن الضربة المزدوجة تعتبر الأولى من نوعها، من حيث استهدافها لمواقع في حلب ودمشق، وهما المحافظتان البارزتان في سورية، والخاضعتان لسيطرة النظام السوري.
وحسب ما ذكرت وسائل إعلام إيرانية وإسرائيلية، اليوم الخميس، فإن الضربات الصاروخية جاءت بينما كانت طائرة إيرانية تحاول الهبوط أولاً في مطار حلب الدولي، لتنتقل بعد الهجوم الأول للهبوط في مطار دمشق.
ولم يعرف حجم الأضرار بالتحديد، التي خلفها القصف المزدوج، بينما أشارت المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى خسائر طالت مدارج مطار حلب، ومستودعات الأسلحة المحيطة به.
من جانبه قال وزير خارجية نظام الأسد، فيصل المقداد في بيان إن إسرائيل “تلعب بالنار وتُعرِّض الأوضاع الأمنية والعسكرية في المنطقة للتفجير”.
وأضاف المقداد أن “سورية لن تسكت في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وسيدفع الإسرائيليون الثمن عاجلاً أم آجلاً”، حسب تعبيره.
The Minister of Foreign Affairs and Expatriates:
– The ongoing Israeli aggressions threaten to explode the security and military situation in the region.
– Syria will not remain silent in the face of these aggressions, and sooner or later the Israelis will pay the price.
1/3— Ministry of Foreign Affairs and Expatriates- Syria (@syrianmofaex) September 1, 2022
ماذا وراء القصف؟
وجاء القصف الإسرائيلي بعد أسبوع من ضربة مماثلة تعرضت لها مواقع عسكرية للنظام في مصياف بريف حماة الغربي ومناطق أخرى في الساحل السوري.
كما أنها جاءت عقب التقارير التي نشرتها وكالة استخبارات فضائية إسرائيلية، إذ كشفت أن موسكو أقدمت على تفكيك ونقل منظومة “إس – 300” من سورية، باتجاه أراضيها.
وإلى جانب هذين السياقين فقد تبعت الضربة الإسرائيلية على حلب ودمشق عمليات القصف المتبادل التي دارات، الأسبوع الماضي، بين القوات الأمريكية والميليشيات الإيرانية في محافظة دير الزور.
ويرى المحلل العسكري، العقيد عبد الجبار العكيدي أن المنطقة باتت “على صفيح ساخن”، وذلك استناداً لحالة التصعيد القائمة، سواء من جانب إسرائيل ضد إيران، أو كما حصل مؤخراً في دير الزور.
ويوضح العكيدي في حديث لموقع “السورية.نت” أن هناك سلسلة من الرسائل تقف وراء ما أقدمت عليه إسرائيل، ليلة أمس الأربعاء.
وقبل أسبوعين كان إيغور كوستيوكوف، رئيس الإدارة الرئيسية لهيئة الأركان العامة الروسية قد حذّر من احتمال أن “تصبح سورية ساحة مواجهة إسرائيلية إيرانية بدفع من الولايات المتحدة”.
ويضيف المحلل العسكري: “هذا أمر جديد ومختلف عن السنوات السبع الماضية من التدخل الروسي. التصريحات الروسية قبل ذلك كانت تشير إلى ضمان أمن إسرائيل، وأن وجودها لحماية ذلك من التمدد الإيراني في سورية”.
وكأولى رسائل القصف الإسرائيلي، يوضح العكيدي أن “إسرائيل تريد القول إننا متابعين للتحركات الإيرانية، وبالتالي لن نسمح لهم بالتمدد وبتطوير الأسلحة. هي رسائل أيضاً للروس ولتصريحات كوستيوكوف الأخيرة”.
وتشي تصريحات المسؤول الروسي بأن “موسكو تريد القول إننا لن نطلق يدنا إلى مالا نهاية حيال القصف الإسرائيلي على مواقع إيران، وإننا لن نضغط على طهران بعد ذلك”.
ويتابع العكيدي: “هذا الخطاب الروسي رد عليها الإسرائيلي بأنكم لستم قادرين على حماية أمن إسرائيل، وأننا عندما نقصف أي موقع للنظام وإيران لدينا الإمكانية ودون أن تؤثر صواريخكم ومنظومات الدفاع الجوي”.
ولا يمكن أن تبتعد تصريحات رئيس الإدارة الرئيسية لهيئة الأركان العامة الروسية عن الجانب الأمريكي أيضاً.
إذ يشير المحلل العسكري إلى أنها جاءت أيضاً رداً على “محاولات إدارة بايدن للانسجام، ومحاولة إطفاء كل الحرائق في المنطقة، من أجل التفرغ لروسيا والصين”.
وحافظت إسرائيل وروسيا، في السنوات الأخيرة على ما يسمى بآلية عدم التضارب التي تعمل على منع القوات الإسرائيلية والروسية من الاشتباك في سورية.
وموسكو هي اللاعب الرئيسي الذي يدعم نظام الأسد سياسياً وعسكرياً، منذ عام 2015، بينما تشن إسرائيل حملة منذ سنوات طويلة من الضربات الجوية تستهدف المقاتلين الموالين لإيران الموجودين هناك.
وحتى الآن لم يصدر أي تعليق من الجانب الروسي بشأن الضربات التي طالت حلب ودمشق.
لكن وقبل نحو أسبوع أدان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف “الهجمات الصاروخية” التي تنفذها إسرائيل في سورية، وقال في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره السوري فيصل مقداد، إن روسيا تواصل دعم سورية و”تتوقع أن تحترم إسرائيل السيادة السورية”.
وأضاف: “نطالب إسرائيل باحترام قرارات مجلس الأمن وقبل كل شيء احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها”.
“ربط بين جبهتين”
في غضون ذلك كانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد ذكرت في تقرير لها، الأسبوع الماضي، إن إيران ونظام الأسد قررا استهداف القواعد الأمريكية في سورية، مقابل كل هجوم إسرائيلي على المواقع الإيرانية في البلاد.
وأضافت أن النظام السوري “طلب من إيران والميليشيات الموالية عدم مهاجمة إسرائيل من الأراضي السورية، كي لا يغامر باندلاع حرب شاملة في وقت تعتبر فيه البلاد بأضعف حالاتها”.
وكشفت الصحيفة عن اجتماع افتراضي دار قبل نحو عام، إذ التقى تحالف تقوده إيران لمناقشة كيفية الرد على الهجمات الإسرائيلية المتزايدة داخل سورية، وفقاً لمصدر مقرب من الحكومة الإيرانية ومطلع على استراتيجية الحرس الثوري في المنطقة.
وضم الاجتماع خبراء عسكريين من سورية والعراق وميليشيا حزب الله اللبنانية وميليشيا الحوثي اليمنية وقوات القدس الإيرانية – الذراع الخارجية للحرس الثوري.
وخلال الاجتماع قال ممثلو النظام السوري إنهم لا يريدون شن هجمات ضد إسرائيل من أراضيهم، حتى لا يخاطروا بحرب شاملة في وقت تعاني فيه البلاد بالفعل من الضعف.
لذلك قرر “التحالف” بدلاً من ذلك الرد على الضربات الإسرائيلية بضرب القواعد الأميركية في سورية، على أمل أن تضغط واشنطن بعد ذلك على إسرائيل للتراجع عن ضرب إيران في سورية.
وقرر المشاركون في الاجتماع أنه مقابل كل ضربة إسرائيلية على هدف إيراني في سورية، ستكون هناك ضربة انتقامية ضد قاعدة أميركية هناك، وخاصة التنف.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” قد كشفت، في يونيو الماضي، عن تنسيق “سري” تتبعه إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الضربات التي تنفذها في سورية.
وجاء في التقرير أن التنسيق يشمل العديد من الضربات الجوية التي تنفذها إسرائيل، حيث تواجه مع أمريكا “ساحة معركة مزدحمة بالجماعات المسلحة والميليشيات المدعومة من إيران والجيوش الأجنبية”.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين قولهم إن “القيادة المركزية الأمريكية قامت بمراجعة العديد من الضربات الجوية الإسرائيلية في سورية مسبقاً وإقرارها”.