لم يصدر كلام حكومي أو رسمي في شأن مكافحة فيروس الكورونا (كوفيد 19) كخطاب الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله. ذاك أن هذا الخطاب، وعلى عكس الكلام المكرر سابقاً يحوي استراتيجية طويلة الأمد، لها ارتدادات مهمة خلال الفترة المقبلة. ومن الضروري التدقيق في مضمون الخطاب لفهم دقة المرحلة المقبلة في لبنان حيث تواجه الحكومة افلاساً تدريجياً لا قعر له.
بالإمكان تقسيم كلام نصر الله في خصوص كورونا الى شقين: الأول معنوي والثاني عملي. في الشق الأول، تحدث الأمين العام للحزب عن “المواجهة والمقاومة وخوض هذه المعركة وتحمل المسؤولية بروحية من يريد أن ينتصر”. صحيح أن هذه حرب، كما قال أكثر من زعيم ورئيس في العالم ومنهم الفرنسي ايمانويل ماكرون، لكن في كلام نصر الله تلوح أفق مواجهة من نوع آخر. يشد نصر الله عصب مناصريه في مواجهة هذا الوباء ويضع أسساً أخلاقية ومعنوية. أولاً، يشدد على الصدق والشفافية والمسؤولية، وهذا يعني عملياً التبليغ عن الإصابات، بوصفه واجباً دينياً وأخلاقياً. وثانياً، يُقارن بين هذه المواجهة، لجهة صعوبتها والاستحالة الأولية في الانتصار فيها، وبين مهمات أخرى للتنظيم في لبنان (التحرير من الاحتلال الإسرائيلي) وفي سوريا (مساعدة النظام الأسدي على تهجير السكان وتدمير المناطق الخارجة عن سيطرته، وتمكينه لاعتقال وتعذيب وتصفية عشرات آلاف المعارضين). وهاتان مهمتان كانتا عصيتين على الاستيعاب لجهة التحديات فيهما. مع الاحتلال الإسرائيلي، فعلاً سجل التنظيم انتصاراً جذب له اعجاباً واسعاً داخل بيئته وخارجها وفي أنحاء العالم أيضاً. (لكن ربما هذه المعادلة لا تصح في سوريا حيث كانت ايران وميليشياتها ومعهما سلاحا الجو السوري والروسي، في مواجهة انتفاضات محلية بأسلحة خفيفة، وأحياناً كثيرة بلا أسلحة وذخائر. كان الدعم الغربي للمعارضة السورية، حقيراً. والحقارة هنا وصف دقيق لما تسرب من معدات خفيفة وتدريبات هزلية الى المعارضة. طبعاً، أضافت الماكينة الإعلامية للمانعة سيناريو نقل القوات الأميركية “داعش” بالمروحيات ودعمها بالسلاح والمال والعتاد، وغيرها الكثير من الخرافات الهزلية لمحاولة إخفاء الفارق المعيب في القوة النارية بين الجانبين، ما أفضى الى الهزائم الحالية).
المهم أن نصر الله يربط بين هاتين المهمتين المستحيلتين، من جهة، وبين الواقع الحالي من جهة ثانية. منطق الانتصار والمواجهة واحد هنا. إذاً، نحن اليوم ساحة حرب، تماماً مثل سوريا، وبالتالي علينا التفكير بالمنطق ذاته. كيف سيُترجم هذا الواقع؟
هنا يأتي الشق الثاني من كلام نصر الله، أي العملي منه. في المواجهة، هناك تعبئة عاملة، و”المسؤولية”، وفقاً لنصر الله، “يجب أن تكون عامة وشاملة”، وفيها كل الدولة والرؤساء، والحكومة بكل وزاراتها وليس فقط الصحة، مجلس النواب، الجيش، القوى الأمنية، البلديات، ثم الشعب اللبناني كله والموجودون على الأراضي اللبنانية من غير اللبنانيين (اللاجئون الفلسطينيون، النازحون السوريون والمقيمون من غير الجنسية اللبنانية من عرب أو غير عرب).
والحزب هنا مع حلفائه محرك أساسي، تماماً كما كان في المعارك السابقة. والحقيقة أن هناك دوراً أكبر للبلديات والقوى المحلية من الدولة، وهذا ظاهر اليوم في الاستنفار الحاصل والقرارات المتفرقة على صعيد البلاد. مؤسسات الحزب فاعلة، وكذلك بقية القوى، رغم أنها على مستوى أقل لوجستياً. والبلدات تتخذ قرارات من قبيل العزل وفرض الغرامات على المواطنين، على مستوى كان حصراً للدولة سابقاً. ذلك أن اللامركزية التي لاحت في الأفق بعد ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وما تلاها من أزمات سياسية ومالية واقتصادية، تعود اليوم من بوابة انتشار وباء الكورونا.
الدولة على حافة الإفلاس الكامل، ولم يبق الا بضعة مليارات في المصرف المركزي تتناقص كل يوم، وقد ينتهي مع صرفها ما تبقى من الدولة اللبنانية. هذه الهياكل التي تنصب أمامنا في “معركة الكورونا” المصيرية، ستدوم بعدها، وقد تصير الأمر الواقع خلال سنوات مقبلة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت