لن يسمح التقارب الراهن بين سعر الليرتين اللبنانية والسورية بإستعادة تاريخهما المشترك، بإعتبارهما منشقتين من أصل فرنسي واحد، ورث العملة العثمانية، وظل نحو 44 عاماً مطبوعاً على ورقة نقدية موحدة مزقت في العام 1963 الى نصفين متساويين، سلكا منذ ذلك الحين طريقين متباعدين الى حد التضارب.
لكن ثمة ما يسمح بالتكهن بأن ذلك التقارب بين سعري العملتين، يعكس قدراً من التماثل بين حال النظامين اللبناني والسوري اللذين يتشابهان اليوم أكثر من أي وقت مضى، ويدخلان معاً في نفق مظلم واحد، لن يخرجا منه إلا معاً.. بغض النظر عن ظروف حالة الثورة الشعبية التي يواجهها كل منهما، وعن الأدوار الخارجية المؤثرة في إدارة شؤون لبنان وشجون سوريا.
“الربط” الراهن بين العملتين ليس وليد الصدفة أبداً. فهذا أمر يعرفه أصغر مهرب للعملة على الحدود بين البلدين، مثلما يدركه ويسلم به مختلف الصرافين والمصرفيين. العقوبات الاميركية التي كانت ولا تزال تستهدف قطع ذلك الشريان المالي الحيوي بين الدولتين وبين الشعبين، هي بلا أدنى شك السبب الرئيسي للإنهيار المزدوج للورقتين النقديتين، وقدرتهما الشرائية. ويخطىء من يظن أن واشنطن تأبه لمصير الإقتصاد اللبناني وإمكان إفلاس الدولة اللبنانية، في مسعاها الحثيث لتغيير النظام السوري، والذي سيكتسب زخماً إضافياً بدءا من الاسبوع المقبل عندما يبدأ صدور المراسيم التطبيقية لقانون قيصر. ففي إدارة الرئيس دونالد ترامب فريق معروف ومعلن ينشد خراب لبنان، طالما أنه فناء خلفي لنظام بشار الاسد وقاعدة رئيسية لإيران وحزبها الغالي. وفي القيادة الروسية والقيادة الايرانية فريق معروف ومعلن أيضا، يعتبر أن بشار الذي أثرى في السلطة وأفسدها وأفرغها من مضامينها، لا يستحق أي تضحية إضافية، مثلما لا يستدعي موت أي مواطن سوري من الفقر والجوع أي عطف أو إهتمام.
ثمة تفصيل مهم في هذا السياق، وهو أن إنهيار العملة السورية لم يكن فقط نتيجة ذلك الحصار الاميركي المتجدد أو ذاك السباق المحموم مع الليرة اللبنانية المنهارة. فالنظام السوري الذي يدفع ثمن تسع سنوات من حربه الجنونية، مطالبٌ اليوم بتسديد ديون مستحقة لحليفتيه الاخيرتين روسيا وإيران، اللتين تواجهان أزمات مالية حرجة أيضا. وهو مدعوٌ أيضاً الى التسديد من ثروة العائلة التي كان (ولا يزال) يديرها إبن خاله رامي مخلوف، ومن ودائعه وإستثماراته وشراكاته اللبنانية التي لا حصر لها.
والحال ان الانهيار اللبناني الاقتصادي والسياسي، مجرد هامش من هوامش الحرب السورية ومآلاتها الاخيرة، وصدى لما يتردد في دمشق وفي كل من موسكو وطهران من إسئلة حول مستقبل النظام وقدرته على البقاء. ومثلما يتعرض ذلك النظام للضغط من قبل حلفائه الروس والايرانيين،الذين لا يكترثون أو على الاقل لا يمتلكون القدرة على مساعدته في مواجهة أسوأ تحدٍ داخلي يواجهه، كذلك يتعرض لبنان ونظامه الاقتصادي والسياسي طبعا لضغط مشابه من قبل حلفائه المفترضين في واشنطن وبعض الخليج العربي.
الحصيلة المنطقية واحدة، او ربما متقاربة: تغيير النظامين معاً. تعديل السلوك لم يعد ممكناً ، كما لم يعد كافياً. وهو ما تنبىء به الوقائع والحقائق والارقام المتشابهة في البلدين. فات الآوان على الخلاص بإستخدام الادوات والاساليب التقليدية التي لم تعد متاحة أصلاً..لا سيما في الشهور ال12 المقبلة التي تشهد إختبار أكثر من وسيلة لتغيير النظام في دمشق، قبل موعد إنتخاباته الرئيسية، وفي بيروت بعد موعد الهروب الكبير للسوريين واللبنانيين وأموالهم الى الخارج.
هي قصة ليرتين، تختزل سيرة نظامين، وتحدد مصير بلدين فرقتهما الاقدار، قبل ان تجمعهما اليوم من جديد، بشكل عبثي، مؤلم جداً للشعبين معاً..لكنه مبشرٌ بمستقبل زاهر، حسب نبؤة الصديق الشهيد سمير قصير.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت