قمة طهران الثلاثية.. مصالح متناقضة تبحث عن مربع تفاهمات
يذهب الروس إلى قمة طهران الثلاثية التي تجمع رؤساء دول ما يسمى “مسار أستانا” وهم يمتلكون أوراقاً سيضعونها على طاولة محادثاتهم مع الأتراك والإيرانيين.
ويذهب الأتراك إلى القمة وسط تحضيرات عسكرية ضخمة، يريدون منها بيان أن مصالح الدولة التركية أولوية مطلقة، ولذلك لا بدّ من طرد ميليشيات “PKK” و”PYD” من منبج وتل رفعت، ضماناً لمنع القصف وأعمال التفجيرات في المناطق المحررة.
أما الإيرانيون فهم البلد المضيف المتورط عميقاً في حلبة الصراع السورية، ويريد ألا يكون مجرد شاهد على تفاهمات روسية تركية، يجري الصراع بين البلدين حولها، من أجل التوصل إلى تفاهم مقبول لديهما.
الروس يذهبون إلى طهران بعد أن أمروا النظام الأسدي بالامتناع عن الذهاب إلى جنيف للتفاوض حول الدستور المزمع الاتفاق عليه مع وفد المعارضة، وبذلك هم يريدون إفهام الجميع أن الحل السياسي في سوريا لا تزال أوراقه بيدهم، ومن يريد التفاهم حول هذا الحل عليه إدراك الحضور الروسي بلعبة الأمم الجارية في هذه المرحلة.
الروس يتلطون في الإعلام خلف مقولة: “أن السويسريين يضيّقون على ممثليهم الذهاب إلى جنيف”، وهم يدركون أن الغرب بأجمعه يقف خلف هذا الأمر، ولذلك هم يريدون التخلّص من فاتورة جنيف عبر نقل المفاوضات إلى بلد لا يضع على حضورهم شروطاً.
ومع ذلك، لا يرغب الروس بالمخاطرة بمواجهة عسكرية في سوريا مع الأتراك، فهذه المواجهة في ظروف الحرب العدوانية، التي يشنّونها على أوكرانيا، ستدفع بالأتراك إلى انزياح أكبر، باتجاه التحالف مع الغرب ضد الحرب الروسية، ولهذا هم يأتون إلى طهران لإدارة الخلافات بينهم وبين تركيا، دون الانجرار إلى مواجهة تطيح بعلاقاتهم مع تركيا، وهم في هذه المرحلة في أحوج ما يكون لعلاقات متوازنة مع الأتراك.
الروس يعرفون حقّ المعرفة أن تركيا ترفض حربهم على أوكرانيا، ويعرفون أكثر أن العلاقات العسكرية بين تركيا وأوكرانيا ليست وليدة الحرب الحالية، ولهذا لم يستطع الروس منع الأتراك من تزويد الأوكران بطائرات البير قدار المسيّرة ذات الشهرة الواسعة.
الإيرانيون من جهتهم يريدون من هذه القمة التي تعقد في عاصمتهم تأكيد وجودهم المستمر في سوريا، وتأكيد أن لهم مصالح مختلفة في هذا البلد، ولا يقبلون بأي اتفاق سياسي تركي / روسي يتجاهل هذه المصالح، ولهذا، فهم أيضاً معنيّون كما يعتقدون، بأنهم لن يقبلوا بأي اتفاقات روسية تركية تتجاهل مصالحهم، وعليه سيضعون أوراقهم وحجم تدخلهم في سوريا على الطاولة كورقة تفاوض وضغط.
والسؤال الهام الذي ينتظر كثيرون الإجابة عليه. هل ستشنّ تركيا حربها المحدودة على ميليشيات ما يسمى (قوات سوريا الديمقراطية) ؟، وهل هذه الحرب ستشمل فقط منطقتي منبج وتل رفعت فحسب، أم أنها ستكون أوسع من ذلك لتحقيق ما تسميه تركيا “المنطقة الآمنة”، والتي يبدو أن لا اتفاق بخصوصها بيت الأتراك وكلٍ من الروس والأمريكان؟!
الجواب على هذا السؤال يحتمل وضع تصورات لسيناريوهات محتملة حوله.
السيناريو الأول: أن تنسحب الميليشيات الانفصالية (قسد) من منبج وتل رفعت، حيث يحلّ محل هذه الميليشيات قوات مجلس عسكري قوامه أبناء هذه المنطقة، ومهمته السيطرة عليها، وتشكيل مجالس محلية، دون دخول للقوات التركية إلى منبج، بل البقاء في محيطها لمنع أي ارتداد تقوم به الميليشيات الانفصالية المسماة (قسد). وأن يكون هناك حضور للنظام الأسدي بصورة مدنية، لإدارة مؤسسات الدولة ورفع علم النظام فوقها.
السيناريو الثاني: يبقى الأتراك خارج مدينتي منبج وتل رفعت، ولا يدخل النظام الأسدي إليهما، مقابل تعهد تركي يسمح بحركة تجارية وحركة تنقل حرّة على الطريقين الشهيرين M4 و M5.
بالطبع في السيناريو الأول والثاني يصرّ الروس على عدم دخول قوات الجيش الوطني السوري إلى هاتين المنطقتين، وهو ما يعني أقل من نصف حلٍ يريده السوريون وتؤيده تركيا، لا بل تعمل عليه، من أجل أن يكون حلقة من حلقات خلق المنطقة الآمنة، وبنفس الوقت التخلص من وجود الميليشيات الانفصالية في هذه المناطق، مما يدعم الأمن القومي التركي.
السيناريو الثالث: هو ما يمكن أن يتوافق عليه الأتراك والروس والإيرانيون بخصوص الترتيبات الأمنية، وعدم الانزلاق بمواجهات بينية، مع الحفاظ على مصالح إيرانية في أي حل جزئي أو كلي.
وفق ما تقدّم، هل هناك إرادة تركية جدية لتحرير منبج وتل رفعت من قبضة ميليشيات ما يسمى “سوريا الديمقراطية”؟، وهل هذه الإرادة كافية للذهاب إلى هذا التحرير؟، وهل يقبل الأمريكيون والروس بهذه الإرادة التركية وتمرير ما يريده الأتراك؟
إن الظروف التي تمرّ بها البلدان الثلاثة، التي ستجتمع في طهران في التاسع عشر من تموز/ يوليو 2022، نرى أنها لا تسمح لأي بلد منهم بالذهاب منفرداً في مشروعه في سوريا، وتحديداً في تقرير وضع منطقتي منبج وتل رفعت.
تركيا تعاني الآن من تدهور سريع بقيمة عملتها المحلية مقابل الدولار، وهو أمرّ يدخل في حسابات ربح الانتخابات القادمة أو خسارتها، ما دام التدخل وشن الحرب سيزيد من مأساوية الوضع المعاشي للطبقات الشعبية التركية خصوصاً، وأوضاع الشعب التركي الاقتصادية عموماً. إضافة إلى ذلك، ليس من مصلحة تركيا أن تجد نفسها في مواجهات عسكرية غير محسوبة النتائج مع روسيا أو مع إيران، إلا في حالة واحدة، هو انتقال التموضع السياسي التركي من وضعه الحالي إلى وضع العداء المباشر مع الوجودين الروسي والإيراني في سوريا، أي انتقال سياسي على صورة تحالف كلي مع الغرب الأوربي والولايات المتحدة، وهذا يتناقض مع دينامية التنمية السياسية والاقتصادية التركية الشاملة.
الروس هم الآخرون مع تسوية مرنة ومقبولة مع تركيا، لأن خسارة تركيا في هذه المرحلة ستزيد العبء العسكري والاقتصادي على كاهل حكومة بوتين، وهذا ما لا ترغبه موسكو في هذه المرحلة، ولذلك هم أقرب إلى السيناريو الأول مع تركيا ومع إيران.
الإيرانيون هم الآخرون ليسوا مضطرين للمغامرة في مرحلة صعبة تعيشها بلادهم نتيجة الحصار الاقتصادي وحالة الغليان الشعبي الجارية في المدن الإيرانية، ولهذا هم يحاولون ممارسة ضغوط يدركون في أنها محدودة التأثير على التفاهمات النهائية الروسية التركية.
بقي أن نقول أن قمة طهران ستدلق ما في كأسها من تفاهمات وتناقضات بين بلدانها الثلاثة، وأن إدارة الخلافات هي سيّد المرحلة للاعبين الثلاثة، فهل سنشهد تراجعاً ملموساً عن شعار تحقيق المنطقة الآمنة في هذه المرحلة، أم أن مفاجآت قد تحدث في ربع الساعة الأخير من الصراع؟!
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت