نشر “المركز السوري للعدالة والمساءلة” تحقيقاً أثبت فيه “سلوكاً ممنهجاً” اتبعته فرق النظام السوري العسكرية ومخابراته في إخفاء هوية الضحايا، من خلال عملية حرق جثثهم.
وجاء في التحقيق الذي نشر، اليوم الاثنين، أن “المخابرات العسكرية السورية والفرقة التاسعة التابعة للجيش السوري أحرقت جثث المدنيين والمنشقين وأعضاء المعارضة وغيرهم من غير المقاتلين، الذين قتلوا في إعدامات ميدانية”.
وحمل التحقيق عنوان: “لا تتركواً أثراً: إحراق الحكومة السورية لرفات الضحايا والتخلص منها”.
وتضمن تحليل سلسلة فيديوهات أظهرت قيام عناصر تابعين للنظام السوري بإحراق رفات أشخاص في ريف محافظة درعا عام، 2012، وذلك بغرض إخفاء آثار إعدامات جماعية وطمس هوية ضحاياها.
وتُثبت المقاطع المصورة التي حصل عليها المركز، بما لا يدع مجالاً للشكّ، أن عملية التخلّص من رفات الضحايا، بما في ذلك تصوير الجريمة، تمت بأوامر من قادة في “المخابرات العسكرية السورية”.
وبلغ عدد المقاطع المصورة التي حللها المركز 131 تسجيلاً، بالإضافة إلى 440 صورة فوتوغرافية واثنين من ملفات التسجيل الصوتي.
وتم العثور على هذه المواد والأدلة في جهاز كمبيوتر محمول يتبع لقوات الأسد، وحاز عليه أحد الناشطين الإعلاميين في ضواحي دمشق، من عنصر يتبع لجماعة مسلحة معارضة في درعا.
ويقول محمد العبد الله، المدير التنفيذي لـ”المركز السوري للعدالة والمساءلة” إن “ضباطاً رفيعي المستوى في المخابرات العسكرية السورية والجيش السوري شاركوا في التدمير غير المشروع للرفات”.
وأضاف في تصريح صحفي: “لقد فعلوا ذلك أثناء تصويرهم من قبل ضباط في المخابرات العسكرية، مما يشير إلى أن جميع مستويات الجيش كانت على دراية بإتلاف الأدلة على الجرائم”.
ويوثق التحقيق حالات أسرت فيها قوات النظام السوري غير المقاتلين.
وفيما كان ينبغي اعتبار هؤلاء المدنيين أشخاصاً محميين بموجب القانون الإنساني الدولي كشف تحقيق “المركز السوري” أنهم تعرضوا لعمليات إعدام ميدانية، وأن جثثهم دمرت، مما قد يعوق التحقيقات الجنائية التي يمكن استخدامها في جهود المساءلة المستقبلية.
وقال المحقق الرئيسي في التحقيق إنهم اعتمدوا على أدلة تم العثور عليها من جهاز كمبيوتر محمول حكومي، يحتوي على صورة فوتوغرافية وفيديو على التعذيب والقتل وجرائم ما بعد الوفاة التي ارتكبتها المخابرات العسكرية وأعضاء اللواء 34 المدرع التابع للفرقة التاسعة.
وأضاف: “بينما تم تقديم معظم هذه الأدلة مباشرة من قبل الجناة، كان المركز السوري للعدالة والمساءلة قادراً على مطابقة النتائج التي توصلنا إليها من خلال معلومات مفتوحة المصدر، ووثائق استخبارات حكومية محفوظة مسبقاً في قاعدة بيانات المركز”.
وتظهر إحدى الفيديوهات الرئيسية التي كشف تفاصيلها المركز الحقوقي كيف أقدمت مجموعة عناصر من “المخابرات العسكرية” و”الفرقة التاسعة” على إضرام النار في مجموعة من الجثث، بعد إنزالها من سيارة من نوع “بيك آب”.
وفي الوقت الذي كان فيه أحد العناصر يسكب البنزين على جثة أحد الضحايا، اتجه آخر (يكنى بأبو طاهر) إلى تصوير الوجه بالكاميرا، ليتم فيما بعد ركله إلى حفرة مجهزة بشكل مسبق.
وبينما تكررت هذه العملية على جثة تلو الأخرى، كان برفقة هؤلاء العناصر ضابط تشير البزّة التي يرتديها وتقاطعات أخرى إلى أنه من “الضباط رفيعي المستوى”.
وقد استطاع الباحثون تحديد هويات بعض مرتكبي الجريمة، وأثبتوا بشكل قاطع أنها لم تكن معزولة أو فريدة من نوعها، وأنها تندرج في سياق ممارسات ممنهجة تتم بأوامر من جهات عليا في النظام السوري.
وخلص الباحثون إلى أن “المخابرات العسكرية السورية” اعتمدت “سياسة دولة” ممنهجة، بهدف طمس الأدلة على جرائم الحرب المرتكبة، وإخفاء جثث قتلى الإعدامات الميدانية، بما في ذلك قتلى المداهمات العسكرية والعمليات الأمنية الخاصة، من قبيل العمليات التي تستهدف قتل المنشقين عنها.
ويشكل ارتكاب فعل الإعدام الميداني بحق المدنيين وفقاً لما يوثقه التحقيق “انتهاكاً للأركان والمبادئ الأساسية في القانون الدولي الإنساني”.
كما يخالف قواعد الحماية التي يتمتع المدنيون بها بصفتهم غير مقاتلين.
وبالإضافة إلى ذلك “فإن تدنيس جثث المتوفين والتعامل معها بشكل لا إنساني يناقض مسؤوليات الجماعات المسلحة، التي تقتضي الحفاظ على كرامة الرفات البشري”، وفق المركز السوري.
واستخدمت قوات النظام والميليشيات المحلية والأجنبية التي تقاتل إلى جانبها سياسة حرق البشر وهم أحياء حتى الموت، إضافة إلى حرق جثث الأشخاص بعد إعدامهم، بشكل كبير، منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في سورية عام 2011.
وصعّدت هذه القوات من عمليات الحرق بشكل كبير خلال عام 2012، وتواصلت هذه الأحداث على مدار الأعوام اللاحقة، بحسب تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” صادر في فبراير/شباط 2015.
وتظهر الإحصائيات، بحسب التقرير، أن استخدام قوات النظام طريقة القتل حرقاً أو حرق الجثث بعد القتل هي سياسة ممنهجة اتبعتها هذه القوات، ترافقت مع الكثير من المجازر.
وقال التقرير، إن قوات النظام قامت بعمليات واسعة جرى فيها إحراق للجثث بعد قتل أو ذبح أصحابها، إما زيادة في التشفي أو الانتقام، وإما لردع وإرهاب المجتمع المحلي، وإما من أجل إخفاء معالم الجثث والضحايا، وبالتالي إخفاء الجريمة.
وجرت حالات حرق لنساء بعد أن مورست بحقهن عمليات اعتداء جنسي.
وأضاف أن عمليات حرق الجثث كانت تتم إما في صورة الحالات الفردية، وإما أنها، كما بدا في العديد من الحالات، كانت تتم بشكل جماعي وعلى خلفيات انتقامية ذات طابع طائفي.
وترافقت الكثير من عمليات حرق الجثث مع المجازر التي تحمل صبغة طائفية، وارتُكبت من قبل ميليشيات محلية وأجنبية، بالتنسيق والتعاون مع قوات النظام.