منذ ما يقارب العام، يسعى نبيل وأخوته إلى بيع منزل صغير ورثوه عن أبيهم وسط العاصمة دمشق، حيث عرضوا المنزل للبيع لدى أكثر من مكتب عقاري، دون أن يجدوا أي بوادر لإمكانية بيعه على المدى القريب، ما دفعهم إلى التراجع عن عملية البيع.
عوامل عدة جعلت نبيل يعزف عن بيع منزله، الكائن في حي المهاجرين، وعلى رأسها تواجده وأخوته في ألمانيا، إلى جانب القوانين والإجراءات الأمنية المشددة التي فرضها نظام الأسد على بائعي العقارات في مناطق سيطرته، فضلاً عن عدم حصولهم على القيمة الحقيقية للعقار.
تلك العوامل “المعقدة”، كما وصفها نبيل في حديثه لـ “السورية نت”، جعلت من عملية بيع العقار صعبة جداً في مناطق سيطرة النظام، التي تشهد جموداً في سوق العقارات، تزامناً مع كثرة العرض وقلة الطلب.
تشديد أمني يربك البائعين
شهدت الأشهر الماضية تضييقاً من جانب النظام السوري، فيما يتعلق ببيع العقارات في مناطق سيطرته، حيث أصدر عدة قرارات ضمن مساعيه لضبط سعر صرف الليرة السورية، والحفاظ على ما تبقّى من اقتصاده من الانهيار.
بحسب محامي مطلع على الوضع في دمشق، فإن النظام يلاحق بائعي العقارات عبر إرسال دورية أمنية إلى منزل البائع، للتحقيق معه حول المبلغ الذي استلمه لقاء بيع العقار، والتأكد من أنه لم يُصرّف الملبغ من الليرة السورية إلى الدولار.
وأضاف المحامي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن النظام فرض على البائع وضع 15% من ثمن العقار في “المصرف المركزي”، على أن يسحبه على دفعات وبعد مدة محددة، مشيراً لـ “السورية نت” إلى أن هذه الأسباب خلقت خوفاً لدى المواطنين من بيع عقاراتهم، ما أسهم في الجمود الحاصل بسوق العقارات.
من جانبه، تحدث المحلل الاقتصادي، يونس الكريم، عن أسباب عدة أدت إلى تجميد حركة البيع والشراء في مناطق سيطرة النظام، وعلى رأسها القوانين التي أصدرها الأخير فيما يتعلق ببيع العقارات.
ومن بين تلك القوانين تجميد جزء من ثمن العقار في “المصرف المركزي”، الذي يحدد قيمة السحب الأسبوعي والشهري بالنسبة للحسابات الشخصية غير التجارية، وبالتالي فإن بائع العقار يُضطر للجوء إلى طرق “غير قانونية” لسحب كامل المبلغ.
وأضاف الكريم في حديثه لـ “السورية نت” أن النظام بات يحدد سعر العقار حسب المخطط التنظيمي للمنطقة، وهذا يجعل سعر العقار لا يعبّر عن قيمته الحقيقية، وبالتالي يمتنع أصحاب العقارات عن البيع تجنباً للخسارة.
ولفت الكريم إلى وجود أسباب “خفية” لجمود حركة بيع وشراء العقارات في مناطق سيطرة النظام، وأبرزها إرسال دورية من فرع الأمن السياسي أو العسكري إلى منزل البائع، للتحقيق معه حول سبب عدم وضعه المبلغ في المصرف المركزي، وسؤاله عما فعله أو سيفعله بالأموال وكيف سيتصرف بها.
وتابع: “قد يصل الأمر إلى حد الاعتقال والابتزاز، وقد يتخلى البائع عن جزء من أمواله للتخلص من هذه الورطة”.
وأردف: “عملية البيع أصبحت عملية مربكة، فالبائع لا يستطيع التصرف بأمواله أو السفر بها إلى الخارج، وحين تعلم الأجهزة الأمنية أن صاحب العقار سوف يسافر، يتم وضع إشارة منع سفر على اسمه ومنعه من الخروج، تحت تهم مختلفة”.
إلى جانب ذلك، يشترط النظام حصول البائع والشاري على موافقة أمنية قبل إتمام عملية البيع، وبالتالي في حال كان المنزل ملكاً لأكثر من شخص (ورثة مثلاً)، ولم يستطع أحد الأشخاص المالكين الحصول على موافقة أمنية بسبب معارضته للنظام أو لأسباب أخرى، فإن عملية البيع تتعرقل وأحياناً يتم الحجز على المنزل.
خفايا انهيار الليرة
شهدت الليرة السورية خلال الأسابيع الماضية انهياراً كبيراً أمام الدولار الأمريكي، مع تخطيها حاجز الـ 5000 مقابل الدولار الواحد، إلى جانب خسارتها قرابة 30% من قيمتها منذ عام.
يقول المحامي المقيم في دمشق، إن تذبذب سعر صرف الليرة السورية ونقص السيولة في الأسواق، كان له التأثير الأبرز في جمود سوق العقارات.
وكذلك يرى الباحث الاقتصادي، يونس الكريم، أن انخفاض قيمة الليرة السورية جعل سعر العقارات يرتفع لعدة أسباب، أبرزها رغبة البائع بالحفاظ على قيمة العقار بالدولار الأمريكي وليس بالليرة السورية.
وأضاف أنه “بموجب المرسوم رقم 3 يُمنع التداول بغير الليرة السورية، وبالتالي يضطر البائع إلى رفع سعر العقار بالليرة السورية ليحافظ على قيمته بالدولار، ومن هنا أصبح سعر العقارات في مناطق سيطرة النظام مبالغ بها”.
وبحسب الكريم، فإنه نتيجة انخفاض قيمة الليرة وفرض قوانين أمنية مشددة، انخفض سعر العقار السكني 15% بالنسبة لقيمته الحقيقية بالدولار، لكن بالمقابل زاد سعر العقار التجاري 30% بالنسبة لقيمته بالدولار.
وتحدث الكريم عن ضغط كبير تعرض له سوق العقارات خلال السنوات الماضية، نتيجة حركات النزوح و”المصالحات” التي أجراها النظام في بعض المناطق، عبر إعادة سكانها إلى قرى ومدن معينة، ما شكّل ضغطاً سكانياً أدى لارتفاع أسعار العقارات بشكل لا يستوعبه السوق.
وكانت وزارة المالية في حكومة النظام، كشفت أن قيمة العقارات المباعة في المحافظات السورية منذ بداية العام الجاري، ولغاية 7 أبريل/ نيسان، وصلت إلى أكثر من 3227 مليار ليرة، مع تسجيل 116.2 ألف عقد بيع.
وحسب تقرير للوزارة نشرته في 10 نيسان/ أبريل الماضي، تصدرت محافظة ريف دمشق العدد الأكبر في عقود البيع، بنسبة 25.8%، ومن ثم اللاذقية ثانياً بنسبة 11.8%.
وتلا ذلك كل من حمص بـ11.3%، و حلب بـ11.7%، وطرطوس بـ10.7%، و حماة بـ10.2%، ودمشق بنسبة 7.5%، ودرعا بنسبة 5.8%، وأخيراً السويداء بنسبة 3.6%.